ثقافة

د. أسيل العامري : حبات الحنطة في ارض خصبة!

كثيرة هي النظريات التي استقرت عميقا كحجر ثقيل في قاع بئر النسيان، وكثيرة هي الأحلام التي أصبحت كفقاعات الصابون في فم طفل يلهو بها !

غير إن العكس يحدث أيضا عندما يأخذ شخص ما بيد تلك النظريات ليحولها إلى واقع ملموس كحبات الحطنة في ارض خصبة.. هذه الكلمات يعرفها جيدا من يعمل في الحقل ولا يدركها من يأكل نتاج ما أنتجه ذلك الحقل. 

 

منذ البداية قررنا أن ننزل إلى حقل التجربة ونعمل مع القادمين الجدد، ونتعرف على مشكلاتهم وأحلامهم وأن ندلهم على الطرق الصحيحة للعيش في مجتمع آمن وجديد .. ليس سهلا أبدا أن تجعل شخص ما يشعر بالأمان وأن يفهم أشياء جديدة كانت بالنسبة إليه مثل الاحلام، والاصعب في ذلك هو الاختلافات الثقافية بين المجتمعات، فما هو مقبول هناك مثلا ربما هو مرفوض هنا تماما، ولذلك يمكن متابعة الاحصائيات المخيفة عن انفصال الأولاد عن أسرهم بسبب العنف الذي يعتقده الآباء مسموحا به، وهم لا يعرفون القوانين كما يمكن متابعة المشكلات بين النساء والرجال أو بين القادمين الجدد أنفسهم بسبب اختلافات الأديان أو المذاهب أو الأعراق! 

 

كل ذلك حفزنا أن نضعه في برنامج طموح ونعمل به مع القادمين الجدد، متخذين من تعليم اللغة أولى المفاتيح، ومن الجولات الثقافية المباشرة والاحتكاك بالمجتمع وسيلة جديدة للتفاهم وإكمال ما نبدأ بالصف ثم العودة للصف ثانيا، وفتح حوار مركز عن المجتمع السويدي وتقاليده والأحزاب والقوانين التي تحافظ على الديمقراطية والمساواة والتعليم والعمل.

 

كان الهدف الخفي الذي نسعى إليه هو بث روح الأمل والتحفيز على كيفة أن يبدأ القادم الجديد حياته في السويد، دون أن ينتظر كثيرا وقبل أن يدب الياس إلى روحه ويصبح شخصا سلبيا، والأهم أيضا هو أن يتعرف على النظام العام في البلاد، ويتجنب الأخطاء ويسعى إلى تحقيق أهدافه كفرد ايجابي في مجتمع جديد تماما.

 

لقد واجهتنا عدد من الصعوبات أهمها أن القادمين الجدد لا يتحكمون هم بوجودهم في مدينة مالمو، وإنما دائرة الهجرة هي التي تقرر بقاءهم فيها أو نقلهم إلى مكان آخر. والكثيرممن بدأنا العمل معهم تركوا البرنامج في ربعه الأول أو في منتصفه بسبب نقلهم خارج مدينة مالمو، وآخرون حصلوا على الإقامة وبدأت حياتهم الاعتيادية في المدرسة السويدية النظامية، ورغم ذلك استمر العدد الآخر معنا إلى نهاية البرنامج بشكل فاعل وايجابي، فقدموا مشاريعهم وانطباعاتهم عن ما تعلموه خلال عام كامل.

 

سعينا منذ بدأ المشروع إلى نهايته أن نوثق كل جزء فيه المحاضرات و اللقاءات و المناقشات و الزيارات الثقافية وأخيرا النتاجات التي قدمها المشاركون والمدربون في هذا المشروع.

بلا شك كنت سعيدة بالقادة الشباب الذي أداروا هذا المشروع، وساهموا كل من زوايته في رفد المشروع بالمعلومات، وتدريب المشاركين وتدريسهم واصطحابهم بالزيارات الميدانية، وسر تلك السعادة هي كون المشروع نجح في تقديم مجموعة شابة باستطاعتها من خلال التجربة أن تقود مشاريع أُخرى في أي مكان ،وان تملك روح التعاون البناء والايجابي لنشر المعلومات المفيدة والضرورية لبناء هذا المجتمع

في الختام أقول للذين يحلمون بالجديد دائما يمكنكم تحقيق أحلامكم إذا نزلتم إلى الحقل وزرعتم الحنطة بأيديكم.

 

*رئيس تحرير مجلة ننار الثقافية / السويد

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى