سحبان فيصل محجوب: النفايات في العراق.. ثروة مهدورة
شرعت الكثير من دول ألعالم باستثمار النفايات بأنواعها كافة لإنتاج الطاقة الكهربائية وخصصت لها مساحات كبيرة من القدرات المالية والبحثية التي تصب في ميادين تطويرها والتي تهدف إلى تشغيل مشاريعها، على نحو يلائم الشروط البيئية والاقتصادية ما امكن، وعلى وفق هذا تم إنشاء المئات من المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة توزعت بنحو واسع في اليابان والصين واميركا وتعدّ مملكة السويد من الدول الاوروبية الرائدة في مجال توفير الطاقة الكهربائية بوساطة استغلال المخلفات حيث تنتج محارق المحطات قرابة ١٢٠٠ ميكاواط (معدل يومي) جراء استعمال ٢٢٠٠ طن منها ، أما على صعيد الأقطار العربية فالعديد منها بدأت بخطوات عملية باتجاه التعامل مع هذا الامر فكان الاهتمام الحكومي لجمهورية مصر العربية رائداً في إنشاء مشاريع انتاج الكهرباء من المخلفات أو تدويرها كما انها جادة في وضع الخطط المطلوبة والتي تشمل الجوانب الفنية والاقتصادية والبشرية وما يتصل بها من ميادين اخرى وكذلك دولة الامارات العربية المتحدة والتي كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في ذلك لتحقيق أحد أركان القاعدة الصناعية المستقرة وكذا في العديد من البلدان العربية التي وظفت جهوداً حثيثة في تسخير ما يمكن من هذه الثروات المهدورة.
لابد من الاشارة، هنا، إلى ماكان عليه الحال من اهتمام المعنيين بشؤون البيئة والطاقة من العراقيين في مواكبة هذا الجانب ومنذ أكثر من عقدين من الزمان، حيث تم انجاز دراسة متكاملة لإنشاء محطة لتوليد الكهرباء باستخدام النفايات المطروحة والتي تجمعها دوائر أمانة بغداد في منطقة التاجي شمالي بغداد لإنتاج قرابة عشرين ميكاواط وبالتعاون مع إحدى الشركات الفرنسية التي تم التفاوض معها ووصلت مراحله إلى خطوات تنفيذية متقدمة، كان ذلك العام ٢٠٠١، قبل الاحتلال، حيث تم تغييب هذا الملف المهم بعد سنة الاحتلال ٢٠٠٣ وهذا ما أصاب الكثير من ملفات المشاريع المهمة. تشير التقديرات المعتمدة والصادرة مؤخراً من أمانة بغداد إلى أن حجم النفايات المطروحة قد وصل إلى حدود العشرة آلاف طن يومياً للعاصمة بغداد وحدها وكمية هذه النفايات يمكن ان تسهم في انتاج ما قيمته قرابة ٥٠٠٠ ميكاواط على وفق المعايير الفنية في حالة تسخيرها كما ينبغي.
غالبا ما يعزى حدوث النقصان في انتاج الطاقة الكهربائية للمنظومة الوطنية في العراق إلى عدم كفاية الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء، وعلى وجه التحديد الغاز المنتج محليا ً أو المورد من إيران التي تتحكم بكميات تدفقه والذي نتج عنه تعثر مستمر في خدمة تجهيز التيار الكهربائي للمواطنين والمرافق العامة، حيث تقدر الطاقة الانتاجية للمحطات التي تعتمد في تشغيلها على الغاز المستورد من ايران بحدود ٦٠٠٠ ميكاواط كما يقدر النقص الحاصل في انتاج المنظومة الكهربائية لتلبية كامل الطلب بحدود ١٠٠٠٠ ميكاواط مع استمرار استيراد (١٠٠٠ – ١٢٠٠) ميكاواط من الكهرباء الإيرانية (غير المستقرة) بشروط بائسة، لذا فإن من الحكمة التوجه إلى استغلال مصادر الطاقة المحلية ما أمكن ومن ضمنها إقامة مشاريع معالجة النفايات في بغداد والمحافظات وبالوسائط المتاحة لتأمين احتياجات المواطنين من الطاقة الكهربائية وسد النقص الحاصل فيها، بالإضافة إلى أن مثل هذه المشاريع قد أدرجت عالمياً ضمن سلسلة تصنيف الاستغلال الأمثل لموارد الطاقات المتجددة، ويعد العراق من الدول عديمة الاكتراث بأهميتها.
إن التوجه إلى تنفيذ مثل هذه المشاريع وبرغبة صادقة سوف يكون أحد العوامل الاساس في إمكانية الخلاص من الاتفاقيات وعقود الاذعان التي ابتلي بها قطاع الكهرباء بعد الاحتلال سنة ٢٠٠٣ بفعل السياسات الاقتصادية المفروضة عليه، يضاف إلى هذا ما يتحقق من توفير فرص عمل جديدة لألاف المعطلين وتحويل الجيش الحالي الذي يعسكر في مكبات القمامة بحثاً عن مصادر العيش والمؤلف مما يطلق عليهم (الدوارة والنباشين) إلى قوة عمل منظمة وفاعلة بوساطة توظيفه في المشاريع الجديدة.
فهل هذا سوف يطرق المسامع ليحرك شيئا ًمن أفكار الذين أوكلت إليهم شؤون الطاقة والبيئة والمخططين لها؟.
مهندس استشاري/ رئيس هيئة الكهرباء الأسبق