فيليب مارليير: فرنسا لا تزال في مأزق
أُعيد انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون بعد أن حصل على 58.5 في المائة من الأصوات مقابل 41.5 في المائة لمنافسته مارين لوبن. بعد أسبوعين مؤلمين اقتربت فيهما الدولة من احتمال اتجاه الرئاسة إلى أقصى اليمين، بدت النتيجة وكأنها تبشر بالعودة إلى الحياة المعتادة.
ورغم ذلك، سيكون من السابق لأوانه الاحتفال. في الحقيقة، لم تكن الديمقراطية الفرنسية يوماً ما أسوأ مما هي عليه الآن. فقد حصل ماكرون على مليوني صوت أقل مما حصل عليه في عام 2017، وتقريباً انهار الحزبان الرئيسان في حقبة ما بعد الحرب، الجمهوري والاشتراكي. في أعقاب ذلك، أصبحت السياسة الفرنسية مدفوعة الآن بثلاث قوى – بقيادة ماكرون والسيدة لوبن واليساري جان لوك ميلينشون – وباتت تسير في اتجاهين متعاكسين، ناهيك عن مستويات قياسية من الامتناع عن التصوير وحالة من عدم الاستقرار.
لكن المشكلة تتجاوز السياسة، حيث أدت رئاسة ماكرون المثيرة للانقسام إلى انفجار غير عادي للغضب والاستياء الشعبيين. واتخذ هذا أشكالاً عديدة، من احتجاجات السترات الصفراء – وهي حركة كانت في البداية ضد زيادة ضريبة الوقود التي تحولت إلى معارضة شاملة للرئيس – إلى الحروب الثقافية العدائية. لذا؛ فقد تم تحريك الشعب الفرنسي وتخديره في الوقت نفسه خلال السنوات الخمس الماضية. وبدا المزاج الوطني غير مستقر.
في السنوات المقبلة، على الرغم من تعامُل الدولة مع التداعيات المستمرة للوباء والأزمات الجيوسياسية وارتفاع الأسعار، قد يكون لدى الناس أسباب كافية للتعبير عما يعيشونه. صحيح أن ماكرون قد فاز، لكن فرنسا لا تزال في مأزق.
من المؤكد أننا شهدنا صيحات يأس مماثلة في عام 2002 عندما وصلت جان ماري لوبن إلى الدور الثاني، لكن الموقف آنذاك كان أكثر احتواء: فقد اعتبر ذلك مسابقة غريبة وحادثة لا تحدث سوى مرة واحدة. كان جاك شيراك، الذي فاز بنسبة 82 في المائة، واثقاً جداً من النصر لدرجة أنه رفض مناقشة خصمه. نزل مليون شخص إلى شوارع باريس «لوقف الفاشية»، وتوافد الناخبون على شيراك، مرشح يمين الوسط، لضمان عدم حصول لوبن على فرصة للفوز.
بدت الأمور مختلفة هذه المرة. فعندما وصلت مارين، ابنة لوبن، إلى الجولة الثانية للانتخابات الثانية على التوالي، لم يفاجأ أحد ولم يقم أحد بمسيرة احتجاجية. كانت «الجبهة الجمهورية»، وهي ائتلاف طارئ من الناخبين والأحزاب الرئيسية ضد اليمين المتطرف، أضعف مما كانت عليه في أي وقت مضى. كان انتصار ماكرون لفترة من الوقت موضع شك خطير وبعيداً عن التأكيد قبل أن يأتي. ربما تم إيقاف اليمين المتطرف عند صناديق الاقتراع هذه المرة، لكن أفكاره ومرشحوه باتو الآن جزءاً راسخاً من التيار الرئيسي.
يبدو أن انتخابات 2017 لاحقاً كانت فرصة ضائعة. فقد تحدث ماكرون، الوافد الجديد على الساحة السياسية، عن التمسك بالقيم الجمهورية الفرنسية المتمثلة في الحرية والمساواة والأخوة، وتعهد بإقامة المزيد من المؤسسات السياسية الديمقراطية ومحاسبة النخب. ووعد بمعالجة الإرث الاستعماري لفرنسا، واعترف بالتنوع الثقافي والديني الفرنسي. وبالنسبة للكثيرين، كان ذلك بمثابة نسمة من الهواء النقي. كان هنا رئيس شاب له تفويض ودافع لتجديد الديمقراطية والمجتمع الفرنسيين.
لكن هذا لم يحدث ذلك. ففي وقت مبكر من فترة ولايته، جرت مقارنة ماكرون بجوستين ترودو، حيث جلب بنشاط الإصلاح التدريجي إلى بلد منهك. وينظر إليه منتقدو ماكرون اليوم على أنه زعيم مختلف تماماً: مارغريت ثاتشر فرنسي. اتسمت السنوات الخمس التي قضاها في المنصب بازدراء الرقابة الديمقراطية، والتنازل للفقراء والقسوة تجاه المهاجرين. في هذه العملية، خيب ماكرون أمل بل وأثار غضب أولئك الذين كانوا يأملون في أن يكون مخلصاً لوعد حملته الانتخابية بأن يكون رئيساً للجميع.
من الناحية السياسية، كانت الآثار محفوفة بالمخاطر. فمن خلال استنزاف أجزاء كبيرة من كل من يسار الوسط ويمين الوسط، ساعد ماكرون في انهيار الحزبين الرئيسيين في فرنسا. ونتيجة لذلك، أصبحت السياسة مجزأة وباتت النقاشات مستقطبة. وتم استبدال المعارضة الحزبية التقليدية في الأمور الاجتماعية والاقتصادية بحروب ثقافية لا نهاية لها على الإسلام والهجرة والهوية الوطنية. في هذا الجو، أصبح اليسار تحت قيادة ميلينشون متطرفاً، وحصل على دعم الشباب وذوي الأعراق، لكنه أبعد الناخبين اليساريين الأكثر اعتدالاً.
من جانبه، انتهز اليمين المتطرف الفرصة للتظاهر بأنه القوة المعارضة الوحيدة المقبولة للرئيس. ففي مجتمع خائب الأمل وغير راضٍ، وجد ذلك المناخ من يشتريه. قاد إريك زمّور، المحلل الإعلامي الذي تحول إلى سياسي، الطريق في تبني مواقف متطرفة بشأن الإسلام والهجرة. وعملت السيدة لوبن بعد تلطيف صورتها على السير في الاتجاه نفسه. كانت الاستراتيجية ناجحة، حيث أدلى نحو ثلث الناخبين بأصواتهم في الجولة الأولى لليمين المتطرف، وهي نسبة غير مسبوقة.
إن تصاعد الدعم لليمين المتطرف ليس بالأمر السهل. لكن من الواضح أنه يعبر عن غضب غير متبلور يحدث في جميع أنحاء فرنسا. فقد أوضحت السترات الصفراء، التي جاء أعضاؤها من مختلف الأطياف السياسية، حدة وعمق القلق في البلاد، وهو ما جعل الأمور تبدو وكأن الوباء قد تفاقم فقط. وفي العامين الماضيين، تجذرت حركة قوية مناهضة للقاحات. وتم استبدال الآيديولوجيات القديمة للاشتراكية والمحافظة بنظريات المؤامرة والارتباك السياسي.
ما جرى يعد أمراً خطيراً. ففي الأسبوعين الأخيرين من الحملة، قدم ماكرون تنازلات لليسار، من بينها مراجعة الإصلاح المخطط للمعاشات التقاعدية والالتزام من جديد بحماية البيئة. لكن هذه الوعود، التي تبدو سطحية بالفعل، لا تفعل شيئاً يذكر لتوحي بأن الرئيس سيغير مساره. وإذا لم يفعل، فمن المؤكد أن غضب ومرارة مواطنيه سوف يتضخمان، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الحركات الاجتماعية الراديكالية من اليسار واستياء من أقصى اليمين. قد تكون الانتخابات التشريعية في يونيو (حزيران) بمثابة تذوق مبكر للصعوبات المقبلة.
بعيداً عن الديمقراطية النموذجية، فإن فرنسا بلد لا يشعر بالراحة مع التعددية والتعددية الثقافية والليبرالية السياسية – وهي حالة كشف عنها الصعود المطرد لليمين المتطرف. وهذا أمر سيئ بما فيه الكفاية، لكن من الصعب تبديد الشعور بأن شيئاً أسوأ قد يكون وشيكاً.
* أستاذ السياسة الفرنسية والأوروبية في جامعة
«يونيفرسيتي كوليدج لندن»
* خدمة «نيويورك تايمز»