هنا اوروبا

مدينة كوتبوس الألمانية… ساحة مواجهة بين اللاجئين واليمين المتطرف

يقول الشاب عمر البالغ من العمر 29 عاماً، والذي فر من سوريا إلى ألمانيا منذ حوالي ثلاث سنوات: "ليس كل من يصل إلى هنا، هو شخص جيد، ولكن الشيء نفسه ينطبق على السكان المحليين". تقع مدينة كوتبوس الألمانية في ولاية براندنبورغ، ويبلغ عدد سكنها 100 ألف نسمة. ولجأ إلى المدينة كباقي المدن الألمانية العديد من اللاجئين. غير أن الأمن المنشود لم يتحقق، حيث طغت مراراً وتكراراً أخبار الاشتباكات وعمليات الطعن بالسكاكين بين اللاجئين والسكان المحليين عناوين الصحف.

وتصاعد التوتر بسبب  قضيتين متعلقتين بالقتل ومحاولة القتل والمتهمون هم لاجئون سوريون. فيما يحاول المتطرفون اليمينيون استغلال هذه الحوادث  لصالحهم، إذ قامت مؤخراً مجموعة  من الأشخاص بتوزيع  زجاجات الغاز المسيل للدموع و منشورات للحزب القومي اليميني المتطرف (NPD) في وسط المدينة، إلى أن تم إيقافهم من قبل الشرطة.

مدينة كوتبوس مقبلة الآن على نهاية عطلة نهاية أسبوع متوترة. في صباح يوم السبت، يريد اللاجئون السوريون الذهاب إلى الشوارع مع مواطنين آخرين من مدينة كوتبوس في مسيرة من أجل التعايش السلمي. أحد المشرفين على المبادرة، هو لاجئ سوري، ويدعى محمد شار وقال في حوار له مع صحيفة "لاوزيتستا روندشاو": "نحن ضد أي شجار وهجوم بالسكالكين".

بعد ساعات قليلة فقط، دعت الجمعية الشعبوية اليمينية "مستقبل البلد" أو كما تسمى بالألمانية " Zukunft Heimat"، والتي يقال بأنها على صلة وثيقة بفرع حزب البديل من أجل ألمانيا AfD في ولاية براندنبورغ، إلى مظاهرة يوم غد السبت. ففي مظاهرة قبل أسبوع، شارك 1500 شخص. ولهذا فإن السلطات الأمنية تتوقع هذه المرة مشاركة كبيرة، ولكن يفترض أن تكون المظاهرة سلمية. كما يقول توماس بيرغنر، من دائرة النظام العام "يتم التنسيق من قبل الشرطة، بحيث لا يكون هناك تصادم، ويكون لكل طرف مساحته الخاصة، لتبليغ رسالته".

Deutschland Demonstration in Cottbus (picture-alliance/dpa/M. Helbig)

تتوقع جمعية "Zukunft Heimat"مشاركة كبيرة في المظاهرة المعلن عنها نهاية عطلة الأسبوع

الاعتكاف داخل الحرم الجامعي

بالرغم من ذلك تخشى  منظمة"Opferperspektive"، والتي تدعم ضحايا العنف اليميني والعنصري في براندنبورغ، من أن يكون هناك أعمال عنف ضد المشاركين. ويقول مارتن فيسيلي، موظف بالجمعية في كوتبوس في حديثه لـ DW"التجمع الفعلي يشغل تفكيري بشكل أقل، إذ أن المشكلة  تمكن أكثر في الوصول إلى مكان التجمع ومغادرته".

لوقت طويل، رسمت  الجمعية صورة قاتمة لمدينة كوتبوس، وتحدثت عن "عنف عنصري خارج عن السيطرة". ويوضح فيسيلي  قائلاً "منذ منتصف عام 2016، شهدنا ارتفاع هائل  للعنف في المدينة". وأبلغ الضحايا عن تعرضهم لهجمات أثناء قيامهم بالتسوق، وفي أماكن توقف القطار، وفي طريقهم إلى محطة القطار. كما ازدادت العنصرية اليومية بشكل كبير. ويقول فيسيلي: " الأمر اتخذ الآن بعداً آخر، حيث أخبرنا الطلاب الأجانب عن رغبتهم بالخروج من المدينة في أقرب وقت ممكن"، حيث أصبح الوضع لا يطاق بالنسبة لهم. وأضاف: "يلجأ معظم  الطلاب في الغالب إلى البقاء داخل الحرم الجامعي وتجنب التجول بشكل نهائي في المدينة". وقد لا يكون الجناة في كثير من الأحيان من النازيين الجدد المنظمين، بل هم أشخاص من ذوي المواقف العنصرية. ويقول رئيس دائرة النظام العام، بيرغنر: "لا يمكن القول إن هناك تمركز لليمين المتطرف في براندنبورغ.. كما لا يمكن القول إن هناك يمينيون يركضون لمطاردة الأجانب في أزقة المدينة، لدينا مجتمع مدني نشط يدافع عن نفسه. أما الصورة التي تنشر عن مدينة كوتبوس عبر وسائل الإعلام، هي صورة مبالغ فيها بشكل كبير".

Deutschland Cottbus Polizisten (DW/K. Brady)

دورية شرطة في مدينة كوتبوس الألمانية

 

عانت مدينة كوتبوس منذ فترة طويلة من المشاكل بسبب التطرف اليميني، إذ تعتبر معقل النازيين الجدد في ولاية براندنبورغ. في تسعينات القرن الماضي، قام النازيون الجدد بمحاصرة مركز لإيواء طالبي اللجوء لعدة أيام. وفى الانتخابات العامة الأخيرة، وبفضل النتائج التي حققها (24 بالمائة)، أصبح الحزب اليميني الشعبوي البديل من أجل ألمانيا AfD ، الحزب الأقوى. ويقول مارتن فيسيلي: "التيار اليميني المتطرف يظهر بشكل واضح في مدينة كوتبوس، حيث يوجد أتباعه في مجالات كرة القدم والفنون القتالية".

في الوقت ذاته، تقوم المدينة المثقلة بالديون بجهود أكثر من غيرها من المدن لإدماج اللاجئين، حيث عرضت، على سبيل المثال، السكن الرخيص في المباني الجاهزة. كما  ارتفعت نسبة الأجانب ضمن سكان كوتبوس بشكل كبير أيضاً، فمن بين حوالي 8500 شخص غير حامل للجنسية الألمانية، هناك  حوالي 4300 لاجئ وما يقرب من 1600 طالب أجنبي بجامعة براندنبورغ التقنية كوتبوس BTU.

وأعلنت المدينة  حالياً عن المزيد من الأخصائيين الاجتماعيين والمزيد من الأموال وتكثيف تواجد الشرطة، كما فرضت المدينة إيقاف استقبال اللاجئين، وهو الإجراء الذي انقسمت بشأنه الآراء، في حين وصفها رئيس دائرة النظام العام بيرغنر بـ"الخطوة الجيدة" والتي تمنح المدينة " فترة استراحة"، يرى فيسيلي نتائج عكسية للقرار، إذ يقول "هذا لا يعتبر حلاً للمشكلة، بل هو على العكس من ذلك، إذ أن له تأثير يعزز الحركة اليمينية المتنامية في مدينة كوتبوس، إن هذه الخطوة كأنها تضفي الشرعية على الاحتجاجات والاعتداءات اليمينية".

 

 

dw

زر الذهاب إلى الأعلى