هنا اوروبا

جدل في فرنسا حول إعطاء الاجانب حق الاقتراع في الانتخابات المحلية

باريس: ميشال أبونجم

اختار النائب عن الحزب الرئاسي ساشا هوليه فرصة العطلة الصيفية وغياب الرؤساء الأربعة (الجمهورية، الحكومة، البرلمان ومجلس الشيوخ) وكذلك الوزراء والنواب عن باريس، ليطرح فكرة قانون مثير للجدل لأنه يتناول إعطاء حق التصويت للأجانب في الانتخابات المحلية (البلدية) على غرار ما هو متاح للمواطنين الأوروبيين.
اللافت في خطوة النائب هوليه الذي يرأس لجنة القوانين في البرلمان أمران: الأول، أنه اختار التاسع من أغسطس (آب) ليرفع اقتراحه إلى مكتب المجلس، أي في اليوم الذي أغلق فيه المجلس أبوابه وتوجه أعضاؤه إلى منتجعاتهم الصيفية. والثاني، أن الفكرة ليست جديدة بل إن أول من طرحها كان الرئيس الاشتراكي الأسبق فرنسوا ميتران (1981 – 1995) ثم الرئيس الاشتراكي الآخر فرنسوا هولند (2012 – 2017). والحال، أن الاثنين لم يسعيا حتى النهاية لوضع فكرتهما موضع التنفيذ على الرغم من تمتع كل منهما بأكثرية مريحة في البرلمان. الأول، اتُهم بأنه طرح فكرته لإعطاء دفعة لليمين المتطرف وإضعاف منافسه اللدود أي اليمين التقليدي. أما الثاني، فإنه لم يرغب في إثارة المعارضة ضد مشروعه، ولذا فضّل وضعه في الدرج بانتظار أوقات أكثر ملاءمة وهي لم تأت قط.
حقيقة الأمر أن النائب المعني الذي انتُخب على لائحة الحزب الرئاسي «فرنسا إلى الأمام» الذي تغير اسمه إلى «النهضة»، له خلفية اشتراكية يسارية. وفي تبريره لاقتراحه الذي يمكن أن يفضي إلى قانون دستوري، تساءل ساشا هوليه عن الأسباب التي تجعل الفرنسيين لا يبدون أي اعتراض إزاء مشاركة الإسبانيين أو الألبانيين في الانتخابات المحلية، بينما يرفضون مشاركة الأجانب الآخرين، ما يعني أن القانون الفرنسي «تمييزي» وبعيد عن مبدأ المساواة في التعامل مع الأجانب.
وبحسب هوليه، فإن معركته سوف تكون «طويلة وجميلة»، و«سوف تعزز فرنسا نموذجها الساعي إلى انخراط الأجانب»، كما أنها ستحارب «النزعات الطوائفية» (الانفصالية) التي تتغذى من التهميش.
إلا أنه أبدى تخوفه من الانزلاق نحو جدل «شعبوي»، سببه الأول انحراف فرنسا يميناً، لا بل إلى اليمين المتطرف. والدليل على ذلك أن حزب «التجمع الوطني» يتمتع بـ89 نائباً في البرلمان الجديد، الأمر الذي لم يعرفه سابقاً. وتجدر الإشارة إلى أن الأوروبيين لهم الحق في المشاركة في الانتخابات المحلية اقتراعاً وانتخاباً منذ عام 1992.
يبدو واضحاً أن النائب المعني لم يستشر قيادة حزبه ولا الحكومة. فالاقتراح لم يكن قط من بين تعهدات الرئيس إيمانويل ماكرون الإنتخابية في حملتيه الرئاسيتين (2017 و2022). وقد سارع وزير الداخلية جيرالد درامانان إلى الإعلان عن معارضته الشديدة لهذا الاقتراح. علما أنه سوف يطرح في الخريف القادم مشروع قانون جديد عن الهجرة والمهاجرين، وينتظر أن يأتي أكثر تشدداً من القوانين السابقة في هذا الخصوص. كذلك، لم تصدر عن رئاسة «النهضة» أي تصريحات مؤيدة لخطة رئيس لجنة القوانين. وجلّ ما صدر، أن رئيسة كتلته البرلمانية النائبة أورور بيرجيه أعلنت أنها ستعمل على تشكيل «مجموعة عمل» لتنكب على دراستها.
وفي المقابل، فإن اليمين، بجناحيه الكلاسيكي والمتطرف، لم يتردد في التنديد بالخطة ومهاجمتها بعنف، معتبراً أنها «فضيحة». وقال النائب عن حزب «الجمهوريون» أريك سيوتي الذي يعد من صقوره، إنه سيعارض «بكل قواه» هذا المشروع. فيما اعتبر رئيس حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الذي تقوده المرشحة الرئاسية مارين لوبن، إن مشروعا كهذا يعني «سلب الفرنسيين نهائياً من وطنهم».
وإذا كان الحزب الرئاسي «فاتراً»، واليمين «هائجاً»، فإن اليسار تلقى بارتياح مشروعاً يدعو إلى تنفيذه منذ سنوات إن لم يكن منذ عقود. وكان هذا حال حزب «فرنسا المتمردة» والبيئويين وجميع المنضوين تحت جناح «التجمع الشعبي الاجتماعي والبيئوي» الذي يتمتع بـ150 نائباً في الندوة البرلمانية.

بيد أن كثيرين يراهنون على أن المشروع المذكور لا يمكن أن يصوت البرلمان لصالحه لسبب حسابي بالدرجة الأولى، خصوصا إذا كانت الحكومة والرئاسة تعارضانه، حيث إن الأكثرية تتطلب موافقة 289 نائباً، وهي غير متوافرة. ولسبب سياسي، ثانياً، باعتبار أن المزاج الشعبي الفرنسي ليس إيجابياً إزاء المهاجرين. فالتوجه اليوم إلى التشدد إزاء المهاجرين على غرار ما هو حاصل في غالبية البلدان الأوروبية. كذلك، فإن النواب (ومعهم أيضا أعضاء مجلس الشيوخ) سوف يأخذون في الاعتبار ردة فعل ناخبيهم قبل السير في مشروع يراه كثيرون «متفجراً».

aawsat

زر الذهاب إلى الأعلى