آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: مهزلة العيد الوطني

مفهوم الأعياد الوطنية مفهوم حديث نشأ مع تفكك الإمبراطوريات وقيام الدول الحديثة والتخلص من الاستعمار واستقلالية الشعوب. ولهذا كل الشعوب تحتفل بيوم يعبر عن قدرة هذه الشعوب على بناء دولة حديثة.
العراق إحدى هذه الدول، ويعبر يومها الوطني عن قدرة شعب عظيم أمضى عقودا من الزمن في نضالات تثبت هويتة الواحدة وبناء دولة حديثة ونظام مركزي تحوّل الإنسان في وادي الرافدين إلى إنسان معاصر يمتلك كل المقومات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لكي يعيش حياة رغيدة.
الوطنية الحقيقية أكبر من المواقف المتقلبة، فهي ليست شعارات رنانة أو إعلانات جوفاء، بل هي شعور حقيقي بالانتماء للأرض والمجتمع، والوطن الذي نعيش فيه، ونضحي من أجله، ونبذل الغالي والنفيس لحمايته والدفاع عنه، وهي ثبات على المواقف والعهود وقول الحق ومحاربة الباطل والفساد، والحرص على تراب هذا الوطن من اعدائه الحاقدين…الوطنية أكثر عمقاً من صفة المواطنة أو أنها أعلى درجات المواطنة… الفرد يكتسب صفة المواطنة بمجرد انتسابه إلى جماعة أو دولة معينة، ولكنه لا يكتسب صفة الوطنية إلا بالعمل والفعل لصالح هذه الجماعة أو الدولة لتصبح المصلحة العامة لديه أهم من مصلحته الخاصة.
الوطنية تشمل كل نواحي الحياة وعلى رأسها الاستقلال الاقتصادي بمعنى أن نستقل من نظام قديم لم يعد يناسب تطورات الحياة ، بتحديثه عبر كثير من الإصلاحات وإنتاجية ومساهمة عالية في الاقتصاد فيصبح الفرد أكثر إنتاجية لتحقيق اهدافه التنموية ،مع بيئة سليمة من العدالة والنزاهة والشفافية في العقود والمناقصات وبناء كيان اقتصادي حديث في اطار حالة من الاستقرار والنمو ولهذا فإن الاحتفال الحقيقي باليوم الوطني يجب أن يشمل بناءنا الاقتصادي كذلك وهويتنا الاقتصادية الجديدة لدولة غير نفطية، نتمنى أن نراها بعد عقدين من الزمن، ومواطناً لا يعتمد على النفط لبناء مستقبله.
الثالث من تشرين الاول يوم اُقترحه ذيول الاحتلال سنة 2008 لاتخاذه عيداً لهم، تذكيرا بالفلم الهندي بإعلان استقلال العراق عن الانتداب البريطاني وانضمامه إلى عصبة الأمم المتحدة؟؟!! واغلب العراقيون الشرفاء يعلمون علم اليقين ان البريطانيين كانوا يتحكمون بالعراق وموارده وخيراته وسياسته واقتصاده بالكامل ،الى 14 تموز 1958 وما بعدها حيث حدثت بعض التغيرات التي اخذت مسارات فيها تجسيد للسيادة الوطنية،ومنها استرجاع ثروات العراق وتسخيرها لمصلحته.
جاءت بهرجة الثالث من تشرين الاول في العراق الاسبوع الماضي كما تعودنا منذ احتلال بلدنا بنكبة اخرى،والسادة المتحكمين بالعملية السياسية ،يرمون بيضتهم فأن أثمرت ايجابا تبنوها بأعتبارها ثمرة من عطاياهم على البلد، وان فسدت فيتبرؤن منها كما برئ الذئب من دم يوسف ويهاجمونها بغباء،معتقدين ان العراقيين مازال فيهم من يمكن ان تنطلي عليهم هذه المسرحيات الساذجة وكأنهم لايعرفون من خطط ونفذ هذه الفعاليات في مكان (ساحة الاحتفالات ) الذي ترسخت صورته الوطنية الجميلة في الاحتفالات الوطنية الحقيقية ،عندما كان العراق بلدا حرا مستقلا يمتلك شعبا وجيشا يحسب لهم الف حساب.
تنبع أهميّة اليوم الوطني في البلدان المستقلة وليست المحتلة بتذكيرِ الأجيال الجديدة بكافة الإنجازات التي قام بها مَن سبقوهم، والحرص على غرس القيم الحضارية في نفوس الأجيال الشابة؛ للسير قدماً على الخطى نفسها، وتقديم أفضل صورة عن بلدهم في كافّة المحافل الدوليّة، ونشر الوعي حول ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية والسؤال المهم هنا هل تنطبق كل هذه المعاني والدلالات الوطنية الحقيقية على ماحدث في الثالث من تشرين الاول الماضي؟ مع ملاحظة ان المحتل الامريكي رغم همجيته وتسخير كل مقدراته وعمالة ذيوله لتدمير العراق وسحق هويته رفض المساس بساحة الاحتفالات بعدما حاول الهالكي تشويه معالمها ؟ّ لاادري كيف يرتضي شعبنا ان يدنس تاريخة (حضارات لعشرات الالاف من السنين) ويفرض عليه ان يحتفل بيوم استعباده واحتلاله في الثالث من تشرين الاول؟!!!

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى