آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: ماذا بعد غزة؟ مستقبل ضبابي للمنطقة

تؤشر التصريحات النارية الدعائية الفضفاضة المشوبة بعدم الثقة بالنفس ولا بوضوح الرؤية للقادم من الاحداث لرئيس الوزراء الكيان الصهيوني الواسعة حول ما سيحدث بعد الحرب، على افتراض أن دولة إسرائيل قادرة على إعلان النصر، كما انها تتمحور جميعها إلى هدف إعادة احتلال غزة. وبحسب ما ورد على لسان مسؤولين صهاينة فإن الحديث يدور حول إقامة مناطق عازلة على طول الحدود، دون تقديم أية تفاصيل.كما رفض “النتن ياهو” أي مقترحات لدور يمكن ان تقوم به قوات حفظ السلام الأجنبية على افتراض أنه يمكن جلبها.
في ذات الوقت تستمر ادارة بايدن تقديم الدعم العسكري النوعي والكمي والدبلوماسي وأرسل لإسرائيل كميات هائلة من الأسلحة ناهيك عن الحملات الدعائية الكبيرة للصهاينة، وأمر دبلوماسييه في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة شكلا والمتبوع للبيت الابيض حقيقة باستخدام حق النقض الفيتو، لمنع أي قرارات لا تتوافق مع استمرار سياسة العدوان الوحشي الهمجي للكيان الصهيوني بما في ذلك وقف إطلاق النار ضد شعبنا في غزة ، كذلك قام بتوجيه مجموعتين هجوميتين من حاملات الطائرات إلى المنطقة. وفي المقابل، ونتيجة الضغوط الداخلية والدولية والتغيير في مزاج الرأي العام الشعبي الامريكي والعالمي يريد الرئيس الأمريكي أن تعود إسرائيل بشكل ما إلى تفعيل عملية السلام. كذلك يرغب أن تدير السلطة الفلسطينية قطاع غزة في نهاية المطاف بينما توافق إسرائيل على ترتيبات لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وفق مقاسات تخدم استمرار وجود إسرائيل وتفوقها.

تكهنات عن مستقبل ضبابي للمنطقة
ان هذا الالتباس المقصود فرضه على الواقع المعقد اصلا الذي تحاول الماكنة الدعائية الداعمة للكيان الصهيوني تقديمها مزوقة الى العالم، تخفي بعض التداعيات التي يمكن ان تترك بصماتها على بقية انظمة المنطقة وهنا تعمدت استخدام الانظمة وليس الدول(( فنظام الحكم هو مؤسسة ذات حدود جغرافية واضحة وملزم بقواعد صريحة ومتفق عليها دوليًا، أمّا النظام السياسي فهو عبارة عن مؤسسات رسمية يُناط لها إدارة الدولة ورسم السياسات العامة وتطبيقها)) وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك تصورات هي الاقرب للواقع قد ححدت معامها لتغيير بنيوي عميق في السعودية حيث تطلع الكيان الصهيوني جغرافيا للتمدد نحو حدودها تحت عناوين بعضها ديني والاخر داعم للنظام السعودي الذي يبدو ان هناك خطط لزعزعته سيما في النزاعات المنوي اثارتها طائفيا (شيعة وسنة وسنة وسنة ووو) والسيناريو المتوقع تنفيذه ان يطلب النظام السعودي تدخل الحليف الامريكي في مرحلة يعاني فيها هذا الحليف الامريكي من تصدع في اوضاعه جبهاته الداخلية نتيجة الخلافات التي بدأت تزداد حدتها بين توجهات الولايات الامريكية الواضحة وتحديدا الولايات التي عقدت العزم عن الانفصال عن جسد الولايات المتحدة الامريكية الحالي (25 ولاية هي الاغنى أو اغلبها غنية جدا والتي سبق وان سلخت من المكسيك علما اني نقلت استنتاجي هذا عام 2006 الى السياسي المخضرم في الحزب الجمهوري ريتشارد مورفي نائب وزير الخارجية الامريكية في فترة توليها من هنري كيسنجراثناء مشاركتي في احد المؤتمرات حول العراق بعد احتلاله) مع ملاحظة ان حدة الانقسامات الجوهرية التي بدأت تتوضح بشكل جلي تحديدا بعد الخلافات الناتجة عن الاتهمات المتبادلة بين ترامب الجمهوري والحزب اليمقراطي؟!! عقب اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية 2020 والتي اتهم كلا هما الطرف الاخر بالتزوير ناهيك عن التداعيات بالاوضاع الامنية والسياسية والاقتصادية المنذورة بالكوارث التي تزداد تفاعلاتها ومخاطرها النظام الرأسمالي الامريكي المعتل ….بهذا المعنى وبهذه الظروف لن تتمكن الادارات الامريكية الحالية او القادمة من تقديم ما يسر النظام السعودي ويحتاجه شكلا ومضمونا لذا سيتم تكليف الكيان الصهيودي بمهام كان يجب ان تقوم به الولايات المتحدة او ماتبقى منها بعد خروج الولايات ال 25 او غالبتها في المدى المنظور..

احلام امريكية غير واعدة
وافق الرئيس الفلسطيني محمود عباس على رغبة بايدن، وهو الذي بقي متفرجاً إلى حد كبير منذ السابع من أكتوبر. وقال في مقابلة غير معتادة أجرتها معه قبل بضعة اسابيع وكالة رويترز، إنه ينبغي عقد مؤتمر للسلام بعد الحرب للتوصل إلى حل سياسي يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية،لقد كان “حل الدولتين” هو الهدف الرسمي للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين منذ أوائل التسعينيات. لكن باءت بالفشل سنوات في سبيل تحقيق ذلك من المفاوضات المارثونية، ولمدة زادت عن ربع قرن ، منذ انهيار مايسمى دعائيا بعملية السلام، ظلت هذه العبارة شعاراً فارغاً لم تستطع كل محاولات الادارات الامريكية ملؤوه بالاحلام والتمنيات والضغوط بسبب تعنت الصهاينة ،واصرارهم على ابتلاع كل فلسطين وما جاورها من اراضي لانظمة اخرى.. لكن على ما يبدو فأن بايدن الضعيف المريض المتهالك الذي ربما لن يكمل ماتبقى من مدة ادارته الباقية (وتحقيق سيناريو ادارة كامالا هاريس كأول امرأة تقود امريكا) ..واضح ان ادارة بايدن تحاول إحياء تلك الاحلام باقامة الدولتين ، مجادلاً بأن الحل السياسي وحده هو الذي سينهي الصراع.
سبق لبايدن ان أرسل نائبته، كامالا هاريس، لحضور مؤتمر «كوب 28» بدبي الفترة الماضية لإلقاء خطاب يحدد الخطوط الحمراء الأمريكية لغزة في اليوم التالي، وقد وضعت خمسة مبادئ: “لا للتهجير القسري، لا لإعادة الاحتلال، لا للحصار أو المحاصرة، لا لتقليص مساحة الأرض، لا لاستخدام غزة كمنصة للإرهاب”.

هل ستكون التوقعات صادمة؟
هناك توقعات بأن مايحدث في غزة سيؤدي تزايد الدعم الشعبي لحماس في الضفة الغربية إلى اندلاع انتفاضة جديدة
سيما بعد تزمت واصرار بنيامين نتنياهو بجد الاستمرار وعمله لإحباط كل مشاريع الاستقلال الفلسطيني. ومن الآمن أن نقول إنه ليس على وشك تغيير رأيه، وإذا كان من الممكن إحياء حل الدولتين، فلن يحدث ذلك أثناء توليه منصب رئيس الوزراء.والآن أثناء قتال الصهاينة لحماس وتعهدها بسحق الحركة إلى الأبد، يرى القوميون اليهود أن الوقت الحالي هو أكبر فرصة سنحت لهم منذ عام 1967، عندما هزمت إسرائيل كل جيرانها العرب في حرب دامت ستة أيام.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، منع المستوطنون المسلحون في الضفة الغربية، والمدعومون بالجنود والشرطة، المزارعين الفلسطينيين من قطف زيتونهم أو فلاحة حقولهم.لقد قام المستوطنون بتعبيد طرق غير قانونية، وسعوا إلى ترسيخ أنفسهم بشكل أعمق من خلال تعزيز البؤر الاستيطانية غير القانونية بموجب القانون الإسرائيلي والقانون الدولي. وتنتشر في كل مكان ملصقات تطالب بعودة المستوطنين اليهود إلى غزة.كما قام المستوطنون بقتل الفلسطينيين العزل واقتحام منازلهم، في محاولات الاستيطان في الضفة الغربية لؤد حلم الدولة الفلسطينية.
وينص القانون الدولي على أنه لا ينبغي لقوة الاحتلال توطين مواطنيها في الأراضي التي استولت عليها. بينما تقول إسرائيل إن القانون لا ينطبق في هذه الحالة. ويقول سيمحا روتمان العضو في الكنيست الإسرائيلي “الاحتلال ليس هو الكلمة المناسبة، لا يمكنك احتلال أرضك.. إسرائيل ليست محتلة في إسرائيل لأنها أرض إسرائيل”.
بين هذه التوقعات وغيرها هناك تطلعات اخرى لابد ان تؤخذ بعين الاعتبار مثلا …إذا ما أجريت انتخابات فلسطينية بعد انتهاء العدوان على غزة وما يترتب على مخرجاتها ، فمن المرجح أن يترشح مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية للرئاسة.حيث تجتهد اطراف فلسطينية ومنها جماعات مثل المبادرة الوطنية أن تصبح القوة الثالثة في السياسة الفلسطينية، بديلاً للمتطرفين الإسلاميين في حماس، وبديلاً عن فتح، الفصيل الذي يتزعمه الرئيس محمود عباس، والذي تعتبره الحركة فاسداً وغير كفؤ. لذلك يبدو المستقبل فوضوياً وخطيراً، فما يحدث في غزة وما سيترتب عليه لن تأتي بشكل جيد بما خطط له وستأتي الرياح بما لايخدم مسار ربانوا السفن.

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى