هنا اوروبا

ما هي أهمية تعليم اللغة العربية لأبناء المهاجرين واللاجئين العرب في فرنسا؟

تجدد الجدل في فرنسا حول أهمية اللغة العربية خاصة بالنسبة للاجئين والمهاجرين حديثا، مع صدور اقتراح معهد "مونتاني" في 9 سبتمبر/أيلول 2018. وأوصى المعهد في تقريره بتعليم اللغة العربية في المدارس العمومية الفرنسية. فكيف ينظر المهاجرون واللاجئون إلى الأمر؟ وهل أن حاجتهم إلى تعلم اللغة العربية تضاهي حاجتهم إلى تعلم اللغة الفرنسية؟

 

 

 

 

أعلن وزير التربية الفرنسي ميشال بلانكير دعمه لتعليم اللغة العربية مثلها مثل اللغات الأخرى، في حين انتقد سياسيون هذه الخطوة، ورأوا فيها تشجيعا على الانغلاق والتقوقع على الذات، خصوصا للوافدين حديثا على  فرنسا

ولتسهيل اندماج اللاجئين داخل المجتمع الفرنسي، بنيت سياسة الحكومة في مرحلة أولى على تعليم اللغة الفرنسية. ولكن العديد من العائلات الوافدة إلى فرنسا ما انفكت تبحث عن بدائل لتعليم أبنائها الصغار اللغة العربية إلى جانب الفرنسية.

ففي مرحلة أولى اعتمدت العائلات على بعض الجمعيات التي تقدم دروسا مجانية للأطفال، أو على دروس ليلية تنظمها البلديات في مناطق عديدة من فرنسا، أو على بعض المساجد.

 

مهاجر نيوز اتصل ببعض المدرسين الذين يقدمون دروس اللغة العربية للاستفسارعن جدوى هذه الدروس.

محدثتنا الأولى حنين فرنسية من أصل سوري، مختصة في تدريس اللغة العربية، حائزة على شهادة الماجستير.

ما رأيك في مقترح "مونتاني" الذي يدعو إلى تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية؟

أرى أن القرار حاسم وهام، لما له من آثار على تحقيق توازن نفسي للأطفال اللاجئين حديثا. فدروس اللغة العربية في المدارس ستمكن الطفل من متابعة التواصل مع ثقافته الأم عبر مناهج علمية مدرسية صحيحة، ذات توجهات وآليات مدروسة. وفي كل الأحوال، سيواصل الأبناء على اختلاف أعمارهم التحدث مع أوليائهم بلغتهم الأم داخل البيت. وبدل أن تبقى مكتسباتهم المعرفية لثقافتهم الأم محدودة ومتوقفة على إمكانيات الأهل المعرفية وعلى خياراتهم الثقافية، ستمنح لهم فرصة للإبحار داخل ثقافتهم فتتشكل هوية ثقافية تمنحهم الطمأنينة للثقافة الجديدة التي انتقلوا إليها، بعيدا عن المعاداة أوالذوبان".

هل تساعد دراسة اللغة العربية اللاجئين على ضمان مستقبل أفضل لاحقا؟

"أعتقد أن مواصلة متابعة اللغة العربية اليوم مفيدة. إذ أن اختصاصات مرموقة مثل الهندسة أو العلاقات الدبلوماسية تتطلب معرفة باللغة العربية، مما يسهل الحصول على فرص أوفر للعمل ويتيح الانفتاح على العالم معرفيا واقتصاديا. كما أن اللغة العربية مفتاح للأمان المستقبلي للطفل ضد التحولات والقرارات السياسية التي تتحكم بمصير أطفال اللاجئين. فمثلا في حال لم يتابع اللاجئ تعلم لغته، سيبدأ بعد عام بفقدانها أو ستتوقف مهاراته اللغوية وغنى مفرداته على حجم ما يتبادله مع الأهل من كلمات وعبارات. وإن اضطر هذا الطفل إلى العودة إلى بلده الأصلي – بقرار سياسي أو رغبة شخصية من الأهل، سيخسر سنوات جديدة لإعادة اكتساب ما أضاعه".

هل يساهم تدريس اللغة العربية في فرنسا في توفير أسواق جديدة للشغل؟

لا شك أن الأمر سيساعد على خلق فرص عمل للعديد من المتخصصين في هذا المجال، وقد يلتحق كثير من اللاجئين والمهاجرين المختصين للعمل في هذا القطاع. ولا ننسى أن تدريس العربية ظل لفترات كثيرة في أوروبا مقتصرا على المساجد، وعلى خبرات بعض المهاجرين القدامى الذين يجيدون تكلم العربية دون أن يكونوا من أهل الاختصاص، ولذلك آثار سلبية كثيرة كانتشار الأفكار الخاطئة والتطرف وغياب الطرق البيداغوجية السليمة للتعلم والتعليم.

يقول حكيم القروي معد تقرير معهد "مونتاني" حول اللغة العربية: كلما تأخرنا في تعليم اللغة العربية في المدارس كلما ارتفع عدد التلاميذ في المساجد: ما رأيك؟

 "أرى أنه يجب أن يوضع برنامج تعليمي موحد يتطرق إلى مكونات الثقافة العربية ويعبر عنها بأمانة، وكما هو معروف، للدين مساحة هامة في الموروث الثقافي لا يمكن التغاضي عنها، ويمكن طرحها بأسلوب يتلاءم مع كل الفئات العمرية، مع التركيز على القيم الدينية السامية التي لا تتنافى مع قيم الجمهورية. وهذا سيعطي شعورا بالراحة للأهل الذين قاموا بتعريف أطفالهم بقيم دينهم، كما سيؤدي إلى شعور بالفخر لدى أطفال قادرين على فهم نقاط الائتلاف بين الأديان السماوية خاصة وأن قيم دينهم لا تختلف عن قيم الجمهورية العلمانية التي يعيشون فيها : العدل .المساواة-الأخوة الأمانة ….|

مهاجر نيوز سألت أيضا مدرسة فرنسية متطوعة تقدم دروسا في اللغة الفرنسية لأطفال لاجئين، في إحدى الجمعيات التابعة لبلدية باريس. سألنا أميلي  وهي شابة في العشرين من عمرها: 

أيهما أهم بالنسبة لطفل لاجئ  دروس اللغة الفرنسية أم العربية في بلد لغته الفرنسية ؟

 "أعتقد لا يمكن المقارنة بين الأمرين، الفرنسية مهمة للتأقلم والاندماج وعدم الإحساس  بالغربة أو الاختلاف. واللغة العربية أيضا لا تتعارض مع كل ذلك. ولم ألحظ مشكلا في تعلم الفرنسية على الأطفال الذين يواصلون اتباع دروس العربية".

مهاجر نيوز اتصل أيضا ببعض العائلات التي وفدت حديثا إلى فرنسا لمعرفة موقفها من مشروع تعليم اللغة العربية في المدارس العمومية الفرنسية.

 رولا أم لأربعة أطفال في مرحلة المراهقة، هاجرت مع عائلتها من سوريا إلى فرنسا في 2012 . تحدثت رولا عن علاقة أبنائها باللغة العربية فقالت: "بعد وصولنا إلى فرنسا حاولت وزوجي قدر الإمكان تعليم أبنائنا الفرنسية بسرعة لتسهيل اندماجهم في المجتمع الفرنسي. كنا نشاهد التلفاز باللغة الفرنسية ونتكلم معهم بالفرنسية فقط. نجحنا في ذلك وارتقى أبنائي في سلم الحياة المدرسية، لكني تفطنت أن مستوى لغتهم العربية تقهقهر بشكل واضح، بل توقف عند ما اكتسبوه في بلدنا الأصلي سوريا. حاولت تدارك الأمر بتعليمهم اللغة العربية، لكن الأمر ليس هينا هنا. فلا جمعيات قريبة من مكان إقامتي ولا خبرة بيداغوجية تسمح لي بتعليمهم اللغة بمفردي.

وأمام المفردات العربية القليلة التي يتذكرونها وجهلهم بالفصحى وميولهم إلى الحديث باللغة الفرنسية، صار الحاجز كبيرا بينهم وبين أهلهم في سوريا. مشكلة التواصل هذه كان يمكن تجنبها إذا توفر اهتمام حكومي فرنسي باللغة العربية. ما المانع لتدريسها والحال أن لغات أخرى يقع تدريسها في فرنسا؟

ألا تعتقدين أن اللغة العربية عائق أما اندماج الأطفال في المجتمع الفرنسي؟

"لا أعتقد ذلك. العائلة المنفتحة ستساعد أبناءها على التعلم، تعلم لغة البلد الأصلي وتعلم لغات أخرى تمكنها من التأقلم مع كل المجتمعات، شرط أن يكون تعلم اللغة منفصلا عن تعلم الدين.

لا ننسى أننا في دولة علمانية تقوم على مبدإ فصل الدين عن الدولة واحترام حقوق الإنسان بعيدا عن لونه وجنسه ودينه. وعلينا كأولياء أن نغرس ذلك في أطفالنا مع الحفاظ على موروثنا الثقافي واللغوي. ولكني أدعو إلى مراجعة المناهج العربية التي تدرس في فرنسا، فأحيانا هي غير ملائمة لقدرات الطلاب، إذ أن دراسة الأدب العربي القديم مثلا قد تتجاوز طاقة استيعابهم. كما أدعو إلى إيلاء اللغة العربية ما تستحقه من اهتمام لأنها تسمح لأبناء اللاجئين بالتعرف على لغة بلدانهم الأصلية وثقافتهم وهويتهم، كما تفتح لهم آفاقا أرحب في المستقبل وقد تساعدهم في الحصول على فرص أكبر في أسواق الشغل".

يرى علماء الاجتماع أن اللغة ليست مجرد قواعد نحوية وصرفية، بل إنها موروث ثقافي بأكمله. وتعليم لغة لا يلغي لغة أخرى وإنما يعاضدها ويساندها. فهل يحقق تعليم اللغة العربية في المدارس الفرنسية التقارب الذي يعجز الواقع أحيانا عن تحقيقه؟

 
 
 
 
 
infomigrants
 
زر الذهاب إلى الأعلى