د. عـلي الجـابـري: كم (علي) ظلمتم وكم (عمر) قتلتم؟!
قصة (علي) ذلك الشاب العراقي الذي أجبر على الأعتراف بقتله زوجته الهاربة وحرقها، لا تختلف كثيراً عن كم الظلم والجور الذي يتعرض له العراقيون الذين لا سند لهم، ولا (كتائب) تقف خلفهم ، ولا (عصائب) تشد أزرهم ، متى ما كانوا بمواجهة القانون!
لا أبالغ إن قلت أن هناك مئة علي، وألف عمر (فرمتهم) لجان التحقيق ، و(رمى) بهم القضاء الاعور الى التهلكة وحبال المشانق!!
قد يكون (علي) محظوظاً ان جريمته كانت أجباره على الاعتراف بقتل زوجته ، وليس الاعتراف بتفجير سيارة مفخخة في ساحة الطيران، حيث كان مئات (العاطلين) يبحثون عن قوت يومهم من قادمٍ قد يأخذهم لبناء مسكنه، او يأخذهم الى مقبرة النجف!
بل أكاد أجزم انه كان محظوظا مرتين، الأولى تهمته (اللا أرهابية)، والثانية ظهور زوجته من (غيبتها الصغرى) قبل ان يرتقي الى المشنقة.. وربما كان دعاء والدته أقرب الى السماء من قرار الحاكم بأمر الله في بابل!
يقول المصريون (ياما في السجن مظاليم)!! فماذا أبقوا للعراقيين الذين يساقون الى السجون بتهم ما أنزل الله بها من سلطان؟! هل يعلمون أن قضاة العراق يحكمون بالاعدام بلا دليل ولا حتى أثر لجثة المقتول المزعومة!!
هل يعلمون ان ضباط التحقيق (الدمج) في العراق يبنون امجادهم على حساب الابرياء؟ ويعززون بطولاتهم المزعومة بمقدمي برامج يطبلون ويرقصون لانجازاتهم؟ بل هل يعلمون ان بعض (الاعلاميين) في العراق تحولوا الى جلادين لضحايا رمتهم (قسمتهم السوداء) بين يدي ضابط (عاهر) وأعلامي (فاجر)!!
قصة علي ليست الأولى ولن تكون الاخيرة، فهناك ألف (علي) قتلته الكواتم ولا بواكي له، وهناك ألف (عمر) ألقى به أخوة (نوري وصولاغ) وغلمانهم في غيابة الجب، حتى صار بعضهم نسياً منسياً!!
لا يتذكر الكثير من العراقيين، القنبلة المدوية التي رماها مشعان الجبوري من على شاشة قناة دجلة ذات لحظة تجلي، عندما كشف أن أغلب الذين حُكموا بالاعدام في قضية سبايكر لا علاقة لهم بالجريمة، ولم يكونوا في محافظة صلاح الدين وقت وقوع المجزرة أساساً؟! وأنه قدم تسجيلات مصورة للقضاة تثبت براءة المدانين وأدانة آخرين مازالوا يسرحون ويمرحون دون أن تطالهم يد العدالة!!
لم يستمع له القضاة ، ولا مجلس القضاء ، ولا رئيس الوزراء، ولا رئيس الجمهورية أو البرلمان!! وأعتبروا كلامه خدشاً لمشاعر عوائل الضحايا؟! وكأن عوائل الضحايا يبحثون عن قتل أي متهم، حتى وإن كان بريئا..!!
فمتى ندرك ان ظلم الابرياء جريمة مزدوجة، لانها تدين مظلوماً، وتبقي المجرم حراً طليقاً، يمهد لجريمته القادمة!!
قصة (علي) تشبهها ألف قصة ل(عمر) ، كان عنوانها البطش والانتقام من الآخر حتى وإن كان بريئاً، فطالما أنك ضدي فأنت (أرهابي وداعشي وإن لم تنتمي)!
وطالما انك تتظاهر ضد سلاحي وكياني وتهدد عرش حكمي، فلن يغفر لك ان يكون أسمك (عليا) أو (عباس)!! ف(الخال) لا ينازع عرشه أحد، وإن كان حسينياً حقيقياً، فكيف لو كان (عمر)!
هذا هو عراقهم الذين صنعوه بأدعاء المظلومية لعقود، حتى تحولوا لأعتى الظالمين وأشد الطغاة وأقذر الحاقدين وأكبر الفاسدين..
هذا هو (عراقهم) الذي أحاطوه بأسوار خاوية، وأحتموا بمنطقتهم (الخضراء) التي لم يبنوا منها حجراً، وتناسوا وعد الله الذي يبشر الظالمين بالهلاك ، مهما أستطال البلاء وأستبد الألم!!
كمْ ظالمٍ عَبْرَ العُصورِ قد انقهرْ
إن الظَّلومَ لـخاسرٌ و لو انتصَرْ
اللّه يُمهلُ من بَغى .. فلتصطبرْ
فلَســوفَ يغدو عِبرةً لمن اعتبرْ
فهل من معتبر؟!
رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز السويدية الناطقة بالعربية