نزار العوصجي: مصطلحات جدلية

كثر هم المنخرطين في السياسة ، و القليل منهم من يدرك مفرداتها ، و لكي نفهم حقيقة ما يجري في عالمنا هذا ، علينا ان نقرأ بين السطور ما لم يكتب على ورق ، علينا ان نستقرأ ما هو مطبوع في عقول الأخرين ، كيف يفكرون ..
هذا ان كنا نطمح لأن نكون سياسيين ..
انها مجرد خاطرة علها تنفع …
هنالك ثلاثة مصطلحات جدلية بات البعض يتداولها بكثرة منذ وقت قريب ، الا وهي (( التمرد ، النقد ، الأنتقاد )) ..
هذه المصطلحات باتت الأكثر شيوعاً كونها قد دخلت مرحلة الجدلية ..
و اكثر ما تردد على مسامعنا خلال الفترة الأخيرة هو (( التمرد )) ، و لكي نقف على فحوى المصطلح لابد من توضيح مضمونه من جميع الجوانب الفلسفية و المنطقية ، فالمعروف عن التمرد هو رفض تنفيذ الأوامر ، و يمكن تعريفه بأنه مجموعة من أنماط السلوك الاجتماعي الموجه إلى أشكال السلطة المختلفة و مظاهر النفوذ ، للخروج عليها و العمل على إعادة بنيتها ، و سمات مظاهرها بالشكل الذي يخدم الفاعلين ، و يحقق أهدافهم و يعيد إليهم قدراً من السلطة و النفوذ ..
أما تعريف التمرد لغوياً فهو يعني خروج الشخص عن القوانين المجتمعية و قوانين النظام العام ، و عدم الاعتراف بحكم أي سلطة أو نظام ، و تمرد الشخص على القوم أي بمعنى رفض طاعتهم و لم يقبل النصيحة منهم ..
كما يعرف التمرد اصطلاحاً على انه العصيان و رفض طاعة الأوامر و عدم تنفيذها ، و يعد وسيلة للتعبير عن الغضب المكبوت في نفس الإنسان ، فيجعله يرفض الرأي الآخر ، كما يعتبره البعض بمثابة حالة نفسية ، يضطر من خلالها الفرد أن يخرج عن المألوف ..
و أخرها التمرد في علم النفس فقد عرفه العلماء على أنه حالة من العصيان و الرفض للقواعد الأجتماعية أو العقائدية ، و يكون ذلك الرفض إما قولاً أو فعلاً ، و كان هذا المصطلح قديماً يقتصر على الأمور السياسية فقط ..
بعد التمرد نذهب الى تعريف مبسط ل (( النقد )) ، فالنقد هو تعبير مكتوب أو منطوق من متخصص يسمى ناقداً ، ينقد الجيد و الرديئ في الأفعال أو النتاجات أو القرارات التي يتخذها الإنسان أو مجموعة من البشر في مختلف المجالات (( من وجهة نظر الناقد طبعاً )) ، كما يذكر مكامن القوة و الضعف فيها ، و قد يقترح أحياناً الحلول المنطقية والعملية ، التي تسهم في الخروج من الأزمة وفق رؤيته ، كما ان النقد الايجابي يعتبر خدمة مجانية من الناقد يستوجب عليها الشكر و الثناء ، فلن يستقيم أمر ما في أي مكان مالم يكن هناك نقد بناء يشير الى الاخطاء ، و لكن عندما نرى ان الأشخاص المنتقدين لا يستطيعون الرد ، فانهم يعملون على دفن رؤوسهم في الرمل كما تفعل النعامة ، عندها نستدل على ثبات و صحة النقد ..
بعد ان انتهينا من التمرد و النقد نذهب الى تعريف موجز ل (( الأنتقاد )) ، و هنا يجدر الأشارة الى ان هنالك فرق مابين النقد و الأنتقاد ، فالأنتقاد بالمعنى الخاص هو إظهار عيوب الشيئ دون ذكر محاسنه ، و يطلق عليه الأنتقاد السلبي ، و عكسه تماماً الأنتقاد الإيجابي ..
خلاصة القول و للتوضيح أكثر ، فقد ذكرنا ان التمرد وسيلة للتعبير عن الغضب المكبوت في نفس الأنسان ، فتجعله يرفض أسلوب حياة معين أو يرفض الرأي الآخر بغض النظر عن أحقيته ، كما يعتبر البعض التمرد بمثابة حالة نفسية يضطر من خلالها الفرد أن يخرج عن المألوف ..
كما اوضحنا ان النقد يعني الأشارة الى الجيد و الرديئ في أفعال أو قرارات يتخذها الإنسان أو مجموعة من البشر في مختلف المجالات ، كما انه يذكر مكامن القوة و الضعف فيها ، وقد يقترح أحياناً الحلول المنطقية و العملية ، التي تسهم بشكل فاعل في الخروج من الأزمة ، و قد بينا ان الأنتقاد بالمعنى الخاص هو إظهار عيوب الأشخاص أو الأشياء دون التطرق الى ذكر المحاسن ، هو أنتقاد سلبي تماماً لا يخلوا من التهويل لغرض أقناع الأخرين ، و عكسه هو الأنتقاد الإيجابي ..
هنا يأتي السؤال : ماذا يمكن ان نستخلص من هذه المقدمة ، و هل يوجد ترابط مابين التمرد و النقد و الأنتقاد ، و إي منها هو الأصلح لكي يطلق على ما يجري اليوم ، و من هو الشخص الذي يصح ان يطلق عليه لقب متمرد ، هل هو الذي يبحث عن حلول منطقية لأعادة البنية و اللحمة ، إم الذي يسعى ليحقق أهدافه (( فانقلب على المشروع من السلوك ، و خالف النظام الذي يفترض ان نعمل به ، منجاهلاً و رافضاً لحق من حوله في أنتخاب الأصلح )) ، مركزاً جل اهتمامه على ما يحفظ لذاته قدراً من السلطة و النفوذ ..
و لماذا نتبنى في الوصف مصطلح التمرد لنلصقه بمن يرفض حالة الألتفاف و القفز على الثوابت ، و نحرم على الأخرين عملية النقد البناء ، و نشيع لحالة الأنتقاد السلبي المنطوي على لغة التخوين ؟؟؟
أفيدونا يرحمكم الله …