ماري لوبان.. هل تصل “حليفة بوتين” لقصر الإليزيه؟
بعد أن كان يحتل المراكز الأولى في استطلاعات الرأي قبل بدء السباق الرئاسي، يجد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، نفسه في أزمة عميقة، قبل أيام من جولة التصويت الأولى، وفقًا لاستطلاعات الرأي والمحللين السياسيين.
وأوضح تقرير صحيفة “إندبندنت” أن ماكرون كان قد أحدث صدمة قوية في عالم السياسة قبل خمس سنوات عندما فاز بانتخابات الرئاسة متفوقا على مرشحي أحزاب يسار الوسط ويمين الوسط التي هيمنت على البلاد لعقود.
ولكنه الآن أضحى أقل شعبية، وقد يعاد انتخابه بصعوبة، فقد أظهر استطلاع أجراه مركز هاريس التفاعلي لأبحاث الرأي “Harris Interactive”، والذي جرى خلال الأيام الأولى من الشهر الحالي، فوزه في الجولة الثانية ضد المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان سيكون بنسبة 51.5 في المائة إلى 48.5 في المائة.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته شركة “Ipsos-Sopra Steria” خلال نفس الأيام نتائج أفضل قليلاً، إذ فاز ماكرون بنسبة 54 في المائة ، لكنه لا يزال أقل بكثير من الفوز الكبير الذي حققه بنسبة 66 بالمئة على لوبان في العام 2017.
سيكون لرئاسة لوبان لفرنسا تأثير كبير على الشؤون العالمية، فهي حليف قوي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بحسب تعبير “الإندبندنت”.
وتعهدت لوبان بإخراج فرنسا من “منطقة النفوذ الأميركي”، وهي شعبوية يمينية متطرفة تتبنى آراء عنصرية ومعادية للمهاجرين وهي متحالفة مع رئيس الوزراء المجري اليميني المتطرف، فيكتور أوربان، الذي أعيد انتخابه يوم الأحد.
“لحظة تاريخية حاسمة”
وقال المحلل السياسي، مجتبى رحمن، من مجموعة أوراسيا إن رئاسة لوبان ستشكل أزمة وجودية للاتحاد الأوروبي والناتو في لحظة تاريخية حاسمة بشكل خاص.
ويردف: “من شأن انتصارها أن يقوض التحالف الغربي بشكل أساسي”، وبالتالي لن يتمكن الاتحاد الأوروبي بعد الآن من تشكيل جبهة متماسكة ضد روسيا في أوكرانيا”.
وتابع: “ستصبح فرنسا شريكًا مدمرًا داخل الاتحاد الأوروبي، وسيكون لذلك آثار سلبية عميقة على قدرة الاتحاد الأوروبي على العمل، وسوف يقوض ذلك بشكل أساسي مكانة الاتحاد في بقية أنحاء العالم”.
وألقى الكثير باللوم على ضعف أداء ماكرون في حملة باهتة ركز فيها على لعب دور رجال الدولة الأكبر سنًا في نزع فتيل الأزمة الأوكرانية بينما رفض مناقشة المرشحين الآخرين أو الظهور حتى وقت قريب في البرامج الحوارية السياسية، في حين نظم أول تجمع انتخابي له يوم الأحد الماضي أي قبل أسبوع واحد من الانتخابات.
وقالت الباحثة جورجينا رايت من معهد مونتين وهو مؤسسة فكرية فرنسية: “إن الحرب الروسية على أوكرانيا لا تلقي بظلالها على الحملة السياسية لماكرون فحسب، بل إنها أفسدت جدول حملته”.
وأردفت: “الفرنسيون يأخذون الحملات الرئاسية على محمل الجد وكان هناك شعور بأن ماكرون لم يبذل جهودا كافية في هذا الشأن، ويشعر الناس بأن ساكن قصر الإليزيه قد استخدم الإعلانات التلفزيونية للتحدث كرئيس وليس كمرشح”.
