آراء

نزار العوصجي: مأساة “هايبر ماركت” كورنيش الكوت

بحثنا في قاموس اللغة العربية عن كلمة يمكن ان تفي حق الشخوص القائمين على أدارة الدولة في هذا الزمن ، فلم نجد أفضل من كلمة الخسة ..
الخسة في اللغة العربية تعني الدناءة ، والرذالة ، والحقارة ، وقلة المروءة . وهي صفة تُطلق على الشخص الذي يتسم بالصفات السيئة ، مثل البخل ، والنذالة ، وترك الجميل .
كما يمكن أن تعني الشيئ التافه أو عديم القيمة .

بمزيد من الحزن والأسى تلقينا نبأ الجريمة النكراء التي أصابت أبناء شعبنا العراقي في محافظة واسط مدينة الكوت ، والتي ذهب من جرائها ضحايا أبرياء ، نتيجة الإهمال الذي يتسبب فيه المستثمرون والسلطات المحلية والحكومة ، ونتيجة الفساد والأهمال الذي يدفع ثمنه العراقيون .
ما يشهده العراق منذ سنوات سلسلة متواصلة من حوادث الحرائق باتت تُسجَّل بوتيرة متصاعدة مثيرة للقلق .
من الأسواق والمولات إلى الوزارات والمخازن الحكومية ، مرورًا بالمستشفيات والمخيمات .
جميعها تندلع فيها النيران ثم تُختم القصة غالباً بعبارة “تماس كهربائي”.
لكن هل يمكن اختزال هذا التصاعد إلى مجرد أعطال فنية ؟
أم أن خلف هذه النيران ما هو أعقد وأعمق ؟
لا توجد محافظة عراقية منذ الاحتلال الا وقد فجعت بأبناءها تارة بالإرهاب واخرى بالطائفية وثالثة بالمخبر السري والتصفيات الجسدية والقتل على الهوية ، وان نجى من هذه وتلك فسيموت إما حرقاً او غرقاً أو غدراً .
السبب الأكثر تكراراً في تقارير التحقيقات الرسمية هو “التماس الكهربائي”، وهو أمر قابل للتصديق في ظل المنظومة الكهربائية العراقية المهترئة .
تمديدات عشوائية ، محولات متهالكة ، غياب شبه تام لمعايير السلامة الكهربائية ، كلها عوامل تجعل من الكهرباء “قنبلة موقوتة” داخل كل مبنى .
يُضاف إلى ذلك غياب متطلبات الدفاع المدني والوقاية ، خصوصًا في الأسواق والمستشفيات ، حيث يُفترض أن تكون أدوات الإطفاء والإنذار جاهزة ، لكن الواقع يُظهر غيابها أو تقادمها .
ولا يمكن فصل تكرار هذه الحوادث عن منظومة الإهمال الإداري والفساد المؤسسي التي تغلّف قطاعات واسعة من مؤسسات الدولة .
إذ غالباً ما تُمنح التراخيص دون تدقيق في اشتراطات السلامة ، وتُصرف أموال “التحصين” والوقاية ، دون أن يظهر لها أثر فعلي .
الأكثر خطورة ، أن الحرائق أحيانًا تكون متعمدة حسب شهادات وتحقيقات صحفية ، بهدف التغطية على سرقات ، أو إتلاف وثائق مرتبطة بملفات فساد ، أو حتى لمحو أدلة تتعلق بشبهات انتخابية أو أمنية .
وفي ظل غياب منظومة عدالة فاعلة ، تبقى هذه الجرائم بلا فاعل ، وتُغلق التحقيقات غالبًا بـ”عدم كفاية الأدلة”.
ما حدث من نكبة بالأمس من إستشهاد عشرات الاطفال والنساء والرجال حرقاً ، هو نتيجة حتمية لحجم الفساد المستشري والإهمال وغياب المعايير الدولية في البناء وضعف اجراءات السلامة العامة .
لقد حوصر الضحايا بالنيران وهي تلتهم اجسادهم الغضة ، وقد تعثر خروجهم ولا نعلم ربما المبنى يكون غير مزود بسلالم اضطرارية ، او حتى غير مزود بمنظومة حريق نظامية ، والاغلب انها متهرئة او شكلية ، وربما تأخر وصول فرق الدفاع المدني زاد الوضع تعقيدا !!
ما يثير الريبة هو تكرار اندلاع الحرائق في مؤسسات حساسة أو خلال توقيتات حرجة .
حرائق تندلع عشية إعلان نتائج انتخابات ، أو في مراكز تُخزَّن فيها وثائق فساد ، أو داخل مستودعات وزارات سيادية .
هل هي مصادفة ؟
في بلد تتداخل فيه أجهزة الدولة مع النفوذ الحزبي والسلاح غير الرسمي ، يصبح من الصعب استبعاد فرضية التصفية السياسية أو الإخفاء المتعمد للمعلومات .
وغياب الشفافية عن نتائج التحقيقات يزيد الشكوك أكثر مما يبدّدها .
ان ما يحدث في العراق من تكرار الحرائق ليس ظاهرة عرضية ، بل مؤشر واضح على خلل بنيوي في منظومة الدولة .
خلل يجمع بين الفساد والإهمال ، والتسيس والتقصير ، ويُدار غالباً بعقلية “رد الفعل” بدلًا من التخطيط الأستباقي .
النيران التي تشتعل في الأسواق والمستشفيات ، تُنذر باحتراق الثقة العامة ، وتآكل قدرة الدولة على ضبط الأمن والخدمات .
وهذا يعيدنا لمأساة عبارة الموصل وحريق الحمدانية وحريق الكرادة وحريق الصدرية وحريق اكثر من مستشفى راح ضحيتها المئات .
ولن ينتهي هذا المسلسل المرعب بتشكيل لجان شكلية تطوى بعد ايام ، بل يجب محاسبة المقصرين ولا شك ان اصحاب هذه المولات من حيتان الفساد الذين سرعان ما ينفذون من العقاب ويتم تحميل وزرها للطرف الاضعف .
نؤكد على ضرورة تشديد الالتزام بالمواصفات و بالمعايير العالمية في البناء ومعايير السلامة والدفاع المدني .
رحم الله شهداء الكوت ، وانا لله وانا اليه راجعون ..

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى