آراء

عبدالله سلمان: فوضى المفاهيم لدى السياسي العراقي

ان اهمية المفاهيم السياسية وتوضيح معناها حسب مرجعيتها الاصيلة يساهم بشكل فعال  برفع المستوى الثقافي السياسي للمواطن مما يجعل التفاعل بين المواطن والسياسي امرا هينا يحقق للسياسي مبتغاه بكسب تأييد الشارع لمشروعه وافكاره وبالضد من ذلك فان السياسي يساهم بخلق فوضى سياسية تُنتج التخبط في العمل السياسي واحباط في تنظيم المجتمع وهذا ما نتلمسه بواقع الحراك السياسي العراقي اليوم لافتقاده اسس الادراك السليم للمفاهيم السياسية .

من خلال قرائتنا ومتابعاتنا لمقالات واحاديث السياسيين لزيادة معلوماتنا نشعر بالارتباك وعدم الاستفادة لتناقض ما يتفوهون به من مفاهيم لا تمت بصلة لاصلها الحقيقي ونكتشف انهم ليسوا بالدراية الكافية بقدرة المواطن البسيط على ان يراجع تلك المفاهيم في بحثه للتعلم ويجد اللغط الذي يساهمون فيه والسبب ان اغلب السياسيين في العراق و الوطن العربي مأزومين سيكولوجيا ومنشغلين بالماضي ويتمسكون بالانغلاق الفكري حسب أهواهم وميولهم السياسية وحبهم وكرههم للتيارات الاخرى .

للوقوف على اهم تلك المفاهيم التي يستخدمها السياسي العراقي في حديثه وكتاباته وكيف ساهمت بالفوضى الفكرية في الشارع العراقي نذكر على سبيل المثال .

سقوط النظام : قامت امريكا وبريطانيا ومعهما جيوش عالمية باحتلال العراق عام 2003 وابلغا مجلس الامن باحتلالهما العراق وطلب منهما مجلس الامن بالالتزام بواجبات الدولة المحتلة والعالم كله يعرف ان امريكا وبريطانيا احتلتا العراق رغم كل هذا الوضوح في مفهوم الاحتلال يتنمر محلل سياسي او متقول بالسياسة وينعت هذا الاحتلال بسقوط النظام وكانه ساهم باسقاط النظام بنضاله !. نحن نعرف ان القوى التي استقدمتها بريطانيا وامريكا من حاناتهم ومكاتب مخابراتهما  لحكم العراق تتغني للفوضى الفكرية وتساهم بنشرها للتغطية على حجم شعبيتها الحقيقية وهي من ساهمت بنشر هذا المفهوم واعتبرت كل من يوصف الاحتلال الامريكي على انه الاحتلال تابع للنظام السياسي السابق ويجب معاقبته ، لكن لماذا يساهم هذا السياسي او ذاك بهذه الفوضى . ان الموقف من النظام السياسي قبل الاحتلال لا يبرر السقوط الفكري واشاعة الفوضى السياسية وارباك المواطن العراقي بتسويق مفاهيم لا تتناسب مع اصل المفهوم والواقع السياسي . ان 9 نيسان من عام 2003 احتــلال أمريكي للعراق وليس سقوط لنظام فمن ينعت ذلك بالسقوط فقد سقط  بالغو الفكري وعليه التوقف من هذا الهراء والسفسطة.

الثورة : لم يتعرض مفهوم سياسي في العراق تحديدا للخراب والتاويل والشتم مثلما تعرض المفهوم  الفلسفي للثورة حيث مورست بحقه كل العقد والشمولية الفردية والاهواء والولائية الحزبية واشدهم فتكا بالاساءة هم المتحدثون بالشأن السياسي فأن مفهوم الثورة الفلسفي ساطع كالشمس كما قرئناه بايجاز في الموسوعة العربية  ،،

 “(أسلوب من أساليب التغيير الاجتماعي تشمل الأوضاع والبنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وعملية التغيير لا تتبع الوسائل المعتمدة في النظام الدستوري للدولة وتكون جذرية وشاملة وسريعة، تؤدي إلى انهيار النظام القائم وصعود نظام جديد). 

 وفقا لهذا المفهوم يُعد ما حدث من تغيير يوم 14 تموز 1958 ثورة لا تقبل الجدل لانها غيرت طبيعة النظام في العراق من ملكي الى جمهوري وحولت النظام الاقتصادي الحر الى اقتصاد مركزي بيد السلطة والغت النظام الاقطاعي  وحررت السياسة المالية من قيود بريطانيا كل هذه التحولات جذرية تتطابق مع مفهوم الثورة بغض النظر عن موقفنا من طبيعة النظام الحاكم فيها من نجاح او فشل اهدافها فليس من المعقول ان يقوم القومي بالغاء مفهوم الثورة لانه معادي لقاسم او الاسلامي لانه مُنع من العمل السياسي ان ينتقم من مفهوم الثورة ولا من حق من قارن بين افضلية النظام الملكي عن الجمهوري وما انتجه من دكتاتوريات ان يخالف المفاهيم الفلسفية للثورة بذلك يساهم السياسي العراقي بخلق فوضى تؤثر بادراك الشارع السياسي وعلينا ان نحتكم الى اصالة المفاهيم وليس الاهواء . ففي يوم 17 تموز 1968 عنونت الجريدة الرسمية للحكومة العراقية ,,الجمهورية,, ما حدث في العراق وبالخط الاحمر العريض ( إنقلاب عسكري في العراق) واشارت الى تشكيل مجلس قيادة الثورة وتعيين احمد حسن البكر رئيسا للجمهورية ونقل عبدالرحمن عارف بطائرة عسكرية خارج البلاد ،، يمكن للقاريء الكريم الحصول على الجريدة من متصفح كوكل ,, .لكن  بعد عدة اجراءات نهضوية  ثورية غيرت الواقع المعاشي والتعليمي والاقتصادي للمواطن العراقي اصبحت ثورة رغم شمولية نظامها السياسي .

الدولة : يعيش العراق مرحلة في غاية التعقيد ويساهم في هذا التعقيد السياسي العراقي خصوصا المدعي مناهضة النظام  اما لتطفله على السياسة او لمصالح انانية او لخوفه من بطش المتسلط المهيمن على مقدرات البلاد ولا يجرء القول على ان العراق يعيش الان في مرحلة اللادولة لان مفهوم الدولة السياسي ، 

كما حددته اتفاقية مونتيفديو ( Montevideo) عام 1933 بشان حقوق وواجبات الدول وعرف الدولة ( مساحة من الارض تمتلك سكان دائمون ، أقليم محدد وحكومة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعالة على اراضيها ، واجراء العلاقات الدولية مع الدول الاخرى) . والعراق يعيش اليوم مرحلة اللا دولة فعليا وكل الشواهد تؤكد ذلك فالحكومة ليس لها القدرة على محاسبة اي قوة خارج اطار السلطة ولا تبسط نفوذها على كامل التراب ولا تستطيع التعاطي مع الدول الاخرى بحرية الا حسب رغبة ايرانية بفعل تاثير ايران على الاحزاب في العراق عبر مليشياتها ، ولا تقوم الحكومة بابسط الخدمات للمواطن  فكيف بالسياسي يكتب ويناقش ان الدولة في العراق عليها ان تقوم او لا تقوم بذلك . العراق تحكمة احزاب لديها قوة مسلحة غاشمة ذاتية تهدد بها الاخرين وتُثبت وجودها بالرغم من الرفض الشعبي العارم ضدها . فلا يصح اطلاق اسم الدولة على النظام القائم بما في ذلك المشوه منها وهي الاتحادية .

الارهاب : يستخدم هذا المصطلح السياسي في العراق بانتقائية عالية على المستوى السياسي والامني حتى اصبح عنوان لاي نشاط يعارض السلطة بقوة من قبل مجموعة بشرية في مناطق محددة من العراق (المناطق الغربية) وساهم السياسي العراقي بنشر فوضى مفهوم الارهاب لعدم جرئته على اعلان المفهوم الحقيقي و الفلسفي للارهاب ولقد تم تحديد مفهوم الارهاب فلسفيا على انه ( الإرهاب: “منهج نزاع عنيف يرمي الفاعل بمقتضاه بواسطة الرهبة الناجمة عن العنف إلى تغليب رأيه السياسي, أو إلى فرض سيطرته على المجتمع أو الدولة من أجل المحافظة على علاقات اجتماعية عامة، أو من أجل تغييرها أو تدميرها” (سميسم ،٢٠٠٥ ، ص١١٤ ) . فعلى السياسي ان يساهم في اشاعة الفهم الصحيح للارهاب في وسائل الاعلام وتاكيد ان مناهضة الفساد ومحاربة الظلم والقهر في جميع ارجاء البلاد ليس ارهابا ، بذلك سندفع بالمحافظات الى التحرك الثوري الشامل لاسقاط منظومة 2003.وعلى السياسي ان يعلن ان كل مجموعة عقائدية تحمل سلاح  وتفرض ارئها بالقوة هي مجموعة ارهابية .

الوطنية : في ظل صخب المراحل السياسية في العراق على مدى عصور تراجع مفهوم الوطنية كوجدان عند الفرد العراقي ، فتارة تقدمت الاممية ماركسيا واسلاميا كمعيار للوعي الوطني او القومية تعويض عن الانتماء الوطني .

بينما اجمع المفكرين على ان الوطنية هي حب وانتماء حقيقي لوحدة ترابية نعيش عليها في مجتمع متجانس وندافع عن هذا الكيان بتضحية غالية وقول الحق ومحاربة كل ما يضر هذا الوطن من باطل  وفساد. 

(الوطنية لا تعني أبداً أن أحب وطني على قدر ما يعطيني أو على قدر استفادتي منه، بل حب الوطن حب أمدي لا ثمن له ولا نهاية) (د. نبيلةشهاب) .

هنا يتحمل السياسي العراقي متحزبا او غير ذلك مسوؤلية النهوض بمفهوم الوطنية وجعلها حاضرة في وجدان العراقي متقدمة على العقائد والانتماءات الحزبية والتكتلية واظهار قبح الخيانة وتعريفها وبيان مدى انحطاط مرتكبيها ، واعلاء قيمة التاريخ العراقي وتغليب مصلحة الوطن على الذات وتعرية المدعين زورا بالوطنية وهم يسرقون وينافقون .

إن المسوؤلية في رفع الوعي السياسي لدى المواطن تقع على عاتق السياسي كاتبا او متحدثا ان يساهم بقوة بطرح المفاهيم السياسية كما هي وبموضوعية  وتجرد بعيدا عن الاحاسيس الفردية والاهواء وليس معيبا ان نراجع النصوص من مصادرها لنقف على صحة ما نذهب اليه من اجل ان لا نساهم بخلق الفوضى السياسية في الشارع العراقي ، وبالتاكيد هناك كثير من مفاهيم اخرى ذات علاقة بموضوعنا يجب ان يتناولها المهتم بالشان السياسي واسعاف النشىء الحركي ليؤسسوا عملا مستندا بقوة الى مفاهيم صحيحة ، كمفهوم الحزب والحركة ومنظمة ونظام داخلي وشروطه والفرق بينه وبين المنهاج السياسي .

كاتب وسياسي عراقي مقيم في الدنمارك

زر الذهاب إلى الأعلى