شمال فرنسا: مهاجرو كاليه عازمون على عبور القناة رغم “عسكرة الحدود”
من أجل سد الطريق أمام المهاجرين، أعلنت فرنسا وبريطانيا عن تعزيز القوات الأمنية والمراقبة عالية التقنية في منطقة كاليه. بالنسبة للجمعيات التي تساعد المهاجرين فإن هذه الإجراءات لها نتائج وهمية، مشيرة إلى أنه على الرغم من العقبات، فإن المهاجرين مستعدون لتجربة وسائل يائسة للوصول إلى المملكة المتحدة. ريبورتاج.
“ماذا كنت تفعل؟ نزهة في منطقة الكثبان الرملية (les dunes)…؟” لا شك أن الساعة المتأخرة دفعت هذا الضابط الفرنسي إلى استخدام نبرة ساخرة عندما قابلناه بالقرب من شاطئ Hemmes d’Oyes، على بعد حوالي عشرة كيلومترات شرق كاليه. كانت الساعة الواحدة صباحا عندما صادفناه مع دوريته. على الرغم من أننا في فصل الصيف، كانت تهب رياح باردة على الساحل، ما جعل المسير ليلا أمرا مستبعدا.
لم يكن رجال الدرك في تلك الليلة على الشاطئ عن طريق الصدفة، قالوا إنهم كانوا يبحثون عن أي دليل يسمح لهم بمنع المهاجرين من المغادرة إلى المملكة المتحدة.
منذ نهاية عام 2018، ازدادت عمليات العبور غير القانوني لبحر المانش من قبل المهاجرين الذين يسعون للوصول إلى المملكة المتحدة. وفقا لإحصاءات وكالة الأنباء البريطانية، عبر القناة أكثر من 10 آلاف شخص حتى الآن هذا العام على متن قوارب صغيرة، وهو عدد أكبر بكثير مما كان عليه في العام الماضي بأكمله (حوالي 8400).
“لن نسبح وراءهم!”
يتجول الضباط بمنظار الرؤية الليلية على سواحل كاليه. من خلال المنظار، تظهر المناظر الطبيعية في ظلال مختلفة من اللون الرمادي. وإذا كان شخصا ما يختبئ في الأدغال حول الشاطئ، فسيظهر بلون أحمر فاتح.
قال أحد العناصر “رأينا الأسبوع الماضي زورقين للمهاجرين يغادران هذه المنطقة حوالي الساعة الثالثة صباحا”. ماذا يحدث عندما يرصدون قاربا في البحر؟ سؤال جعل الضابط يضحك بسخرية قائلا “لن نسبح وراءهم!”
عادة ما تكون قوارب المهاجرين التي تعبر القناة محملة فوق طاقتها، ويعتبر اعتراضها في البحر محفوفا بالمخاطر بالنسبة للركاب. ولهذا السبب لا تتدخل عادة سفن البحرية الفرنسية لاعتراض هذه القوارب، إلا في حالة مواجهة المهاجرين صعوبات، على سبيل المثال يمكن أن تتدخل السلطات إذا بدأ قارب المهاجرين بالغرق. هذه السياسة تفسر أحد أسباب “نجاح القوارب الصغيرة” التي وصلت إلى المملكة المتحدة.
فرونتكس تنشر طائرات الاستطلاع لمدة شهرين
دفع “نجاح” هذه القوارب بالحكومة الفرنسية إلى تشديد سياستها. في 20 تموز/يوليو، أعلنت باريس عن خطة جديدة لمراقبة الحدود تشمل مضاعفة دوريات الشرطة على طول الساحل الشمالي في كاليه. وكذلك تركيب واستخدام معدات المراقبة عالية التقنية. كلها ممولة إلى حد كبير من قبل الحكومة البريطانية.
كما طلب وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين المساعدة من وكالة حرس الحدود الأوروبية “فرونتكس”، للتدخل في القناة الإنكليزية. أثار هذا الإعلان مخاوف المنظمات غير الحكومية التي تخشى أن تلجأ “فرونتكس” إلى “عمليات صد” بحق المهاجرين، كما حدث في بحر إيجه لمنع القوارب من الوصول إلى اليونان.
