د. قحطان صديق: إيران والخيارات الصعبة
يبدو ان الاتفاق النووي مع ايران في غرفة الانعاش ، وان هناك محاولات يائسة لجعله يفيق من غيبوبته..
يوم امس الجمعة 19/ نوفمبر ، صرح روبرت مالي المبعوث الامريكي الى ايران في منتدى حوار البحرين، من ان ايران تقترب من نقطة اللاعودة في الاتفاق النووي بعد ان زادت مخزونها من اليورانيوم المخصب الذي يقربها من صنع قنبلة نووية..
ويبقى السؤال .. ماذا إن فشل الاتفاق النووي في فينا والمزمع عقده في ال 29 من الشهر الحالي ؟،،فالى اي مدى يمكن لايران الصمود في ظل الحصار الاقتصادي الخانق والعزلة الدولية المفروضة عليها منذ ثلاث سنوات ولحد الان ؟
وماذا ستستطيع ايران طرحه وتقديمه للمجتمع الدولي من مبررات لكسب الوقت وللاستمرار في تخصيب اليورانيوم وصولا للقنبلة النووية؟ وماذا سيقدم اجتماع فينا الى ايران من اجل جلبها الى بيت الطاعة واقناعها التخلي عن طموحاتها النووية والبالستية وعن دورها المشاكس في المنطقة ؟
ايران تعاني الان اقتصاديا وبشدة، الدولار في العام 1979 كان يعادل 70 ريالا ايرانيا، (التومان يعادل 10 ريالات)،
الدولار الامريكي الان يعادل 420 الف ريال ايراني.
الملفت للنظر في الموقف الامريكي هو تراجع لغة التهديد بعمل عسكري ضد ايران والتأكيد بان العمل الدبلوماسي والابقاء على الضغوط الاقتصادية هو الطريق المرجح في التعامل مع ايران للفترة المقبلة وهو المعول عليه كطريق غير مكلف ومضمون النتائج ولا يثير كثيرا من الاعتراض في ظل ظروف الوضع الدولي المعقد والتنافس القوي بين الولايات المتحدة والصين بعد بروزها كقوة اقتصادية عظيمة تهدد مصالح امريكا في اسيا وفي العالم..
ايران لا تقف مكتوفة الايدي فلا زالت اذرعها فعالة في اليمن وفي العراق وسوريا ولبنان وفي علاقتها مع حماس كل ذلك يزيد من ديناميكية نظامها السياسي ويعطيها فرص المبادأة وتفعيل اوراق الضغط التي تمتلكها في خلافها مع الولايات المتحدة وحلفاءها حول برنامجها النووي
ولكن نظرة متفحصة ودقيقة تشي بان ايران في مازق وانها باتت مهددة في عقر دارها ..فالحصار الاقتصادي يأكل من جرفها بسرعة،، وصمود النظام الايراني وتحكمه بالمشهد السياسي والامني امام تراجع وتدهور الحالة المعيشية للشعوب الايرانية لا يمكن ان يدوم طويلا ،،فالتململ في الشارع الايراني بات واضحا والجائع لن ينتظر قبل ان يموت او يخرج ثائرا.
ونظرة على الوضع الاقليمي المحيط بايران يظهر بان
الوضع السياسي في العراق، الدولة الاقرب جغرافيا ومذهبيا وذات العلاقة العميقة معها بدأت تتارجح وخاصة بعد نتائج الانتخابات الاخيرة وظهور افكار جديدة وقوى فاعلة قد تشب عن الطوق وترفض الاملاءات الايرانية والتعامل غير المتوازن والذي كان دائما يميل لصالح ايران سواءا في الاقتصاد او في المواقف السياسية الاقليمية والدولية منذ العام 2003 ولحد الان
هذا التململ نراه في لبنان وفي سوريا ايضا وحتى في اليمن فاستعصاء الحل العسكري وضع الحوثيين في موقف محرج والضغط الدولي سيقود عاجلا او آجلا الى جلوسهم الى طاولة المفاوضات وخروجهم من كونهم يدا ضاربة او عامل ضغط لايران في المنطقة وكذا الحال في لبنان الذي يتعرض فيها حزب الله الى ضغط شعبي ودولي قوي ستحد من نشاطه وحركته الى حد بعيد وكذلك مع حماس التي تعاني ايضا من موقف مشابه فها هي بريطانيا تصنفها كمنظمة ارهابية بجناحيها العسكري والسياسي،بعد ان كان الاخوان المسلمون يعتبرون المملكة المتحدة قاعدة لنشاطهم السياسي والايديولوجي.. كل هذا سيحرم ايران من اكثر من ورقة ضغط في خلافها مع الغرب..وسيجعل الزمن لا يسير في صالحها كما تريد
كما ان انحسار مقبولية الاسلام السياسي بشقيه المذهبيين في المنطقة لا يصب في مصلحة ايران صاحبة الخطاب الديني المقاوم والمتحدي ايضا وهذا نراه واضحا في تراجع وانكفاء الاحزاب الدينية السنية التي تربطها علاقة متميزة مع ايران والتي تمثل حماس طليعتها
المقاومةوكذلك الامر يبدو جليا في تفرق قوى الاسلام السياسي الشيعي وتشتته..
السياسة الايرانية ذكية وتتحرك بمرونة وتمتلك نفسا طويلا وتجيد تحريك اوراقها ولكن الحصار الاقتصادي ورفض الولايات المتحدة الدخول معها في معارك جانبية وصدامات في الخليج وفي العراق وفي سوريا يحرمها من ديناميكيتها الاقليمية ويضيع فرص تحسن صورتها في العالم ويظهرها بمظهر المعتدي الذي يتجاوز على حرية الملاحة ويحتجز السفن التجارية ويثير القلاقل في المنطقة وفي ذات الوقت يفقدها شعبيتها وبريقها كقوة اسلامية تقف في وجه اسرائيل ،، يبدو ان الرياح بدات تهب لا كما تشتهي سفن ايران وستودي بالكثير من اوراقها وتحد من قدرتها على التحرك..
وحتى ان حققت ايران تقدما وخرقا في برنامجها النووي وامتلكت سلاحا نوويا ففي ظل الحصار الخانق هذا لن يكون وضعها بافضل كثيرا من وضع كوريا الشمالية مع فارق ان ايران فيها شعوب من اعراق مختلفة معظمها يتوق الى الانفصال وينتظر فرصة ضعف النظام لكي يعلن عن ذلك،، ربما سيكون اجتماع فينا القادم حاسما في كونه الفرصة الاخيرة للعودة للاتفاق النووي ،، وفي عودة ايران الى المجتمع الدولي وربما سيكون بداية النهاية ..