هنا اوروبا

“صابون حلب” يفتح باب الأمل أمام لاجئين سوريين في البرتغال

تسعى البرتغال إلى مواجهة تراجع عدد سكانها والظهور كدولة "إنسانية"، عبر استقطاب وافدين جدد إلى أراضيها. مهاجرنيوز التقى ميساء قطيف، وهي سيدة سورية وصلت نهاية عام 2016 مع عائلتها إلى مدينة كاشكايش الواقعة غرب لشبونة. وبعد أن تخطت الكثير من العقبات أصبحت الآن مسؤولة مع زميلتها البرتغالية، بينديتا كونتريراس عن إدارة منشأة صغيرة لإنتاج "صابون حلب". هذا المشروع الطموح الذي يحمل اسم "أمل سوب" (صابون أمل)، أتاح لميساء العثور على فرصة عمل والترويج لمنتج تقليدي تفتخر به من بلدها سوريا.

 

وصلت ميساء (34 عاما) إلى ورشة العمل والابتسامة مرسومة على وجهها، حيّت زميلتها، بينديتا كونتريراس (24 عاما)، بقبلتين على الخد. مثل صباح كل خميس تلتقي السيدة السورية وزميلتها البرتغالية "من أجل يوم حافل بالإنتاج" في ورشة صناعة الصابون التي تحمل اسم " امل سوب"، في ضاحية بورتو سالفو قرب  العاصمة ليشبونة.

في يوم راحته من العمل، قرر علي الذي يعمل في شركة إنشاءات كبيرة، مرافقة زوجته ميساء إلى عملها، ويقول بفخر وبلغة برتغالية ممتازة "في سوريا كنت مديرا للبناء، لذا لم أجد أي صعوبة بالتأقلم هنا".

وضعت ميسا مئزرا على جسدها، ولبست قفازين في كفيها وقناعا على وجهها قبل دخول "المختبر" المفصول بحائط زجاجي عن الصالة. في الداخل، الأدوات مرتبة بعناية على الرفوف، وعلى الجدران توجد إرشادات توضح قواعد النظافة ووصفات الصابون باللغتين العربية والبرتغالية.

المنتج الأشهر الذي يصنع في هذه الورشة الصغيرة هو "صابون حلب" الذائع الصيت الذي يدخل في تركيبه زيت الزيتون وزيت الغار.

 

                ميساء وبينديتا في ورشتهما "أمل سوب" لتصنيع صابون حلب التقليدي في البرتغال | المصدر: مهاجرنيوز/ مايفا بولي

 

صعوبة العثور على عمل

قبل البدء بتحضير خلطة الصابون حرصت السيدتان على تسجيل جميع المكونات المستخدمة بدقة، وتحديد أسماء الموردين لكل منتج. "ذلك ضروري من أجل السلامة، في حال حصول أي مشكلة. علينا أن نعرف بالضبط ما هي المواد المستخدمة في الخلطة" أوضحت لنا بينديتا. 

ثم بدأت ميساء بإضافة المواد في حلة كبيرة. كانت تقوم بعملها بثقة كبيرة، على الرغم من أن صناعة الصابون أمر جديد عليها، "في سوريا كنت مصففة للشعر" أخبرتنا بمرح واضح.

 

                 ميساء أسست بمساعدة شابة برتغالية مشروع "أمل سوب" لتصنيع صابون حلب التقليدي في البرتغال| المصدر: مهاجرنيوز/ مايفا بولي

 

 

ميساء وعلي وصلا مع أطفالهما الثلاثة إلى البرتغال في ديسمبر/كانون الأول 2016، وذلك بفضل البرنامج الأوروبي لاعادة توطين اللاجئين   من اليونان التي قضوا في أحد مخيماتها 10 أشهر. ولدى وصولهم إلى البرتغال، تم استقبالهم في شقة بمدينة كاشكايش الساحلية. وخلال 18 شهرا، تكفلت المفوضية العليا للهجرة في البرتغال ومكتب خدمة الأجانب والحدود، بتقديم الدعم إلى هذه العائلة.

البداية لم تكن سهلة بالنسبة إلى ميساء "لقد وجد زوجي عملا بسرعة. لكن الأمر كان صعبا بالنسبة لي لأنني كنت حامل. وكنت أسعى إلى الحصول على وظيفة تتيح لي البقاء لأطول فترة ممكنة مع أطفالي في المنزل". وأضافت السيدة بلغة برتغالية جيدة "عندما لا نعمل يكون تعلم اللغة صعبا للغاية. لم أتمكن من ممارسة اللغة فعليا إلا عندما باشرت العمل ضمن هذا المشروع".

"صعوبة الحصول على عمل تواجه الكثير من النساء اللاجئات هنا في البرتغال" علقت بينيديتا. وانطلاقا من هذه الملاحظة راودتها فكرة إنشاء مشروع "أمل سوب" في العام 2017. وأوضحت "خلال دراستي في جامعة لشبونة، تلقيت دروسا في تأسيس الأعمال الاجتماعية. وبالتعاون مع صديقين آخرين فكرنا بإقامة مشروع لإدماج اللاجئات، يكون مرتبطا بتاريخهن"، وسرعان ما وقع الاختيار على صابون حلب.

 

               ميساء وبينديتا أسستا مشروع "أمل سوب" لتصنيع صابون حلب التقليدي في البرتغال| المصدر: مهاجرنيوز/ مايفا بولي

 

 

حملة للتمويل الجماعي

 قبل انطلاق المشروع، كانت بينديتا تعرف ميساء من خلال صديق مشترك منخرط في استقبال اللاجئين   بالبرتغال. وعندما حدثت الشابة البرتغالية صديقتها السورية عن المشروع حاز الأمر على إعجابها على الفور. "هذا الصابون جيد جدا للبشرة وهو أحد رموز الصناعة السورية"، قالت ميساء، وهي تشرح طريقة تحضيره داخل أوعية ضخمة وكيفية تبريده وتقطيعه إلى مكعبات. وأضافت "بسبب الحرب انخفض إنتاج البلاد بشكل كبير".

على الرغم من أن مصنع السيدتين لا يشبه المصانع التقليدية، لكنهما تسعيان من خلاله إلى تعريف المستهلكين البرتغاليين بصابون حلب التقليدي. في بادئ الأمر بدأتا المشروع في مرآب صغير، وفي أبريل/ نيسان 2018 انتقلتا إلى هذا المقر الجديد المقدم بشكل مجاني من جمعية محلية في بورتو سالفو.

أما شراء المعدات فقد تم بفضل حملة تمويل جماعية، تم من خلالها جمع 2775 يورو، في يونيو/حزيران 2017. ومن خلال هذا المبلغ أيضا، تحصل ميساء على أجر يوم كامل كل أسبوع، وذلك لقاء عملها نصف يوم الخميس لإنتاج الصابون، ونصف يوم الجمعة لتقطيعه. وأوضحت بينديتا "جميع الأشخاص الآخرين، بمن فيهم أنا، متطوعون مجانا في الوقت الحالي".

وكان لابد في البداية من تعلم صناعة "صابون حلب"، وبمساعدة من طلاب مختصين تمكنت ميساء وبينديتا من التوصل إلى "الخلطة الصحيحة"، إلا أن "الصابون الذي ننتجه هنا لا يتمتع بنفس اللون الذي يتميز به صابون حلب، لأنهم هناك يجففونه لعدة أشهر".

في هذا النهار، كانت السيدتان تحضران نوعا جديدا من الصابون يدخل في تركيبه الحليب وجوز الهند. وقالت بينديتا "يبقى المنتج الأساسي الذي نعتمده هنا مستوحى من صابون حلب، لكننا نسعى أيضا إلى التنويع من أجل إرضاء أكبر عدد ممكن من الأذواق".

إتاحة المجال لنساء أخريات للانضمام إلى المشروع 

وبانتظار انتهاء مرحلة تسخين خلطة الصابون في المختبر، خلعت ميساء قفازيها، وطلبت من بينديتا مساعدتها في إعداد بعض الأوراق والوثائق الإدارية. فالأسرة السورية أنهت فترة برنامج الاستقبال الذي تموله البرتغال، ويستعد الزوجان للانتقال إلى شقة جديدة. ويبدو أن علي وزوجته في غاية الارتياح لهذه الخطوة، رغم أنه لا يزال عليهما الكثير من الأشياء لتعلمها.

على الموقع الرسمي لشركة "أمل سوب"، وعلى أغلفة  الصابون كتبت قصة هذا المشروع الطموح، وتقول ميساء إنها فخورة بهذا الأمر لأنه "يعطي صورة إيجابية عن اللاجئين".

المشروع حقق نجاحا حقيقا في البرتغال. وفي ديسمبر/كانون أول الماضي، حاز "أمل سوب" على جائزة مصرف "سانتادر" الجامعية. أما بالنسبة للبيع، فلا يزال إلى الآن مقتصرا شبكة المعارف والأصدقاء أو من خلال المعارض التجارية.

بينديتا أكدت أنهم يتطلعون إلى أبعد من ذلك، قائلة "نحن في مرحلة تصديق منتجاتنا لدى المختبرات، لنتمكن لاحقا من الحصول على ترخيص رسمي للبيع في المتاجر". وتقول إن عددا من المتاجر في لشبونة تبدي اهتمامها بعرض منتجاتهم، "إذا نجحنا في ذلك، فإننا سنسعى إلى استقطاب المزيد من النساء مثل ميساء للانضمام إلى المشروع".

 

 

 

 

ر.خ /infomigrants

زر الذهاب إلى الأعلى