آراء

منذر المدفعي : الامارات بعيدها الـ(47) : الطريق لم يكن معبدا

إحتفلت دولة الإمارات العربية المتحدة بعيدها الوطني السابع والأربعين هذا الأسبوع، في وقت شهدت هذه الدولة طفرات تنموية سريعة وثورة في مجال الإقتصاد والتعليم والتنمية لتصبح من أشد المنافسين لمراكز الاستقطاب الاقتصادية في كافة أنحاء العالم. 

لكن بالعودة قليلا إلى الوراء يمكننا التعرف على الضروف التي مر بها هذا البلد والذي لو تراجع أمام تلك التحديات لما قدر له أن يصل إلى ما هو عليه في هذا اليوم.

 

فتأسيس تلك الدولة في عام 1971 كان في خضم مطامع استعمار اقتصادي يسعى إلى ابقاء اليد على خيرات الخليج العربي. وقد حرص الاستعمار على اطالة حالة التجزئة لأطول فترة ممكنة.

أما دعوة اقامة الاتحاد بين الامارات الخليجية فإنها لم تلد مع وصول الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله إلى سدة الحكم في إمارة أبو ظبي. وإنما هنالك جذور تاريخية تعود إلى عام 1905 حينما دعا الشيخ زايد بقية الشيوخ إلى إجتماع في دبي بهدف مناقشة النزاعات الاقليمية في تلك المرحلة وكانت له محاولات عديدة لأقامة الاتحاد إلا أن الوجود الاستعماري قوض تلك الجهود. 

وبكل الأحوال لم تذهب جهوده سدى فقد أفلح حينها في إقامة تحالفات عشائرية وفرت جوا تصالحياً بين الامارات العربية في الخليج ودعا إلى عقد عدة اجتماعات مع بقية الشيوخ. تلك الاجتماعات كانت بمثابة المؤتمرات في هذا اليوم.

ومن أهم الاجتماعات التي عقدت في عهد الشيخ زايد هو اجتماع عام 1906 في منطقة أم الخوانيج والذي توصولا من خلاله إلى بيان مضاد للسياسة البريطانية في الامارات. كما تميزت خطواته ببعد سياسي دولي حينما حاول توثيق علاقاته مع الفرنسيين كي يستعين بهم للقضاء على الاستعمار البريطاني. 

 

وفي الثلاثينات برزت محاولة اقامة الاتحاد من قبل إمارة رأس الخيمة وكذلك حاول شيوخ الامارات اقامة ذلك الاتحاد من جديد في أعوام الأربعينات. وهكذا يتبين بأن العزيمة لتشكيل نواة الدولة كانت موجودة في وقت مبكر في الإمارات إلا أن الأستعمار وقف حائلا دون تحقيق ذلك الطموح كما هو الحال مع أغلب الدول العربية التي كانت ترزخ تحت الاستعمار أو الانتداب الاجنبي. 

 

وربما تأخير ولادة ذلك الاتحاد في الامارات يعود أيضا إلى طبيعة نظام الحكم الفدرالي الذي تؤمن به تلك الدولة. وهو أسلوب حكم لم تألفه دول المنطقة وبالتالي لم يتوفر للامارات النموذج الذي يمكن أن تحذو حذوه لتشكيل نظام الحكم الفدرالي الذي لا يقر بالحكم الفردي كحال أغلب الدول في تلك المنطقة. 

كما أن الطابع العشائري البحت وإلتفاف أبناء العشيرة حول شيخ العشيرة الأقوى جعل من فكرة الدولة بالمفهوم السياسي المعروف حاليا لا تبدو من الضرورات الملحة لأن المنطقة تدار وفق نظام واضح المعالم يضمن للفرد حقه في الخصومات والنزاعات دون الحاجة للجوء إلى المؤسسات الحكومية. 

 

الطريق لم يكن معبدا أمام شيوخ الامارات لتأسيس الاتحاد وفق المنظور السياسي الحالي. فقد مر بمراحل عديدة. أما المحاولات التي لم يكتب لها النجاح في مطلع القرن الماضي عززت الفكرة لدى شيوخ الامارات 

للبحث عن الفرصة المناسبة لتأسيس التحالف الفيدرالي.  كما أن من الخطوات الخطرة التي مارستها السياسة البريطانية في المنطقة هو فتح الباب أمام سيول متدفقة من المهاجرين وتجاهل نداءات الشيوخ المتمثلة بانهاء سريان الاقامة المفتوحة إلا أن بريطانيا كانت تسعى من وراء ذلك إلى إضعاف الطابع العربي وإرباك الهوية العربية لتلك الإمارات لتأخير ولادة الدولة المستقلة.  

 

برزت على الساحة السياسة مظاهر تقارب وتوحد بين دبي وأبو ظبي تكلل بإعلان الاتحاد الثنائي في عام 1968 وسارع هذا الاتحاد إلى دعوة باقي حكام الامارات إلى الإلتحاق بهذا الاتحاد حديث النشأة إلا أن هذا الاتحاد الذي تحول إلى اتحاد تساعي ضم قطر والبحرين اصطدم بخلافات حقيقية بشأن كيفية تمثيل كل إمارة في المجلس الوطني. فقد اقترحت قطر والبحرين أن يكون التمثيل متوافقا مع عدد السكان في كل إمارة بينما رغبت دبي وأبو ظبي بالتساوي في عدد المقاعد لكل إمارة. 

كما برزت مسألة التنافس على زعامة الاتحاد بين أبو ظبي وقطر والبحرين. وخلافات أخرى بشأن أختيار العاصمة هل ستكون مؤقتة أم دائمة. تلك النقاط كانت عائقا جديدا أمام قيام الدولة وضمان بقائها.

 

وبالتالي توجهت الامارات نحو تشكيل الاتحاد السباعي. إلا أن ظهور هذا الاتحاد في عام 1971 كان تصحيحا للتركة الثقيلة التي خلفها الاستعمار البريطاني لأكثر من قرن من الزمان المتمثل بمحاولات التجزئة التي جاهدت بريطانيا في الابقاء عليها لأطول فترة ممكنة على الرغم من الجهود الوطنية من قبل شيوخ الامارات. 

 

 

* مدير مكتب "يورو تايمز" في باريس

زر الذهاب إلى الأعلى