قصة عراقية كردية حاولت الوصول الى خطيبها في بريطانيا.. فغرقت في بحر المانش
في مدينة سوران بشمال العراق، تجمع الحضور لتقديم التعازي لعائلة الكردية، مريم نوري (24 عاما)، في المكان ذاته الذي شهد حفلا لخطبتها، قبل أن تلقى حتفها لدى عبورها المانش محاولة للوصول إلى خطيبها في بريطانيا.
وفي غرفتها، التي لم يمسها أحد منذ الرحيل إلى أوروبا، غطت دمى الدببة المحشوة الحمراء الكبيرة سريرها المرتب بعناية، وانتشرت عليه فرش المكياج وكرات الثلج وصور خطيبها الذي فشلت في الوصول إليه.
لم تخبر مريم خطيبها بالرحلة المشؤومة لعبور المانش من فرنسا بقارب مطاطي، الأربعاء الماضي، والذي تحطم على بعد أميال قليلة من الساحل الفرنسي، لتلقى حتفها مع 27 آخرين، غالبيتهم عراقيون.
كانت نوري تمكنت من الحصول على تأشيرة “شنغن” إلى أوروبا، وسافرت إلى إيطاليا في الأول من نوفمبر، ثم لاحقا إلى ألمانيا ثم فرنسا، قبل أن تقرر خوض تجربة السفر بالقارب للملكة المتحدة بعد أن فشلت عدة مرات في الحصول على تأشيرتها.
قبل الفاجعة، كان لدى ابنة عمها، إيمان حسن، هاجس أن شيئا ما سيئا سيحدث، ولم تستطع النوم لليلتين قبل الحادث.
هرعت أختها لسماع الأخبار بعد سماعها أنباء عن غرق قارب في المانش، بينما لم يرد أي ذكر لاختها.
كانت مريم اتصلت بإيمان، وهي صديقتها المقربة، في الأول من أكتوبر لتخبرها بأنها ستسافر إلى أوروبا، وقبل الرحيل التقى الاثنان وكان اللقاء الأخير بينهما.
وخلال هذا اللقاء، سألتها إيمان عما إذا كانت ستستقل قاربا للهجرة، وذكرتها بالمصير المحتوم لمثل هذه الرحلات، لكن مريم طمأنت ابنة عمها قائلة إنها ستسافر أوروبا بالطائرة.
وللفتاة الكردية الراحلة 8 شقيقات، وتقول إيمان: “لقد اعتنت بجدتي عندما كانت مريضة في الفراش. كانت فتاة لطيفة جدا.. وذكية وحازمة وناجحة في أي وظيفة كانت تقوم بها”.
وتشير ابنة عمها إلى أنها عملت في مجال مستحضرات التجميل بعد الانتهاء من المدرسة الثانوية، وأكملت دورات دراسية في المجال.
وفي سوران، جلس أقارب مريم خارج منزل العائلة، الأحد، لتذكر الفقيدة تماشيا مع العادات المحلية، فيما لم يصل جثمانها بعد إلى العراق في انتظار حسم قضايا قانونية.
وعندما اجتمع الرجال لتلاوة آيات من القرآن، رحب والدها، نوري دارجلاي، بالضيوف، وقال مشيرا إلى حفل خطوبتها في هذا المكان: “كانا الزوجان (الخطيب والخطيبة) يحاولان بناء حياة كريمة لأنفسهما، لكن الأمر انتهى. غرقت في البحر وتوفيت قبل وصولها”.
وتقول أسوشيتد برس، في تقرير لها حول الموضوع، إنه رغم الاستقرار النسبي في إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي، إلا أن ارتفاع معدلات البطالة والفساد والأزمة الاقتصادية الأخيرة التي أدت إلى خفض الرواتب، قوضت ثقة الأكراد” في إمكانية الحصول على مستقبل أفضل لهم.
آخرون يخشون على أبنائهم
في أثناء ذلك، يخشى قادر عبد الله على مصير ابنه محمد الذي اتصل به للمرة الأخيرة عشية الإعلان عن حادث الغرق، ليبلغه أنه سيعبر قناة المانش.
وفي تصريحات لفرانس برس، قال قادر، الذي بقي في منزله الواقع في قرية “قادراوا” الصغيرة في كردستان: “في آخر اتصال معي ليلة الحادثة، قال لي إننا سنعبر إلى بريطانيا في رسالة عبر (تطبيق التراسل) مسنجر”.
وأضاف الأب، البالغ 49 عاما، أنه حذر ولده من مخاطر الطريق، الذي ينطوي على “مجازفة”، ولكن محمد “طمأنني إلى أنه حدثت عمليات عبور كثيرة من الممر ولا يواجه أي مشاكل”.
أسئلة بلا أجابات
لكن منذذلك التاريخ، لم تسمع عائلات في قرية قادراوا أي نبأ عن مصير أبنائها المفقودين. هل كانوا على متن هذا القارب؟ هل وصلوا إلى بريطانيا؟ وهي ضمن أسئلة بقتت بدون إجابة، إذ لم يكشف التحقيق بعد عن هوية الضحايا أو جنسياتهم أو أسباب الغرق.
وقبل شهر، سافر محمد (20 عاما) إلى تركيا من مطار أربيل. وعبر من هناك بالاتفاق مع مهربين إلى إيطاليا ثم إلى فرنسا. كان محمد يريد الانضمام إلى شقيقيه المقيمين في بريطانيا منذ عامين.
وأقر الأب بأن العائلة “وافقت على سفره إلى أوروبا”، وأوضح: “كل الشباب يسافرون إلى أوروبا لأن المعيشة صعبة جدا ولا يرون مستقبلا أفضل” في كردستان.
وأضاف: “في الآونة الأخيرة، تظاهر كثير من شباب الإقليم بسبب سوء الوضع الاقتصادي المتدهور”، بحيث يصعب على الشباب “الحصول على عمل والعيش الكريم”.
بدوره، فقد أبو زانيار الاتصال بابنه البالغ 20 عاما، وقال “ليلة 23 نوفمبر، اتصلت بابني وحتى الآن لم تظهرأاي معلومات عن مصيره”.
وعلى غرار محمد، استقل زانيار الطائرة إلى تركيا، واتجه منها بشكل غير قانوني إلى إيطاليا ثم فرنسا.
وأضاف الأب: “اتفقنا مع مهرب على تهريبه إلى بريطانيا لقاء 3300 دولار” ويحاول منذ ذلك الوقت التواصل مع المهرب، دون جدوى.
وقال: “لم نتفق على ذلك، لقد تعهد لنا إيصال زانيار إلى بر الأمان في بريطانيا” لكنه أكد “إذا نجا ابني هذه المرة سأرسله إلى أوروبا من جديد لأن لا معنى للحياة في الإقليم، ليس بمقدور الشباب الحصول على عمل بعد تخرجهم”.
وقبل عامين، حاول زانيار بالفعل الوصول إلى أوروبا، عبر بلغاريا، لكن تم اعتقاله ثم ترحيله إلى بلاده.
وروى أحد المسعفين أن المأساة حصلت على “قارب طويل” قابل للنفخ، يميل قاعه المرن إلى الطي عندما يمتلئ بالمياه، وكان محملا فوق قدرته الاستيعابية القصوى. وتم إنقاذ اثنين، عراقي وصومالي.
وأصبح استخدام هذه القوارب الخطرة، ذات النوعية الرديئة، أكثر شيوعا منذ الصيف.
وتعتقد شلير أحمد، والدة العراقي محمد خالد، أن ابنها هو الناجي الوحيد بعد تلقيها مكالمة هاتفية منه تفيد بذلك.
وقد سافر الشاب، البالغ 22 عاما، إلى بيلاروس قبل شهرين، ثم ذهب إلى فرنسا بمساعدة مهربين.
وقالت الأم: “ولدي محمد في وضع صحي سيء بسبب بقائه في مياه البحر، لقد اتصل بي وأخبرني أنه نجا مع أحد المهاجرين الأفارقة”، بحسب “فرانس برس”.