هنا اوروبا

لماذا يحتفي رجال الأعمال الألمان بخسارة أموالهم؟

اعترف رجل الأعمال الألماني الشهير، ماكس ريديل، بأنه خسر مئات الآلاف من اليورو قبل أن يبلغ 30 سنة من عمره، ومع ذلك يحظى بمدح الناس وثنائهم له بحماس.

يخاطب رجل الأعمال ألماني الأصل جمهورا غير معتاد، وهو مجموعة من الشباب المهتمين بالتكنولوجيا اجتمع بهم في أمسية للاحتفاء بما وقع فيه من "أخطاء كبيرة".

باستخدام عرض توضيحي ترفيهي، استعرض ماكس شرحا تفصيليا للحماقات التي ارتكبها في بداية تأسيس شركته، "هولي كونسيبت" لإدارة المهرجانات والسباقات في المدن الأوروبية. وقال ماكس وهو يحاول إخفاء ابتسامته الساخرة: "أعتقد أنني ارتكبت خلال الأربع أو خمس سنوات الماضية من 20 إلى 25 خطأ كبيرا، وكل خطأ منهم كلفني ما بين 50 ألف إلى 300 ألف يورو".

هناك قصص مشابهة لقصة ماكس، تمثل حاليا جوهر حركة جديدة تحمل اسما غير مرغوب فيه وهو "فيليار نايتس" أو "ليالي الفشل". وصُممت هذه المجموعة من المتطوعين لتساعد من يحاولون تأسيس أعمال أو شركات جديدة للتعلم من أخطاء الآخرين.

وقد تأسست هذه المجموعة في المكسيك، وتوزعت أعمالها وأمسياتها على 250 مدينة عبر 80 بلدا، بما فيها الصين، والهند، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية.

لكن الأمسية في برلين ليست فقط فرصة للتعارف، بل إنها محاولة لتحدي محرمات في تقاليد البلد. ويقول باتريك واغنر، وهو أحد منظمي هذه الأمسية في برلين: "لدى الألمان مشكلة حقيقية في التحدث عن تجاربهم الفاشلة".

رجل الأعمال الألماني الشهير ماكس ريديلImage captionيقول السيد ماكس ريديل أنه ارتكب حوالي 25 خطأ فادحا على مدى آخر أربع أو خمس سنوات

وباتريك هو نفسه مدير لعدة شركات، ويأخذ على عاتقه تعليم زملائه ضرورة تحمّل المخاطرة في الأعمال. ويوضح قائلا: "سبعون في المئة من الشركات الجديدة (في ألمانيا) ستفشل، حتى بالرجوع إلى الدراسات الاقتصادية، لكن ليس هناك درس واحد حول موضوع الإفلاس، فأنت تتعلم فقط كيف تربح المال ولا تتعلم كيف تتعامل مع الخسارة".

من المستحيل تقريبا معرفة عدد الشركات الألمانية الجديدة التي لم تستطع النجاح بشكل دقيق، في بلد شهد انطلاق أكثر من ألفي شركة فقط في عام 2017.

ورغم أن البعض يُقدّر أن 90 في المئة من الشركات في ألمانيا تنتهي بإغلاق أعمالها، ولا توجد إشارة إلى أن هناك شركات ألمانية واعدة تفشل أكثر من مثيلاتها البريطانية، أو تلك التابعة لمجموعة شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون

 

 

أما بالنسبة لفيليب ستورثمان، وهو متحمس بقوة لاستضافة شركات جديدة تركز على قطاع التنمية المستدامة، فإن الخوف من الفشل ربما يعرقل رجال الأعمال في هذا البلد، وبالتالي نشهد عددا أقل من الناس الذين قد يفكرون في بدء عمل جديد أساسا.

ويقول ستورثمان إن هناك انتشارا أكبر في المجتمع الألماني لحالة الاستخفاف بهؤلاء الذين يجازفون بمال الآخرين ويخسرونه، ويضيف أن الناس لديهم "عمل تقليدي"، ولديهم مخاوف حول الأمان المادي أولا وأخيرا.

ويضيف: "إذا سرت في مجال الأعمال، وانتهيت برمي الآخرين البيض على وجهك، سيقول البعض لك: أرأيت! كان يمكنني أن أنصحك".

باتريك واغنرImage captionيقول باتريك واغنر منظم الأمسية في ألمانيا إن الألمان "لديهم مشكلة في الإفصاح عن إخفاقاتهم".

تعتبر عملية الخسارة في ألمانيا، حسبما يقول باتريك واغنر، "كابوسا"، وتدفع قوانين البلد الصارمة المؤسسين الشباب لاتخاذ احتياطات شديدة.

ويضيف وهو يخفي ضحكته: "يقولون إن برلين هي سان فرانسيسكو الجديدة"، ثم يتابع: "إنها طرفة، لأنه لا أحد يخاطر بأي شيء، وهذا ما نريد تغييره".

أما كريستيان سباتز، محامٍ في شركة ليونهارت راتوند المتخصصة في إعادة هيكلة الشركات المتعثرة: "يمكن أن يكون الأمر قاسيا جدا بالنسبة لمدير عام أن يستمر في إدارة عمل في حالة خسارة".

في غرفة اجتماعات مليئة بالكتب في كيرفرستيندام في برلين، يشرح السيد سباتز بتأنٍ واهتمام كيف أنه على المديرين في ألمانيا أن يفصحوا عن إفلاسهم لحظة إدراكهم أن هنالك خللا في سجلاتهم المالية، وإلا سيواجهون تهما جنائية.

وفي بعض الحالات، يمكن أن يُطالب المديرون بدفع قيمة الخسارة للشركة من أموالهم الخاصة، لتعويض النفقات التي جاءت بعد تاريخ انتهاء السيولة لدى الشركة، أو بعد غرقها بالديون.

أغلب المديرين من الشباب والكبار في السن لا يعلمون بهذه التبعات القانونية، ويشرح السيد سباتز بصعوبة أنه حتى من يعرف منهم هذه التبعات، يكون ممتعضا جدا تجاه الإفصاح عن وضع شركته. ويضيف: "هناك بُعد نفسي إضافة إلى البُعد الاجتماعي. لا يزال في ألمانيا من العار أن تكون مفلسا".

استقطبت أمسيات Image captionاستقطبت أمسيات "ليالي الفشل" كثيرين من شباب المهنيين

هو "عار" يعزوه البعض إلى النقص الحاد في وجود شركات عملاقة في قطاع التكنولوجيا في أوروبا، على غرار شركات مثل غوغل، وفيسبوك. لكن السيد سباتز رفض فكرة أن قوانين ألمانيا مجحفة، وربما خانقة للابتكار، ويقول: "أعتقد أن لدينا نظام ناضج يأخذ كل اللاعبين في المجال بعين الاعتبار"، في إشارة للدائنين والموظفين.

وأضاف أن برلين هي مركز متنامٍ في مجال التقنية الحديثة، كما أن المخاوف من الفشل في الثقافة الألمانية بدأت تتلاشى مع الوقت.

ويتفق فيليب ستروثمان مع ذلك موضحا: "إن ذلك يتغير مع الأجيال، فنحن الجيل الجديد أصبحنا أقل معارضةً للمخاطر، ونأخذ بزمام الأمور بأيدينا".

بعد عدة أشهر من إفصاحه عن أسرار تاريخه المهني خلال أمسيات "ليالي الفشل"، استطاع ماكس ريديل حقا الأخذ بزمام الأمور. فشركته تدير اليوم مناسبات في أكثر من 30 بلدا، وبدأت أعماله التي استقرت الآن تدر له ربحا معقولا.

وقاده نجاحه المهني إلى نجاحه في حياته الشخصية أيضا، ففي هذه السنة سيأخذ أخيرا عطلة من شركته "هولي كونسيبت" للاحتفال بأكبر إنجاز في حياته، وهو الزواج من أم طفله البالغ من العمر 11 شهرا.

 

 

 

 

 

bbc

زر الذهاب إلى الأعلى