انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو يعزّز اعتماد أوروبا على أمريكا
من الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت الإعتبارات الجيوسياسية للعديد من الدول الأوروبية تتغير. وتسرّع فنلندا والسويد عملية تخليهما عن حيادهما التاريخي، من طريق محاولة الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
والناتو هو حلف تاريخي من 30 دولة، وكان الركيزة الأساسية في مواجهة الإتحاد السوفيتي حتى انهياره. وتنص المادة الخامسة من ميثاق الحلف على أن تقوم كل دولة عضو فيه بالدفاع عن الأعضاء الآخرين في حال تعرضهم للهجوم. ونتيجة لذلك، فإن القرار بقبول عضوية فنلندا والسويد يجب أن يأخذ في الحسبان اعتباراً أساسياً: هل من مصلحة أمريكا أن تلزم نفسها الذهاب إلى الحرب مع دولة نووية دفاعاً عن سلامة هاتين الدولتين؟ وهل الشعب الأمريكي راغب في إرسال جنوده ومجنداته للقتال من أجل مثل هذه المصلحة للأمن القومي؟
تقدير قوة أوكرانيا
ويقول المستشار في مركز المصلحة القومية بالولايات المتحدة سومانترا مايترا في مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، إنه رغم طموحاتها التاريخية، فإن روسيا أساءت إلى حد كبير تقدير قوة أوكرانيا. وتبدو روسيا تهديداً يمكن الدول الأوروبية التعامل معه بالاعتماد على قواها بشكل جماعي. والأوروبيون قادرون على هذه المهمة تماماً، من دون استثمار المزيد من الأموال والدماء الأمريكية أو وجود أمريكي في المقدمة. إن السبب الوحيد الذي يجعل أوروبا تجلس في المقعد الخلفي، يكمن في الاعتماد اللامتناهي على سخاء الأمريكيين.
إن عملية انضمام سريعة للناتو جارية الآن من فنلندا والسويد، بناء على طلب الدولتين الأوروبيتين اللتين تستغلان الوضع وهيستريا الحرب من أجل إحداث مزيد من التوسع لحلف متضخم أصلاً. إن تدعيم إطار ثبتت نجاعته في العمل من أجل الدول الأوروبية في العقود الأخيرة، لا يعني أنه قدم الفائدة ذاتها للولايات المتحدة. ويتعين على صانعي القرار في الولايات المتحدة تجاهل التيارات الشعبوية وأن يشجعوا على فتح نقاشات عامة حول حدود الناتو المتغيرة على نحو دائم وحول التزاماته الفضفاضة.
ويلفت الكاتب إلى أن فنلندا والسويد لا تواجهان خطراً فعلياً بمواجهة أي غزو، وأن الحياد كان ناجحاً بالنسبة للدولتين. وروسيا هي ظل لما كانت عليه في الماضي مع اقتصاد وجيش محطمين. وتستطيع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا موحدة توفير قوة رادعة في البلطيق، كما أنها تملك مظلة نووية خاصة بها. ولا تمنح فنلندا أو السويد إضافة كافية لأمن الأطلسي، لتبرير الأعباء الإضافية. إن ضمهما إلى الحلف يعني وجود دولتين إضافيتين محميتان، وستكونان مشمولتين بمعاهدة تلزم الولايات المتحدة الذهاب إلى حرب نووية.
لا هستيريا الحرب، ولا الرغبة في معاقبة روسيا، ولا التعاطف مع القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، يجب أن يؤثر على حسابات استراتيجية دقيقة. وعوض ذلك، فإن المعضلة الروسية في أوكرانيا، تثبت أنه حان الوقت للولايات المتحدة كي تعيد توجيه سياستها بعيداً عن أوروبا والتركيز أكثر على قضايا أكثر إلحاحاً مثل الحدود الجنوبية والتضخم وصعود الصين.