كاتدرائية «نوتردام» ستعود كما كانت… وعمّال عرب يشاركون في ترميمها
من الممتع المرور قرب كاتدرائية نوتردام، على ضفة نهر السين في باريس، ومشاهدة الحركة تدبّ في ورشة ترميمها بعد الحريق الذي أصابها في الربيع الماضي. لكن الأجمل منه هو ملاحظة العمال المسلمين المشاركين في ورشة بناء كنيسة. ومن هؤلاء فهد عنداني سائق الرافعة الذي يتولى رفع الأنقاض مع زميله كريستوف.
من بين 300 سائق رافعة وقع الاختيار على هذين العاملين وفق شروط تقضي بأن يكونا من ذوي الخبرة، يتراوح عمرهما بين 30 و40 سنة، وفي أتم صحة للتحرك من فوق منصة يبلغ ارتفاعها 75 متراً. إن مهمتهما تقضي بإزاحة جميع الأنقاض المتبقية على صحن الكاتدرائية التي شيدت في القرن الثالث عشر، وذلك قبل معالجة تفكيك السقالات التي صمدت ضد الحريق الرهيب.
من المتوقع أن تستغرق أعمال الترميم 5 سنوات. وقد أثارت كثيرا من الجدل والخلافات بين المعماريين والفنانين والمؤرخين وموظفي البلدية ومستشاري الرئاسة ثم توقف كل شيء بسبب «كورونا». وإذا كان الهيكل الرئيسي للكاتدرائية قد نجا من الانهيار بفعل النيران، وكذلك واجهتها وبوابتها الأمامية، فإن برجاً يتوسطها قد تحطم تماماً، وهو البرج الذي يسمى «السهم». وهو هيكل نحيل بارتفاع 96 متراً، أضيف إلى البناء الرئيسي في منتصف القرن التاسع عشر ليأخذ مكان برج من العصور الوسطى كان قد أزيل في 1786.
لإعادة بناء السهم، تقدم معماريون بعدة تصورات تنسجم مع ما كان الرئيس الفرنسي الشاب يفكر فيه. وكانت فكرته انتهاز فرصة التجديد لإضافة لمسة حداثية للمبنى وبناء عمل هندسي معماري مبتكر بدلاً من السهم القديم. ومن المشروعات المقترحة التي تقدمت بها شركات معمارية ونشرت الصحف صوراً مفترضة لها، واحد يقضي بإطلاق سهم من نور ينبعث من وسط الكاتدرائية. وهو مقترح يشبه ما أنجزه الأميركيون في موضع برجي التجارة المنهارين في نيويورك.
لكن يبدو أن إيمانويل ماكرون تراجع عن تلك الرغبة. فقد ذكر مصدر في الرئاسة، قبل يومين، أن الرئيس تشاور مع اللجنة الوطنية الفرنسية للهندسة المعمارية والتراث، واستمع إلى رأي خبير، واختار إعادة السهم كما كان عليه. أما الوزيرة روزلين باشلو التي تسلمت حقيبة الثقافة في الحكومة الجديدة، فقد أكدت، الخميس الماضي، أن هناك إجماعاً على وجوب إعادة بناء سهم كاتدرائية نوتردام في باريس على ما كان عليه بالتمام قبل الحريق. وأضافت باشلو أن القرار النهائي يعود للرئيس ماكرون.
وعودة إلى سائق الرافعة فهد وزميله كريستوف، اللذين وصفتهما الصحافة بأنهما «الملاكان الحارسان» للكاتدرائية، فقد قالا بكل ثقة إن مهمتهما لا تسمح لهما بارتكاب أدنى هفوة. ويبلغ فهد من العمر 31 عاماً وكان قد بدأ قيادة الرافعات منذ كان في سن 19 عاماً ويوصف بالرجل البشوش الذي لا يعرف الدوار ويكون في أحسن حالاته وهو معلق في الارتفاعات الشاهقة وفي مهب الرياح. ولا يخفي فهد حماسته لعمله الحالي ويقول إنها «ورشة تاريخية» وإن جانبا كبيراً منها يقع على عاتقه وعاتق زميله.
aawsat