يزداد الحذر من الهجمات السيبرانية والمعلوماتية كل 5 أعوام في فرنسا، أي قبل كل انتخابات رئاسية، وتتأهب أجهزة الدولة هذا العام قبل الانتخابات الرئاسية، في أبريل (نيسان) المقبل، لمواجهة خطر تدخلات أجنبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهجمات سيبرانية.
وتتراوح التهديدات بين حملات التضليل، ومحاولات التأثير على مجتمعات ذات أصول أجنبية في فرنسا، والترويج لأجندة سياسية، أو دينية للتأثير على النقاشات، وهجوم سيبراني ضدّ وزير أو حزب، ونهب بيانات سياسية، وتسريب مشروع للحكومة، أو لبرنامج سياسي.
والتهديدات مستمرة منذ سنوات ولا يبدو أنها ستتراجع. غير أن اقتراب موعد الانتخابات لا يسمح للسلطات بالتهاون مع الخطر.
ويقول الأستاذ في جامعة “سيانس بو” في باريس ألكسندر بابايمانويل إن “مناسبات ممارسة الديموقراطية، هي مناسبات مهمة للمناورة والتنسيق لأجهزة المخابرات”.
واتسمت الانتخابات السابقة التي أفضت إلى فوز ايمانويل ماكرون بالرئاسة منذ 5 أعوام، بالعديد من حملات التضليل والقرصنة، مثلما هي الحال قبل الانتخابات في دول أخرى.
ففي واشنطن مثلاً، أصبح معلوماً أن فوز دونالد ترامب في انتخابات 2016، تحقق بشكل كبير بفضل نشاط أجهزة الاستخبارات الروسية.
غير أن صعوبة التعامل مع هذا النوع من التهديدات تكمن في “أننا نتكلّم عنها بهدوء بعد أن تُنفذ”، حسب أحد العاملين في أحد أجهزة الاستخبارات.
ويضيف “لكننا نواجه دائماً خطر التأخر”، فضلاً عن أنه من شبه المستحيل توقع تأثير أي حملة على الرأي العام.
وفي نهاية 2021، أطلقت الدولة الفرنسية “فيجي نوم” وهي هيئة حكومية مسؤولة عن تعقّب التدخّل الرقمي الأجنبي، وتخضع لسلطة الأمانة العامة للدفاع والأمن القومي.
والهيئة مخصصة لتعزيز التعاون بين الإدارات والوزارات حول الموضوع، ومراقبة نشاط مواقع التوصل الاجتماعي، واكتشاف “اصطناع أوامر من الخارج تستهدف المصالح” الفرنسية، حسب المسؤول في الاستخبارات.
ولا يزال طيف التهديدات المحتملة يتوسع أكثر فأكثر منذ 2017.
ويُتوقع من هيئة “فيجي نوم” أن تؤدي دور المُبلّغ عن التهديدات عند أي حركة مشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي. تُحيل الهيئة المعلومة في ما بعد على الوزارات والهئيات المعنية، لتنسيق لا تشوبه شائبة.
ويعتبر جوليان نوشيتي، الباحث في مركز “جيود” الجغرافيا السياسية في مجال البيانات، بجامعة باريس 8، أن “تشارُك المعلومات أمر حقيقي فعلًا، لكن لا تزال هناك حصون أيضاً يجب الدفاع عنها”.
ويؤكد ألكسندر بابايمانويل أن “فهم الوضع معقد أكثر عندما تكون لدينا أجهزة استخباراتية قد تبدو مقسمة”.
ويتابع “لكل شخص جزء من الحقيقة. لأن التهديد يمكن أن يتخذ عدة اشكال، نصل إلى نتيجة من خلال التنسيق. ما يتطلب تغيير ثقافة بعضنا البعض”.
وتقول مصادر إن “مصدر التهديد السيبراني والمعلوماتي لفرنسا، روسيا، وتركيا، وايران مجتمعة”.
ويُشير أحد هذه المصادر بسخرية، إلى أن “الخطأ غير وارد مع الروس. كل ما يمكنهم أن يلحقوه بكم، يفعلونه”، في وقت يتزايد فيه التوتر بين روسيا والدول الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية.
ويُضيف المصدر “الأتراك نشطون جداً، وهم مقتنعون بأن فرنسا بلد يضطهاد المسلمين. في الحقيقة، هم لا يحبون ماكرون”، معتبراً أن البعض في السلطة في أنقرة والمؤيدين لهم، يريدون حشد المجتمع التركي في فرنسا حول قوة سياسية مسلمة.
أما الصين، فهي قوة عالمية رئيسية في مجال الهجمات السيبرانية، مثلما هو واضح في تايوان مثلاً.
لكن “نظراً لقدراتها وأجندتها السياسية الداخلية، من غير المرجّح أن تتدخل الصين في الحملة” الانتخابية الفرنسية، حسب بول شارون، الباحث في معهد البحوث الاستراتيجية في المدرسة العسكرية.
وفيما تسلمت فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي الدورية “تبقى دولة معتدلة في نظر الصين التي قد تريد الاعتماد عليها”.
غير أن التهديد من داخل الأراضي الفرنسية قائم أيضاً.
ويشير مصدر أمني إلى خطر التسلل الأجنبي من شبكات داعمي نظرية المؤامرة، أو غير المؤيدين لأخذ اللقاحات المضادة لكورونا، أو شبكات اليمين المتطرف النشطة داخل فرنسا.
ويقول جوليان نوشيتي: “الجهات الفاعلة مثل روسيا، لا تخلق
الدعاية السياسية، بل تستغل حالات الاضطراب والشك”.
ويضيف أن “الإطار الوطني أصبح أكثر استقطاباً مع شكل من أشكال تفتيت النقاش، ليصبح هستيرياً. بالإضافة إلى ذلك، زادت الجائحة من نسبة الاضطراب. ويمكن بسهولة استغلال هذا السياق سياسياً”.
أ ف ب
