آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: الديمقراطية الامريكية السوداء



اتذكر جيدا عندما كنا نتبادل الاحاديث مع بعض من الذين اعتقدوا ان الاحتلال سمكن ان يجلب لهم الديمقراطية السحرية الموعودة،وهذه النقاشات كانت تجري والمحتلون يعيثون بالعراق تخريبا وكل خطواتهم كانت وما تزال تعني شيئا اساسيا واحدا انهم جاؤا لتدمير العراق وسلب ارادة شعبه وسرقة ثرواته،يساعدهم في ذلك نظام زرعوه في طهران وثلة من اللصوص وشذاذ الافاق ممن سموا انفسهم المعارضة في الخارج قبل الاحتلال وهؤلاء ربطوا انفسهم كما تربط بعض الحيوانات بالمحتل وبنظام طهران.
الولايات المتحدة لايمكن لها في الواقع ان تقدم للعالم شئ اسمه الديمقراطية بل هي تصنع افراد أحزاب سياسية معارضة شكلتها وتدعمها لإحداث تغيير في النظام في البلدان التي تعتقد أنها تقف بوجه المشارع الكونية للمؤسسات الرأسمالية العالمية التي تقود امريكا وتمنعها من الوصول إلى الموارد الطبيعية، وما ذلك يبقى من السرد هو حكاية لا لزوم لها ،كما إن ما تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية للعالم كمنظمات إنسانية غير حكومية هو في الواقع ، منظمات ووكلاء لتغيير الانظمة التي يهدفون سراً وعلنا إلى دعم الاشخاص والاحزاب المنخرطة في ألاجندة الامبريالية لتغيير تلك الانظمة.

الديمقراطية هي مصطلح أساءت الولايات المتحدة استخدامها مرارًا وتكرارًا ، وجعلت منه كستار دخان يخفي وراءه قتل الملايين من الناس في العالم الديمقراطية هي ما أساءت استخدامه لتبرير الحروب، الأمر كله يتعلق بالوصول إلى الموارد الطبيعية ،فالأوساخ الأمريكية تراها في جميع أنحاء العالم ، من أجل زعزعة استقرار البلدان الأخرى، وخاصة الدول التي كانت في العالم الثالث وتتطلع وتجتهد الى استثمار مواردها الطبيعية للخروج من عنق زجاجة التخلف وان تصبح بمصاف الدول المقدمة كالعراق الذي امم ثرواته وشرع بأكبر تنمية انفجارية حيث قدرت الجهات الامريكية المعنية بأنه اذا ما استمر بهذه التنمية كان سيصبح واحد من ستة عشر دولة متقدمة في نهاية القرن الماضي.(هذا ما نشرته جريدة نيويورك تايمز في احد اعدادها عام 1978 ).
ان واقع الديمقراطية داخل الولايات المتحدة الامريكية ذاتها يعاني من خلل كبير وربما اصبحت الظروف مهيأة لان يقوم جيل جديد من الأمريكيين بإعادة تعريف الديمقراطية ، ويكون صادقًا مع العالم ويغير السياسة التي اصبحت مصدر لكره شعوب العالم لامريكا، فالولايات المتحدة في شكلها وموقفها الحاليين تنظر لكا من يخافها انه نظام غير ديمقراطي وتسخر كل ماكنات الغرب الامبريالي الدعائية ضده لشيطنته وتأليب كل الانظمة المتذيلة لامريكا ضد مخالفيها، فكل بلد يقف مع هذه البلدان يتم التعامل معه على أنه دولة مارقة.
كم هي الولايات المتحدة غير ديمقراطية! لكن عندما تنظر إلى الديمقراطية الحقيقية ، يجب أن يُسمح لكل بلد باختيار أصدقائه ، دون خوف أو محاباة. يجب أن يكون كل بلد مسؤولاً عن مصيره. لا يبدو أن هذا موجود في التفكير والمفردات الحالية للولايات المتحدة.

يجب على الولايات المتحدة أن تتوقف عن ممارسة غطرستها وعدوانها على الشعوب الاخرى وتظهر نفسها على أنها شرطي العالم ، ويجب أن تغادر ادعائاتها الفارغة من انها النموذج الاوحد للديمقراطية وعلى الاخرين ان ينحنوا امامها كأكبر ديمقراطية في العالم ، فألدولة التي تدعي ذلك عليها ان لاتكون شريرة للغاية وتضطهد الاخرين من البلدان وتقتل شعوبها كما فعلت في العراق وافغانستان وغيرهما.

سؤال مهم
السؤال الذي يجب ان يطرح اليوم ،هل يستطيع أي رئيس امريكي او رئيس وزراء بريطاني الحديث عن ديمقراطية جهنم والتحول السياسي الكارثي في العراق،….. منذ قرابة عشرين عاما ، كان العراق رغم قساوة الحصار الامريكي الجائر عليه يعيش اهله في وضع آمن وشعبه يكاد يكون موحدا فلا الطائفية ولا العرقية كانت قادرة على ان تمزق نسيجه الوطني لكن بعد احتلاله ، جند الامريكان والبريطانيين بعض المحسبوبين زورا وبهتانا او هكذا حسبوا على العراقيين ليهيمنوا ويعيثوا فسادا بالبلاد وينشروا لغة الدم بين العباد ، وبعد ان أنجزوا وفقا للمخططات الامريكية البريطانية خمس مسرحيات انتخابية هزيلة، وصاغوا دستورًا هو ابعد مايكون عن تطلعات الشعب العراقي وادعوا انه اساس الديمقراطية الموعودة ، ومرروا هذا الدستور العقيم الهجين بالتزوير في استفتاء مفبرك رغم اعتراض عدد من محافظات العراق الاكثر كثافة بالسكان والذي يعني اعتراضها عدم شرعية هذا الدستور والمضحك المبكي ان من مرروا الدستور هم انفسهم اليوم لايعيرونه اي اهتمام لانهم اساسا لايؤمنون الا بما يخدم مخططاتهم واهدافها في استمرار حالة الفوضى بالعراق، في وقت لاتحرك بريطانيا المسؤولة الان عن الملف العراقي ولا الادارة الامريكية ساكنا طالما ان هذه الفوضى تصب في صميم مصالحهم الاستعمارية المقيتة.

قبل الاحتلال وبعده زعمت كل من امريكا وبريطانيا بانهما سيساعدان العراقيين على بناء مؤسسات ديمقراطية شاملة من شأنها حماية مصالح جميع الشعب العراقي، ، يتم من خلالها كسب ود أولئك الذين شككوا في نوايا الاحتلال في بناء العراق الجديد ، وسيقوم دول الاحتلال بتقويض الإرهابيين ، وسيتم الهام الإصلاحيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط ، ويجعلا الشعبين الأمريكي والبريطاني أكثر أمانًا،حيث ستتخذ الديمقراطية المزعومة في العراق أشكالاً مختلفة في ثقافات مختلفة ، لان المجتمعات الحرة الناجحة يجب ان تبنى على أسس مشتركة لسيادة القانون ، وحرية التعبير ، وحرية التجمع ، والاقتصاد الحر ، وحرية العبادة والحمد لله لم يتحقق أي مما وعدنا به والعكس هو الصحيح.
ان الاصل بشكوكنا منذ البداية فيما ادعته امريكا بأكذوبة زرعها الديمقراطية في العراق بعد احتلاله هو العودة إلى الواقع المتهرئ للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل الولايات الامريكية المتصارعة فيما بينها ، فقد تراجعت الديمقراطية الأمريكية في عام 2021 ، حيث أقر الجمهوريون في ولايات مثل جورجيا وتكساس قوانين تجعل من الصعب التصويت ، بناءً على الكذبة القائلة بأن التزوير هو الذي يميل إلى انتخابات 2020 الرئاسية، نظرًا لأن المجالس التشريعية في الولايات التي يسيطر عليها الحزب الجمهوري فرضت من خلال هذه السياسات المعادية للديمقراطية على الأصوات الحزبية ، كان مجلس الشيوخ الأمريكي صامتًا ، ولم تستطع الأغلبية الديمقراطية الرد لأن الجمهوريين عطلوا مشروع قانون تلو الآخر لتسهيل الوصول إلى صناديق الاقتراع.
ان لعبة نقل السيادة. في 28 يونيو 2004 ، إلى عملاء الاحتلال من الذين جلبهم الاحتلال خلفه كان مخططا ذكيا للتخلص من الالتزامات الامنية الخطيرة التي كانت يجب تحملها من دول الاحتلال فمعروف ان اي قوة غاشمة تستطيع ان تحتل اي بلد ولكن يصعب بل يستحيل تمكنها من تسيير الامن والحفاظ عليه لذلك استعانت بالعملاء (الاغبياء) كي تسند لهم المهمة التي فشلوا بها ايما فشل.
من الواضح ان المتخاصمين من القوى التي تهيمن على العملية السياسية لن يهنأ لهم بال الا اذا حققوا اتفاقات تضمن استمرارهم بمراكز القرار في العراق فهم غير معنيين بما كانوا يدافعون عنه بالامس بأسم الديمقراطية فهذي الديمقراطية وغيرها من كم الاكاذيب تبقى مجرد تصريحات وادعاءات يتبخر مفعولها وتذهب ادراج الرياح بل الى المزابل في حالة انها تتقاطع مع مصالحهم ومخططاتهم او انها لاتلبي او تنفذ توجيهات نظام الملالي في طهران ، فالعراقيون في ظل هذه الاوضاع الملتهبة بصراع الدم بين الاخوه الاعداء لن يروا الحكومة الجديدة بموجب دستورهم السئ المحتوى فالعنف الإرهابي ، الذي اصبحت البلاد تعج بمناظره وأصوات ديمقراطية الدم المزيفة ، تملئ شوارع المدن العراقية بسبب اقتتال احزاب السلطة .
ان نهاية المشهد الدرامي الدموي للديمقراطية كما يبدو واضحا من مسار الصدامات بين القوى المهيمنة على المشهد السياسي بعد الاحتلال ،ستعيد تدوير ذات الوجوه والاستمرار بذات المنهج الذي خرج العراقيين ضده وضحوا بدماء عشرات الالاف من خيرة شبابهم ،للتخلص منهم ..الا ان ديمقراطية المحتلين السوداء وفرت لهؤلاء العتاه من المجرمين فرصة الاستمرار بالهيمنة على مقدرات العراق وبوجودهم،استمرار لتحقيق ماخططت له امريكا وبريطانيا من اهداف كارثية تدميرية للعراق وشعبه بالتنسيق والتخادم مع النظام الحاكم في طهران.

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل رأي يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى