هنا اوروبا

مئات المهاجرين يعودون إلى شوارع باريس بانتظار تسوية أوضاعهم

عادت مناطق شمال العاصمة الفرنسية لتشهد على أزمة إنسانية متمثلة بمئات المهاجرين الذين يفترشون العراء بانتظار أن تتم تسوية أوضاعهم. وتأتي هذه الأزمة بعد أن قامت السلطات الفرنسية بإغلاق المخيمات الرئيسية التي كانت تستقبل العدد الأكبر من هؤلاء المهاجرين.

 

بوابة أوبرفيلله شمال باريس، إحدى مداخل العاصمة الفرنسية الأكثر حيوية، زحمة السير والمواصلات العامة تكاد لا تهدأ هناك. الساعة السابعة صباحا، يبدأ  المهاجرون، ومعظمهم أفارقة، بالاستيقاظ على وقع ضجيج السيارات وأبواقها. أجساد تمشي ببطء بصورة تتضح عليها معالم التعب والحيرة.

أثناء التجوال في المنطقة، يمكنك أن ترى العشرات ممن مازالوا نائمين إما على الأرصفة أو في الجزر الخضراء التي تتوسط الطريق السريع الرئيسي هناك. ثلاثة مهاجرين يقتربون منا،  اثنان من السودان  وواحد من إثيوبيا، ويبدؤون بالحديث معنا مباشرة ودون مقدمات.

 

         مهاجرون يفترشون العراء عند بوابة أوبرفيلله شمال باريس. مهاجر نيوز

 

 

علي، مهاجر سوداني في العقد الثاني من عمره، تبدو عليه علامات التعب والإرهاق من النوم في الشارع، يقول لمهاجر نيوز "عدت إلى الشارع منذ شهرين، قبل ذلك كنت في أحد مراكز الاستقبال في نانت. لكني لم أستطع البقاء هناك لأنهم طلبوا مني وثائق إضافية لم أستطع الحصول عليها. ومن حينها وأنا أتنقل في الشوارع ولا أعلم ما يجب علي فعله".

قصة علي ليست وحيدة، حالة الإرباك التي تسود اللاجئين والمهاجرين سببها الرئيسي أنهم لا يعرفون بالضبط ما يجب عليهم فعله للاستحصال على وضعية اللجوء في فرنسا. عدة أشخاص من المهاجرين هناك من جنسيات مختلفة جميعها أفريقية سردوا تقريبا نفس التفاصيل.

على المقلب الآخر من الشارع حديقة صغيرة فيها العشرات من المهاجرين الذين يفترشون الأرض. ثلاثة منهم بادرونا بالكلام، جميعهم من إريتريا ولم يمض على وجودهم في فرنسا سوى ثلاثة أيام.

تسفاي، أحد هؤلاء المهاجرين، قال "وصلت قبل بضعة أيام، كنت في ألمانيا قبل ذلك. رفض طلب لجوئي هناك مرتين. فكرت أن فرصتي الوحيدة للحصول على وضعية الحماية هي بالقدوم إلى فرنسا وأحاول أن أقدم طلبا هنا".

أوكرام، مهاجر إريتري آخر، يقول "بعد رحلة تجوال ولجوء لمدة ثلاث سنوات، تنقلت خلالها بين إيطاليا وألمانيا وسويسرا، وجدت نفسي هنا". يبدو على أوكرام التعب والإحباط، "أريد أن أبقى في فرنسا وأن أنشئ عائلة وأحيا بسعادة، تعبت من التجوال الدائم".

لا يبدو على أي من المهاجرين الذين التقينا بهم أنهم يقدرون أن طلبات لجوئهم قد ترفض في فرنسا وأنه بموجب اتفاقية دبلن ستتم إعادتهم إلى إيطاليا، البلد الأول الذي دخلوا منه إلى الاتحاد الأوروبي.

الحمام والاغتسال

عند سؤالهم عن كيفية قضاء حاجتهم خلال النهار، يشير علي بيده إلى أحد الحمامات العمومية بالقرب من مدخل المترو، "نقضي حاجتنا هناك حتى ولو كان الحمام معطلا أغلب الأوقات. أما الاغتسال فيتم عند صنبور عمومي يستخدمه عمال بلدية باريس لري مزروعات الحدائق الصغيرة المنتشرة في المنطقة".

 

            لا يوجد هناك سوى نقطة مياه واحدة لتلبية حاجة المهاجرين هناك. مهاجر نيوز

 

 

طبعا الحمام غير كاف لقضاء حاجة المئات من المهاجرين الذين عادوا ليستوطنوا تلك المنطقة بانتظار أن تتم تسوية أوضاعهم. الجمعيات والمنظمات الإنسانية في المنطقة كانت قد حددت نقطتي خدمة للمهاجرين غير بعيدتين عن بوابة لا شابيل الشهيرة والتي باتت معروفة من قبل جميع المهاجرين في فرنسا.

حصلت على وضعية اللجوء ولكن…

محي الدين، مهاجر سوداني في باريس حصل على وضعية اللجوء قبل بضعة أشهر. محي الدين غادر بلاده إلى أوروبا بسبب نشاطه السياسي المعارض لنظام الخرطوم. يشرح محي الدين وضعه لمهاجر نيوز "بعد أن حصلت على وضعية اللجوء، تم إرسالي إلى مدينة شالون سور ساون (شرق فرنسا)، لم أستطع التكيف هناك، لم أتمكن من إيجاد عمل يخولني أن أتحكم بمجرى حياتي لاحقا… عدت إلى باريس لاحقا على أمل أن أجد عملا وأتمكن من تقديم طلب لم شمل لعائلتي من السودان".

 

وجد محي الدين عملا كحارس، وهو ينتظر الآن موعد توقيع العقد مع الشركة. "حصلت على اللجوء  ولكن مازالت في الشارع … أصعب ما أواجه هو الحصول على حمام لائق والتمكن من غسل ثيابي المتسخة، وكما ترون تحقيق ذلك هنا شبه مستحيل".

متطوعون لمساعدة المهاجرين

غير بعيد عن بوابة أوبرفيلله تقع منطقة لا شابيل المشهورة. يتوجه المهاجرون صباح كل يوم إلى تلك المنطقة، تحديدا إلى عنوان 56 شارع ناي، حيث يقع مقر جمعية "ويلسون"، وهي عبارة عن مبادرة أطلقها مجموعة من سكان باريس للمساهمة في حل أزمة المهاجرين.

الساعة العاشرة بالضبط، حوالي عشرين متطوعة ومتطوع يخرجون سلال الشطائر التي انهمكوا بإعدادها منذ الصباح الباكر، إضافة إلى الشاي الساخن والفاكهة. هناك أيضا زاوية مخصصة لشحن الهواتف الخلوية، التي باتت من الوسائل الضرورية للمهاجرين ليتمكنوا من متابعة أوضاعهم والتواصل مع أهاليهم. على باب المقر لوحة علقت عليها مجموعة من الإرشادات المتعلقة بكيفية تقديم طلب اللجوء وعناوين نقاط الاغتسال وغيرها من المعلومات المهمة للمهاجرين.

 

               حوالي عشرين متطوعة ومتطوع يخرجون سلال الشطائر والفاكهة التي انهمكوا بإعدادها منذ الصباح الباكر. مهاجر نيوز

 

 

يصطف المهاجرون واللاجئون أمام المقر ويبدأ التوزيع. محمد، لاجئ سوداني في الـ26 من عمره، بادر إلى الحديث معنا. تكاد البسمة لا تفارق وجهه، "بالنكتة والضحكة أواجه المأساة التي أحياها. أنا في فرنسا منذ ستة أشهر، في الشارع، أريد الذهاب إلى عمي في ألمانيا، هو حصل على وضعية اللجوء هناك والآن أنتظر حتى يرسل لي لألتحق به". يحدثنا محمد عن يوميات مبيته في العراء "معظم الأيام تأتي الشرطة قبل السابعة صباحا، يأمرونا بإخلاء المناطق التي ننام فيها، أحيانا يرشون غاز الفلفل".

محمد ليس الوحيد الذي تحدث عن عنف الشرطة. علي، المهاجر السوداني، قال لمهاجر نيوز "إلى جانب الشرطة، نعاني من تهجم بعض العصابات في المنطقة علينا. يهاجمونا أحيانا في الليل، يأخذون هواتفنا أو مقتنيات أخرى قد يرونها ثمينة. لا نستطيع الذهاب للشرطة للإبلاغ عنهم لأننا بلا أوراق".

أزمة المهاجرين في باريس… عود على بدء

الوضع أمام المركز لا يختلف عن الأماكن الأخرى، الكثير من المهاجرين سألوا عن الجهة التي يجب أن يتوجهوا إليها ليقدموا طلبات اللجوء. معظم من بادر للحديث معنا لم يلتق بأي من الجمعيات ولا يعرف ما هي تفاصيل عملية اللجوء.

مع مرور الدقائق يتجمع المزيد والمزيد من المهاجرين أمام المركز ليحصلوا على طعام الفطور. رويدا رويدا تكشف الأعداد استمرار أزمة الهجرة واللجوء في عاصمة الأنوار، إلا أنها في المرحلة الحالية تهدد باندلاع أزمة إنسانية حادة، خاصة مع تفكيك المخيمات العشوائية الأساسية التي كانت تأوي المهاجرين، ومعها تم تفكيك كافة نقاط الخدمات (الماء والحمامات) التي قامت بلدية باريس بتركيبها سابقا، ما يترك المئات عرضة للأمراض والأوبئة الناتجة عن قلة النظافة.

 

 

 

 

 

 

 

 

infomigrants

زر الذهاب إلى الأعلى