آراء

ليونيل لوران: فوز ماكرون.. فرصة فرنسا وأوروبا

في عام 2017، قاومت فرنسا الاتجاه الشعبوي بالتصويت لصالح إيمانويل ماكرون ضد مارين لوبان غير المؤيدة للاتحاد الأوروبي. وفي عام 2022، فعلت فرنسا ذلك مرة أخرى- تماماً كما تبدو سلوفينيا على استعداد للتخلص من زعيمها القومي. أهذا استعراض شامل للقيم المؤيدة للاتحاد الأوروبي؟ ليس تماماً. فتقدم ماكرون على منافسته أضيق من المرة السابقة – فقد حصل على 58%، وليس 66% كما في المرة السابقة- والإقبال على التصويت بلغ أدنى مستوياته منذ عقود. فالسأم وسط الناخبين مرتفع. لكن صور التأثير المتداعي المعادي للنخب بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتهاء رئاسة ترامب تتلاشى بشكل متزايد في عالم ما بعد أوكرانيا وما بعد كوفيد.

والفرنسيون صوتوا لفرنسا في قلب أوروبا، وليس في هامشها، وإن تعين عليها حماية شعبها بشكل أفضل. وأمام ماكرون فرصة هنا. ففرنسا تتمتع بثقل استراتيجي باعتبارها القوة النووية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي، واقتصادها يتفوق على الاقتصاد الألماني، وهو أقل اعتماداً على الغاز الروسي في زمن الحرب وارتفاع أسعار الطاقة. لكنها تحتاج إلى الميل نحو اتجاه أفضل.

والمصرفي الذي أصبح رئيس فرنسا يعلم أن عليه تغيير أسلوبه في الحكم في الداخل. فلم تعد قائمة أولوياته الإصلاحية الليبرالية تتفق مع تأييد الفرنسيين لدور أكبر للدولة فيما بعد كوفيد. وسيتعين على ماكرون التعاون مع الأحزاب والنقابات العمالية المتنافسة، وتقديم أوراق اعتماد خضراء ويسارية لامعة.

وعلى الرغم من أن الناخبين رفضوا في نهاية المطاف دعوة لوبان لتمزيق التعاون الأوروبي والتقارب مع روسيا، أكسبتها حملتها اليسارية اقتصادياً نسبة تأييد أفضل مما حققتها عام 2017. فقد ذكر استطلاع رأي إبسوس أنها حصلت في جولة الإعادة على تأييد نحو 17% من الناخبين الذين أيدوا في الجولة الأولى اليساري المتطرف المثير للجدل جان لوك ميلينشون. وتعكس النقاط التي تحدث فيها ماكرون في الآونة الأخيرة وفي كلمة إعلان الفوز استعداده لنشر مظلة سياسية أكبر. وإذا قاد في الأشهر القليلة المقبلة حكومة مناسبة، سيتمكن من حشد أغلبية (ربما تقلصت) بعد الانتخابات البرلمانية في يونيو. ويعتقد كريستوفر ديمبيك من «ساكسو بنك»، الدنمركي الاستثماري، أن احتمالات فشله في هذا تقل عن 25%. صحيح أنه لا يوجد ما يضمن عدم حدوث احتجاجات أو إضرابات، لكن تحقيق أغلبية أو تشكيل ائتلاف سيقلص فرصة الجمود التشريعي، في وقت تحاول فيه فرنسا جاهدة التعامل مع عبء دين تبلغ نسبته إلى الإنتاج المحلي الإجمالي 113%، كما تتعرض البلاد لضغوط لتحسين الأجور والأداء في قطاعات مثل الصحة والتعليم.

وعلى المسرح الأوروبي، يتعين على ماكرون أيضاً تحقيق توازن جديد بين التواضع والتقارب. فالوحدة بشأن العقوبات ضد روسيا تتآكل، ومن المقرر أن ينضم المزيد من أعضاء الاتحاد الأوروبي إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو الذي وصفه ذات يوم بأنه «ميت عقلياً»). ومركز الثقل السياسي يتحول شرقاً، حيث فشلت باريس في الماضي في بناء رأسمال دبلوماسي. وعلى جدول الأعمال أيضاً، التحول المناخي ووضع لوائح تنظيمية لمنصات التكنولوجيا وسد الثغرات الضريبية للشركات. وفي هذا أيضاً فرصة. والثقل الجيوسياسي لفرنسا حيوي لتعزيز الموقف المؤيد لأوكرانيا فيما يتعلق بدعم كييف مالياً وعسكرياً، هذا بالإضافة إلى تقليص الاعتماد الأوروبي على النفط والغاز الروسيين. وقدرة باريس على حث برلين على دعم هذه القضايا حيوي أيضا، نظراً لأن المستشار الألماني أولاف شولتز -أول زعيم أجنبي يتصل بماكرون بعد إعادة انتخابه- يتعرض لضغوط من تحالفه لاتخاذ موقف أوضح تجاه فلاديمير بوتين. وتفكيك ارتباطات المنطقة في مجال الطاقة، مع تكثيف قدراتها الدفاعية في الوقت نفسه، سيؤدي إلى ارتفاع الكلفة.

ويجب أن يستخدم ماكرون الذي أعيد انتخابه زخمه السياسي لاستعادة روح خطة الاتحاد الأوروبي للتعافي من الجائحة، التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، ويتعين عليه السعي لضخ المزيد من الإنفاق والتضامن من خلال الاقتراض المشترك، على النحو الذي اقترحه سابقاً بالشراكة مع الإيطالي ماريو دراجي.

وفي غضون ذلك، لن تتقدم الأحزاب الفرنسية اليمينية واليسارية المتطرفة. فمن المرجح أن تتمتع هذه الأحزاب بتواجد سياسي أكبر باعتبارها اثنتين من ثلاث كتل تصويتية كبيرة (إلى جانب الوسط بقيادة ماكرون) بعد أن خرجت من ركام انقسامات اليسار واليمين في القرن العشرين. ومع عدم تمكن ماكرون من الترشح لولاية ثالثة، يظل خطر حدوث مواجهة استقطابية أخرى قائماً في عام 2027. لكن لوبان تواجه ضغوطاً خطيرة لديها، وفقاً لما ذكرته المحللة السياسية كاثرين فيشي، مديرة شركة «كاونتربوينت» البحثية. فقد راهنت لوبان على استراتيجية تخلصت فيها من تبني سياسة خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي (فريكسيت) وعصفت بماضي حزبها الفاشي، ونشرت مقاطع فيديو لقططها وتحدثت عن تقديم هبات من الميزانية. وتشير النسبة التي فازت بها وتجاوزت قليلاً 40%- وهي نسبة أقل من أداء حزبها الجيد المفاجئ في يونيو- إلى أنها بلغت قمتها كمنافس على الرئاسة.

ودخل ماكرون التاريخ كأول رئيس فرنسي يفوز بإعادة انتخابه منذ عام 2002. وما زال هذا يعني شيئاً، على الرغم من وجود تصدعات عميقة في المجتمع وتردد في تبني موقف الرئيس من أجل «ثورة» ليبرالية. وإذا فشل ماكرون في الوفاء بوعده بتحقيق حماية أكبر في الداخل وحضور أكبر في الخارج، ستصبح هذه فرصة ضائعة كبيرة.

*صحفي متخصص في شؤون الاتحاد الأوروبي وفرنسا.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

زر الذهاب إلى الأعلى