آراء

عبدالله سلمان: التوافقية في العراق مشروع استعماري



ان احتلال افغانستان والعراق من قبل امريكا بالتعاون مع بريطانيا والغرب الديمقراطي وايران جاء في عصرعنوانه حقوق الانسان وحرية الشعوب ودعمها من قبل الغرب اثناء وبعد انتهاء الحرب الباردة واستخدم هذا الشعار لاذابة دول المعسكر الاشتراكي وتقسيمها كالاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا وجيكوسلوفاكيا وغيرها ، مما جعل شعوب العالم تشعر بالاحباط والانكسار النفسي والتساؤل عن صدق نوايا الغرب في المنهج الديمقراطي وحرية الشعوب كون الاحتلال الغاء لسيادة الشعوب على ارضها ومما عمق هذا الشعور هو الخريطة السياسية التوافقية التي وضعها الغرب للخروج بنظام سياسي في العراق كنموذج للدول التي ستنضوي تحت ظلال قوة الاحتلال في مناطق التوتر في المنطقة العربية سوريا وليبيا وغيرها من دول العالم .
في العراق ذهب بعض المحللين الى ان الحاكم المدني بريمر لم يدرك طبيعة المجتمع العراقي وكان قاصرا في فهم المعادلات السياسية في العراق متناسين ان الاحتلال الامريكي خطط لالغاء العراق كدولة وفق استراتيجية فرق تسد الاستعمارية البريطانية فجعل من العراق رقعة مقسمة بشكل طائفي متناحر وجعل هذه الاستراتيجية مستدامة بنظرية التوافق السياسي بين المكونات الطائفية والعرقية ، فان امريكا وبريطانيا وايران يدافعون عن بقاء العملية السياسية التوافقية لضمان خروج العراق بشكل دائم من المعادلة السياسية في المنطقة والعالم والاستفادة من الموقع الجيوسياسي للعراق لتحقيق اهدافهم في المنطقة .
التوافقية الاستعمارية في العراق تسقط المعني القيمي للديمقراطية ، اذ تُعتبر الانتخابات النزيهة العنوان الابرز للديمقراطية لانها تضمن للمواطن حق المشاركة في اتخاذ القرار الذي يخص حياته والمساهمة في ادارة شوؤن بلاده وهذا مفقود لسببين الاول تسلط السلاح الذي تهيمن عليه كتلة طائفية وبواسطته هيمنت على مفاصل الحكم وتسلطت على المجتمع وفرضت رؤاها العقائدية بقوة السلاح والتدليس الفكري على المجتمع الذي ساهم بشكل جدي على ان تكون الانتخابات فارغة المحتوى لان الاختيار المبني على اساس طائفي وعرقي وعشائري والذي يدفع بالناخب للاختيار على اساس ضيق الافق الوطني الذي ينتج عن اختيار قيادة فاقدة للمشروع الوطني وجعل المواطنة ملغاة من منهجها السياسي لان الترشح الطائفي والانتخاب على اساسه ياتي بمجموعة غير قادرة على استيعاب المشروع الوطني العام ناهيك عن القصور في الدستور والعملية السياسية التي بُنيت على المحاصصة والتوافقية ، والسبب الثاني انصهار نتائج الانتخابات في بوتقة التوافقية الطائفية والعرقية فتلك من ابرز عيوب التوافقية وفقدان القيمة العملية والسياسية للانتخابات والاهداف العامة لاي انتخابات وهدر للمال العام وباب اخر من ابواب الفساد المستشري في البلاد وتدليس مهين على المجتمع وتسويق الوهم ومسخ حقيقي للديمقراطية ومعناها وغاياتها .
إن الهدف من اي انتخابات عامة او فرعية هو اختيار قيادة تمتلك مواصفات تنافسية في الابداع قادرة على تحقيق التطور في كافة المجالات وتعزز الامن المجتمعي وتساهم بشكل خلاق في تطوير التنمية البشرية وتوظيف مقدرات البلد لصالح ابنائه لكن في ظل التوافقية الطائفية التي شرعت دستور لا يناسب المجتمع العراقي ولم يختاره الشعب بُني على ضوئه عملية سياسية فاسدة لا يمكن ان تبرز من ثناياها مجموعة تمتلك مشروعا وطنيا وتقود البلاد وفق ذلك .
لقد اشاد البعض في انتخابات 2021 على انها الافضل في لوحة المشهد السياسي العراقي لخسارة بعض اطراف العملية السياسية التي نقم عليهم المجتمع بسبب الاذى الذي الحقته هذه القوى المليشياوية بالمجتمع. فالتوافقية التي ستكون هي الحصيلة لهذه الانتخابات وما سبقها تضع هذه الاشادة موضع الاستهزاء وتعتبرها مشاركة في تضليل المجتمع ومدافعة عن العملية السياسية الفاسدة . فاذا كانت الانتخابات اهم ركن من مقومات الديمقراطية فان التوافقية الطائفية والعرقية في العراق انتهاك صارخ للديمقراطية لانها تنسف المعنى والغاية من الانتخابات العامة ومن هنا نقول ان التوافقية في العراق نظرية استعمارية لاستدامة تدمير العراق وابقاء التشذرم والفساد والقتل والتهجير سيد الموقف بموافقة رعاة الديمقراطية وحرية الشعوب في العالم امريكا والغرب. فالتوافقية حسب مواصفات بريمر تتناسب مع الطموحات الايرانية وتتناغم مع مصالحها الاستراتيجية فهي من اقوى المدافعين على التوافقية الاستعمارية لانها تضمن بقاء نفوذها من خلال التقسيم الطائفي فايران دعمت وشكلت مليشيات وقوى متعددة في العراق لابقاء العراق تحت هيمنتها لا يمكن له الانفكاك عنها لا في انتخابات ولا احتجاجات .
ما الذي سيتغير في المشهد السياسي العراقي بعد الانتخابات التي ستفضي ببقاء نفس القيادة الفاسدة وتبقى الكتلة الكردية تتمسك برئاسة الجمهورية والكتلة الشيعية تاتي برئيس وزراء بهوى ايراني واهم مفاصل الدولة الامنية والعسكرية بيد ايران والسنة في رئاسة البرلمان الم تكن هي نفس الصورة منذ الاحتلال وحسب وصفة بريمر للعراق ناهيك عن تقاسم الوزارات والمناصب من مدير عام فما فوق بالمحاصصة الطائفية والعرقية وبقاء الفساد لان كل كتلة ترفض محاسبة اعوانها للحفاظ على التوافقية .
ان التوافقية في النظام السياسي العراقي فضح الصورة التي يرسمها لنا الغرب وامريكا عن الديمقراطية التي يريدها للشعوب الاخرى ونحن نعتبر الديمقراطية التي يصدرها لنا الغرب مثل المنتجات الصينية التي تُرسل للغرب وفق مواصفات عالية التقنية وتلك التي يصدرها للعالم الثالث التي لا تمتلك القوة والمتانة ذاتها
ان اسقاط التوافقية الاستعمارية في العراق وتحرير العراق منها لا يتم الا في ثورة شاملة تنهي العملية السياسية القائمة واقامة نظام ديمقراطي يجعل من الانتخابات وسيلة اختيار قيادة وطنية قادرة على بناء العراق من الشمال الى الجنوب دون طائفية اوعرقية .

زر الذهاب إلى الأعلى