مخاوف إسبانية وإيطالية من موجة انتشار جديدة بعد تخفيف القيود
بينما تجهد الدول لوضع خطط إنهاض الاقتصاد من حال الإغماء التي دخل فيها مع أزمة «كوفيد- 19»، ويتيه الجميع من مواطنين وسياسيين وعلماء في غابة الأرقام التي تحجب أكثر مما تكشف من مشهد هذه الجائحة، تتجه الأنظار الأوروبية إلى المختبرين الإيطالي والإسباني اللذين يسجلان ثلث الوفيات في أوروبا، وحيث تبدأ التجربتان الأوليان لاستئناف النشاط الاقتصادي تدريجياً، والعودة إلى ما يشبه الحياة الطبيعية بعد أسابيع من العزل التام.
في إسبانيا، بدأت التجربة مطلع هذا الأسبوع؛ حيث استؤنف النشاط في قطاع البناء وعدد من القطاعات الأساسية، مثل صناعة السيارات، ضمن تدابير وقائية صارمة وتحديد عدد العمال، مع فرض مسافات للتباعد ومواعيد مختصرة. لكن ما زال من المبكر استخلاص أي نتائج من هذه التجربة التي حذر كثيرون من عواقبها المحتملة، ووصفها البعض بالمتسرعة والمتهورة، والتي أقدمت عليها الحكومة تحت ضغط الكارثة الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت تظهر ملامحها في الأفق.
ومن الأرقام الجديدة التي أضيفت إلى الجدول اليومي للبيانات، ما كشفته أمس وزارة الصحة الإسبانية من نتائج المسح الذي أجرته مؤخراً؛ حيث تبين أن هناك حوالي نصف مليون شخص يحملون أعراض «كوفيد- 19» ولم يخضعوا بعد لاختبار الإصابة، وأن 70 في المائة منهم يعيشون في مدريد وبرشلونة.
وكانت وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية قد أعلنت أن العودة إلى الحياة الطبيعية ستتم على مرحلتين: الأولى تشمل القطاعات الإنتاجية والعمل، وتمتد حتى نهاية الصيف، والثانية حتى أواخر العام وتشمل قطاع السياحة والترفيه؛ لكنها قالت إن الحكومة ما زالت تدرس تفاصيل المرحلتين والتدابير المرافقة، وإن الخطوات المقبلة ومواقيتها مرهونة بنتائج الخطوة الأخيرة التي بدأت مطلع هذا الأسبوع.
من جهته، صرح رئيس بلدية مدريد بأن العاصمة لن تشهد أي حدث جماعي غفير، مثل مباريات رياضية أو حفلات موسيقية أو معارض قبل نهاية الخريف، خوفاً من احتمال ظهور موجة ثانية للوباء.
في إيطاليا، تستعد الحكومة بحذر شديد وتردد لموعد الرابع من الشهر المقبل الذي رجحته ليكون بداية المرحلة الثانية، التي ما زالت تثير جدلاً واسعاً وتجاذباً قوياً في الأوساط السياسية والاجتماعية. وكان المصرف المركزي الإيطالي قد كشف أمس عن دراسة تقدر التكلفة اليومية للعزل التام بعشرة مليارات دولار على الاقتصاد الوطني.
وتضغط القطاعات الاقتصادية – وبخاصة الصناعية في الشمال – بقوة لاستئناف النشاط بأسرع وقت، رغم أن الأقاليم الشمالية هي التي دفعت – وما زالت – الفدية الأكبر لجائحة «كوفيد- 19»، وحيث تسجل مدينة ميلانو أعلى نسبة وفيات في أوروبا.
وكانت جهات عدة قد انتقدت مسلك المسؤولين في إقليم لومبارديا الذين أصروا على مواصلة النشاط الاقتصادي، بعد أن كان الوباء قد انتشر بكثافة في نواحي الإقليم، وسقط عدد كبير من الضحايا. وقال أحد الكتاب إن «ديانة العمل كلفت أهل ميلانو الحياة»، واستعاد مقولة باسوليني بأن التنمية من غير تطور تؤدي إلى التضحية بالمشاعر الإنسانية على مذبح الربح المادي.
الأصوات المحذرة من التسرع في العودة إلى تخفيف إجراءات العزل وإعادة الحركة إلى عجلة الاقتصاد، تستحضر الشواهد التي تدل على المخاطر الصحية والاقتصادية، وتذكِّر بأن الانضباط والتقيد بالقواعد واحترام القانون ليست من مواطن القوة في الشخصية الإيطالية؛ لكن التحذير الذي كان له الوقع الأشد جاء أمس على لسان والتر ريتشاردي، مستشار وزير الصحة، وعضو المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، الذي قال إن «الموجة الثانية من الوباء آتية لا محالة، والحكمة تقضي بالتمهل في استئناف النشاط الاقتصادي. علينا أن نتعود على التعايش مع الفيروس لفترة طويلة، كي نتحاشى عودته بمزيد من الشراسة بعد الصيف، أو خلال فصل الصيف إذا تسرعنا وأخطأنا في قراراتنا».
وقال ريتشاردي الذي يرأس أيضاً المعهد الإيطالي العالي للصحة: «هناك عوامل مناخية ومسلكية ومناعية تساعد على ظهور الفيروسات في الخريف والشتاء، وعلينا أن نحذر من فتح الأبواب للفيروس كي يعود في هذه الفترة». وأضاف أن القرارات التي يتخذها السياسيون في هذه الأزمة لها تداعيات فورية وطويلة الأمد على المواطنين، مشيراً إلى أن «الأعداد المرتفعة من الإصابات والوفيات في بعض الدول، مثل بريطانيا والولايات المتحدة، سببها القرارات الخاطئة والمتأخرة التي لم تأخذ في البداية برأي العلماء». واستشهد بما قامت به كوريا الجنوبية وفنلندا وألمانيا؛ حيث الكلمة الفصل في اتخاذ القرارات كانت دائماً للخبراء والعلماء، مشدداً على أهمية أسلحة التشخيص والتكنولوجيا في هذه المعركة.
aawsat