لكن وكالة حرس الحدود قالت لمهاجرنيوز في 29 تموز/يوليو إن مساهمتها في شمال فرنسا ستقتصر على نشر طائرات المراقبة والاستطلاع لمدة شهرين من أيلول/سبتمبر القادم إلى نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2021.
المنظمات غير الحكومية: عسكرة الحدود تفيد المهربين
وتنتقد الجمعيات بشدة هذه الاتفاقيات الفرنسية البريطانية، مشيرة إلى أن الإجراءات الأمنية المعززة تفيد بشكل عام أعمال مهربي البشر.
“يجب أن يعطوا المال مباشرة للمهربين! لأن هذا ما يحدث عند عسكرة الحدود”، يعبّر بيير روك الناشط في جمعية “يوتوبيا 56” عن انزعاجه من هذه السياسة.
منذ عدة سنوات، استنكرت الجمعيات الداعمة للمهاجرين استراتيجية “التخفي” التي تقودها الحكومة الفرنسية مثل التفكيك المنتظم للمخيمات، ومداهمات الشرطة، وحظر توزيع المواد الغذائية… وتصر الجمعيات على أن هذه السياسات لا تؤدي إلا إلى تفاقم “الأزمة الإنسانية” على الأراضي الفرنسية. وقال بيير روك “السلطات تعلم أن المهاجرين سيبقون، لكنهم يريدون جعل حياتهم جحيما”.
في المخيمات العشوائية حول كاليه ودونكيرك، لا يؤدي ضغط الشرطة بأي شكل إلى إضعاف دافع المهاجرين بالمغادرة الذين غالبا ما تكون لديهم صورة نمطية عن المملكة المتحدة. فيما يرى آخرون أنه ليس لديهم خيار آخر، ويذهبون إلى بريطانيا لأن طلب اللجوء الخاص بهم لن يتم قبوله في أي مكان آخر، كما يعتقدون.
خلال حديثه مع مهاجرنيوز، قال الشاب سليمان وهو إريتري يبلغ من العمر 25 عاما، “إنكلترا هي فرصتي الأخيرة. لو كان بإمكاني البقاء في فرنسا، لفعلت. لكن لا يمكنني الحصول على حق اللجوء هنا لأن لدي بصمات مسجلة في إيطاليا”. في إشارة إلى اتفاقية دبلن، التي تنص على أنه لا يمكن لطالب اللجوء تقديم طلبه إلا في أول دولة أوروبية دخلها. لكن يبدو أن سليمان غير مدرك أنه على الرغم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا تزال المملكة المتحدة تطبق هذه الاتفاقية، وبالتالي يمكنها ترحيل طالب اللجوء خارج أراضيها.
لدخول المملكة المتحدة بشكل غير قانوني، أمام المهاجرين خياران. أولهما، الاختباء في شاحنة متجهة إلى إنكلترا، وهو خيار لا يكلف ماديا لكنه غير مضمون. أو الخيار الثاني يكون عبر القارب، وهو مكلف إذ يدفع المهاجر للمهرب حوالي 2000 يورو.
يكاد يكون من المستحيل جمع المبلغ بالنسبة للشاب السوداني أوات، الذي يخطط مع عشرة أشخاص آخرين لشراء قارب ومحرك بشكل جماعي.
يمثل المال أيضا مشكلة بالنسبة لمصطفى، وهو كردي عراقي يبلغ من العمر 17 عاما. “ليس لدي ما يكفي. ولكن ربما يمكنني أن أقترح [على المهربين] أن أقود القارب، عن طريق استخدام نظام تحديد المواقع (GPS). وبهذه الطريقة، يمكنني الحصول على عبور مجاني”، يأمل المراهق الذي يعيش منذ أسبوع في مخيم غراند سانت بالقرب من دونكيرك.
لم يسمع أي من الأشخاص الذين قابلهم مهاجرنيوز في مخيمات كاليه عن أخبار زيادة دوريات الشرطة أو زيادة مراقبة الحدود أو دعم “فرونتكس”، التي تتصدر عناوين الصحف في فرنسا وفي المملكة المتحدة. اعتاد العديد من المهاجرين على تجاوز مخاوفهم بعبور القناة معتمدين على حظهم، مثل مصطفى. “إذا كنت ترغب في الوصول إلى المملكة المتحدة، فإن الحظ هو أهم شيء”.
نقلا عن : مهاجر نيوز