في المقابل، كان هناك مرشحون آخرون يلعبون على وتر عواطف الناخبين وهواجسهم، وبل ويزورون الناخبين المغتربين في الخارج منذ شهور، ويتفاخرون بهم.
وقالت لوبان، البالغة من العمر 53 عامًا، وهي ابنة اليميني المتطرف الفرنسي، جان ماري لوبان، في مقابلة إذاعية يوم الثلاثاء: “لقد كنت أقود حملتي على محمل الجد. لقد كنت في الميدان منذ ستة أشهر، واختار آخرون عدم القيام بحملات انتخابية، بمن فيهم رئيس الجمهورية”.
وعزا ماكرون، في مقابلة إذاعية يوم الاثنين، نجاح لوبان إلى فشله في وقف صعود اليمين المتطرف.
لكن آخرين يعزون نجاح بعض حملات لوبان إلى أنها قد خففت من حدة هوس حزبها التقليدي بهجرة المسلمين في محاولة ناجحة لتلطيف صورتها، وبدلاً من ذلك ركزت على القضايا الاقتصادية المتعلقة بالخبز ولقمة العيش وارتفاع تكاليف الوقود والتدفئة التي تهم العائلات الفرنسية من الطبقة الدنيا والمتوسطة الدنيا.
وتقول أديل ستيباخ، المحللة في موقع “Europe Elects”، وهو موقع إخباري يقوم بتجميع وتقييم نتائج الانتخابات الأوروبية واستطلاعات الرأي: “بصراحة، يتعلق الأمر بلوبان أكثر من ماكرون، فهي تستفيد من الزخم القوي للغاية بعد تحويل تركيز حزبها من قضايا الأمن والهجرة إلى قضايا القوة الشرائية والتضخم والأجور”.
وفي ظل النظام الانتخابي الفرنسي المكون من جولتين، سيتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد للاختيار من بين عشرات المرشحين، بما في ذلك اليساريين واليمينيين والمدافعين عن البيئة، وإذا لم يحصل أي مرشح على أغلبية مطلقة، فسوف يتنافس الفائزان بأول مركزين في جولة الإعادة في 24 أبريل.
وبدا ماكرون، قبل أسابيع فقط وكأنه يتجه نحو نصر سهل بعد أن بدا وكأنه رجل دولة في أعقاب الأزمة الأوكرانية، التي سعى فيها للعب دور دبلوماسي رائد.
ولكن أرقام استطلاعات الخاصة به تراجعت بشكل مطرد منذ منتصف مارس، بينما ارتفعت أرقام كل من لوبان وزعيم حزب “فرنسا الأبية” اليساري الراديكالي، جان لوك ميلانشون، إذ تركز حملاتهما على قضايا الاقتصاد والعدالة الاجتماعية.
كما أن قضية شركة “ماكينزي” الاستشارية من المرجح أن تلطّخ صورة ماكرون، فهو ورغم محاولات نزع فتيل الأزمة، لا يزال عالقا في تلك القضية، حيث يواجه انتقادات شديدة بعد الكشف عن أنّ حكومته دفعت نحو 2.64 مليار دولار لشركات استشارية خاصة مقابل مشورةٍ وتقارير، تبيّن بعد ذلك أن كثيراً منها لم تكن له قيمة أو أُلغيت المشروعات المتعلقة به.
وفي المقابل على الرغم من أن خطابات لوبان تركز على الاقتصاد، إلا أن حزب التجمع الوطني الذي تنتمي إليه يواصل المطالبة بوضع حد للمزايا الممنوحة للأجانب، ووقف لم شمل عائلات المهاجرين، وفرض حظر على الحجاب في الأماكن العامة.
وقالت ستيباخ: “لم يعد اليمين المتطرف مخيفًا بعد الآن للناخبين الفرنسيين، وكثير من الناس الذين لم يفكروا في التصويت لوبان في السابق بيد أنهم سوف يفعلون ذلك الآن”.
وختمت بالقول: “أعتقد لوبان يمكن أن تفوز، وإذا اضطررت للمراهنة على أحد المرشحين فسوف أراهن عليها”.
الحرة/ ترجمات