ثقافة

الشاعرة ورود الموسوي : هناك شاعرات لا يتورعنَ من فتح كاميرات (في نصوصهنّ) لكل عابرٍ متصفّحٍ لكتاب

حاورتها : د. أسيل العامري

 

امرأة عراقية ولدت قرب الجنائن المعلقة ومشت حيث مشى كلكامش مصحوبا بخله وصاحبه انكيدو … تركت العراق وعمرها لم يتجاوز تسع سنوات لتبدأ رحلة المهجر في إيران، وتكمل دراستها في مدارس الحوزة الدينية.  كتبت الشعر منذ الطفولة وتعزو هذا الولع باللغة العربية والشعر العربي إلى الجو العائلي المحب للثقافة والآداب، نظمت أول قصيدة  تحت عنوان "أوطان" ولم تكن حينها تتجاوز العشر سنوات… انها الشاعرة ورود الموسوي.

– بين الشعر والنقد ثمة مسافة من التوجس والاتهام كيف يعتملان داخل ورود الموسوي الشاعرة وكيف يعتملان داخلها كناقدة؟

اللحظة الشعرية هي انفلاتٌ من عقال كل شيء .. حين تلبسكِ روح الشعر سيكون هو المتحكّم بكِ فإنّ روحاً من عالمٍ لا يمتُّ لعالم الحسّيّات بصلة يتمدد داخل أوردتكِ ويشير لبوصلةٍ هناك في أقصى الدماغ فترتفع الافيونات الخمسة الإبداعية في الدماغ والمحفّزة على الخيال ليتحول كل شيء الى كائن خفيف الروح ثقيل المعنى يحاول أن يتخفف من ثقل ما في رأسه ويحلّق أعلى فتشعرين بأن الذي يكتب هو عقلٌ واعٍ بما يكتب تماما لكنه في منطقة أقرب منها للبرزخ بين الحقيقة والخيال بين الصحو والمحو .. (تماماً كهذي اللحظة التي أجيب بها) فيولد الشعر روحاً هائمةً واعيةً بلا وعيٍ متعمّد.. بمعنى أنّ الذائقة التي تشذّبت منذ الصغر .. والحرفية التي يبلغها الشاعر بتراكم الخبرة .. يجعلاه محلقاً هناك في برزخه لكنه ممسكٌ بكل أطراف الوعي بلا وعي متعمَّدٍ منه .. تاركاً للشعر روحه التي شذبتها القراءات وشذبتها الخبرة والتجارب لتولد قصيدة ملآى بالجمال مكتملة وغير مترهلة ..

لم يحدث أبداً أن تداخلت لحظتان معاً .. فروح الشعر دائماً أقوى وأعظم من روح النقد .. لكن النقد (بدمي كما الشعر) لذاك حين تغلبه روح الشعر أفعل الآتي :

اطفيءُ عقلي تماماً وأحلّقُ عالياً مع اللحظة الشعرية كما تشاء وكما تريد .. ولم يحدث أبداً أن كتبتُ نصّاً على مراحل .. كل القصائد والنصوص تولد دفعةً واحدة .. مهما طالت أو قصرت .. وبعد أن أنتهي من النص أغلقه .. بلا مراجعة ولا قراءة . أحياناً أشعر بأن هذي الروح / روح الشعر لم تكتفِ بفكرة واحدة وبنَصّ واحد .. فيولد نصّ آخر مختلفٌ تماماً عن أخيه التوأم .. لا يتشابهان مطلقاً حتى بالأجواء .. وبعد أن أنتهي من أي نص عالق .. وأغلق الصفحة واشغل نفسي بأي شيء آخر وبعد يوم أو ربما أكثر .. بعد أن تهدأ ثورة الشعر في رأسي أعود لأقرأ ما كتبت قبل يومين ..وهنا يأتي الناقد القابع فيَّ .. لكن الشاعر الذكي هو الذي يُشذّب قصيدته ولا يمنح للناقد فرصة للأخذ من جمال نصّه حتى لو كان هو الناقد . وهذا ما يحدث معي دائماً ..

لم يحدث أبداً أن غيّرتُ جملةً كاملة .. ربما أحذفُ حرفاً أو استبدل واو عطف بفاء عطف أو كلمة بكلمة .. أما جملة كاملة أو معنى كامل لم يحدث الى الآن.

أعتقد أنّ النقد على وجهين:نقدٌ احترافي يعتمد على نظرياتٍ تُطبّق على النص بطريقة اكاديمية غير خاضعةٍ للخيال .. لأن البحث العلمي (ممنوعٌ به الاسهاب بلا تبرير) هذا ما تعلمناه في دراسة النقد في جامعة لندن للدراسات الشرقية والافريقية ..وهناك نقدٌ جامعٌ بين البعد الأكاديمي وبين تحليل النّص والدخول بعمقه بطريقة شعرية .. وهذا ما كان يُسعِد البرفسور كمال أبو ديب حين يقرأ بحثاً لي ..ويعلّق : المفروض احاسبك على هذا الخيال الجميل في قراءة عمق النص لأنه لا يصلح اكاديمياً لكني سأمنحك عليه درجة لأنكِ تمسكين جمرتان بيد واحد إذ ( تُـشَـعْـرنين / من شعر) النقد ..!

الناقد المحترف ليس كالناقد الشاعر .. ولأتحدث عن ورود الموسوي .. ذائقتي الشعرية بتمييز النص وجودته تربّت خارج الحدود الاكاديمية فقد كنتُ أكتب النقد على النصوص قبل أن يكون مجال تخصصي العلمي .. فالدراسة الاكاديمية لم تضف لي شيئاًكثيراً في مجال النقد .. لأن اطلاعي على النظريات النقدية وتطبيقها على النصوص سبق دخولي للجامعة .. لكنها (الدراسة) جعلتني مُمنهَجة أكثر بأفكار واضحة ومحددة .

– "ما نحن إلا غيابٌ حاضرٌ ، في حضرة المدينة الخائنة " بيت من قصيدتك  المدفنة كيف تنظرين  الى عجلة الخيانة اليوم هل من احد يقوف حركتها المتسارعة؟

هذي القصيدة في الباب الأخير من ديواني الثاني هَل أتى ..!موضوعها يتحدث عن خيانة المكان والزمان والذكريات والطفولة والشيخوخة والعالم وكل شيءٍ يشيرُ لتجاعيدنا التي تذكرنا بخيانة الزمن لنا .. وما ابيضّ من خصلات شعرنا .. كل شيء يشي بالخيانة .. وما نحنُ إلا غيابٌ / أي ماضٍ .. حاضرٌ .. في حضرة المدينة الخائنة .. المدينة هي رمز الإنسان المتوحد بالكون لأني أرى الكون كله منطوٍ في هذا الجرم الصغير الذي يُدعى إنسان كما يعبّر عنه سيد البلاغة والفصاحة جدي علي ابن ابي طالب .. فهذا الإنسان مخذول من كل ما كان يسعده .. من كل شيء جميلٍ كان يرقص له فرحاً هاهو يأخذ شكل المنبّه على انتهاء صلاحيته .. فما الشيب والسعال والعكاز وانحناءة الظهر والتجاعيد والمرايا والأولاد والأحفاد والنهاية التي قد تليق وقد لا تليق وما سرير المرض أو المشفى والموت وكل ما كان من شأنه السعادة .. يتحول لأوراق التقويم المتنازلة.

فمَن يوقفُ عجلة الخيانات الكونية هذه .. ونحنُ الذين خلقناها .. ووشينا لها على أنفسنا فأصبحنا أسرى لها بعد أن جئنا لهذا الوجود:

للرُّوحِ أجـنـحـةٌ بـيضاء يَـغْـسِـلُـهـا الغيمُ بالنُّور

و للعيدِ بَـوَّابَـةٌ

 تُـطِـلُّ منها بَـعضُ ذاكرةٍ وأمْـكـنَـة

ريحٌ  دُوارٌ

صَفيرُ قـطاراتٍ

وبعضُ مَـراجـحَ مَشْـنُـوقَـةٌ مَـقـاعـدُها

كَـهْـلٌ يَـعْـبُـرُ المَـكانَ لا يدري هَـلْ كانَ حَـقاً ؟

وأيُّ المَـراجـيحِ كانتْ له ؟

 هل كنتُ بينَ المَراجيحِ طفلاً أم جئتُ للكونِ بِـعُـكّـاز؟

ونَحنُ

ما نَحْـنُ إلاّ غيابٌ حاضرٌ

في حَـضْـرةِ المَدينةِ الخائنة …

 

– هل حجابك يسهم في حجب الموضوعات المتاحة للشعر .. هل هو خطوط حمراء او ارتهان لفكرة دون اخرى .. هل هو اختيار قدري لا تتجرئين على كشفه؟

ابتسمتُ كثيراً لهذا السؤال .. ودعيني أشكركِ أولاً لإثارته ..

الشعر روح يا أسيل .. روحٌ لا يحجبها شيء .. وكما قلتُ هي روحٌ تنفلتُ من كل عقال .. لا وجود لتابو كما (يُشاع) وأنا ضد فكرة التابوهات بالثقافة والشعر والادب والفن ..لأننا نحن الذين خلقناها من العدم ..هناك مَن يسترزق بكلمة (تابو) أو محرّم أو ممنوع .. لهذا ومع الأسف باتت النصوص العربية التي تدفع للترجمة جُلّها (أكانت من شعراء أو شواعر) لابد وبالضرورة أن تتحدث عن الجنس والجسد أو سب الله.. وكأن العالم الغربي لا يغريه في الشعر او في الانسان سوى الجسد والبذاءة!

الحجاب أو العمامة لا يمثلانِ (انغلاقاً) بأي شكل من الأشكال لأنهما زي كأي زي آخر .. أجمل الغزليات الشعرية التي وصلتنا من العلمين علم الهدى السيد المرتضى الذي برز في الفقه والتشريع وعلوم القرآن وأخيه الشريف الرضي الذي برع ايضاً في مجال الفقه وعلوم القرآن والتفسير والتشريع .. أجمل الخمريات الصوفية والغزليات كتبها السيد الخميني (وربما البعض لا يعرف هذي المعلومة أنه كان شاعراً وكتب رباعيات على طريقة رباعيات الخيام) وهو المعروف عنه بأنه عرفاني متصوف .. وفي عصرنا الحالي أجمل الغزل وصلنا من العلامة السيد مصطفى جمال الدين ..ومعممين آخرين .. إذن المشكلة ليست بالحجاب كـ زي وكمظهر .. لكن المشكلة بالتفكير وبما تحت الحجاب او تحت العمامة.

شخصياً .. حجابي هو سرّ قوّتي وثقتي بنفسي العالية ..لم يحدث أبداً أن واجهت مشكلة في أي مكان أكون به بسبب الحجاب .. بل هذي هي ورود التي أحب وأحترم .. هذي هي المرأة الواعية حين تختار شكل زيّها وحياتها وتفرض وجودها وسط مجتمع رافض لها (واعني تحديداً) المثقفين العلمانيين او اليساريين الذين لا يستطيعون هظم انسانة محجبة واعية مثقفة ثقافة عالية ..! تقف بجانبهم .. فللأسف يعتقد البعض أن الثقافة والأدب والشعر حكرٌ عليهم دون غيرهم!

حين يتحرر العقل البشري من الرؤى المعلّبَة الضيقة سيستوعب الآخر حتماً .

– قلة النساء الشواعر ظاهرة عربية معاصرة تؤشر الى هيمنة ما ام محددات ام  هي بسبب الاسوار العالية التي تخلفها لنفسها كما ذكرت في ذات لقاء؟

إن كنا نتحدث عن الشواعر ذوات الصوت الحقيقي فنعم هنّ قلة .. وإن كنا نتحدث عن الشواعر بالعموم .. فبالعكس هناك موجة كاسحة من الشاعرات في العراق وفي العالم العربي وما أكثرهنّ .. لكنها كثرة الكمّ لا الكيف .. الشاعرة الجادة هي التي تضعُ أسواراً عالية كي لا يخدشها الكمّ الهائل من الزَّبَـد المتناثر .. الشاعرة الجادة باتت حبيسة بيتها .. لأسباب عدّة .. أهمّها أنّ الطارئات شوّهن سمعة الشعر والشاعرات .. التي تصل بجسدها ليُطبع لها كتاب هذي لن يقولوا عنها فلانة فعلت بل سيقال (الشاعرة) فعلت .. التي يُكتَب لها وتدفع ما لا أدريه كي يقال فلانة تكتب القصيدة العمودية .. هذي إساءة للشاعرات .. التي تكتب خواطر وبين ليلةٍ وضحاها تصبح علماً لأنها (صاحبتِ) الشاعر الفلاني فصارت شاعرة .. هذي تجعلني أشعر بالغثيان .. لذلك أنا وأقولها بكل صدق وبملء فمي لا تُشرّفني كلمة (شاعرة) لأنها أصبحت لقيطة تتداولها الأسماء.

ورود الموسوي لا تنتمي لعالم الشاعرات (ليس استعلاءً على أحد ولا أفضليةَ لي عليهنّ إلا فيما يثبتُ ذلك) لكنّي أنأى كثيراً بنفسي عن التفاهات والترهات التي خلقتْ شاعرات وأديبات ما أنزل الله بهن من سلطان.

أما المرأة الشاعرة الجادة فهي عدوّة نفسها.. إذ استسلمت للخوف وعقدة الذكورة المسيطرة.. ومن تعتقد أن الرجل الشاعر مهما حاربها سينال منها فهي واهمة .. لأن (لا يصحّ الا الصحيح) الشاعرة الجادة مازالت تفتقد الثقة بنفسها وبنصّها وأحيل هذا الخوف او عدم الثقة لعدم اكتمال النضج المعرفي والثقافي ,, إذ ما زالت الشاعرة العراقية تحديداً تعاني من نقصٍ حادٍ بالوعي والثقافة الجادة .. ولا اعني كمية قراءة الكتب بل أعني الوعي الثقافي بالحياة وما يتعلق بها وموقفها الإنساني من كل هذا الوجود.

– هناك ظاهرة مستشرية في الفضاء الادبي والاعلامي ايضا وهي ظاهرة خدش الحياء او انتهاك الخصوصية وبات المرء يخشى ان تنزلق اذناه لسماع ناتئ اللغة وبشاعة اللفظ كيف تنظرين كشاعرة لهذا الامر؟

بعيداً عن نظرتي كشاعرة .. أنا إنسانة أولاً يطربني اللحن فيبكيني تارةً ويُفرحني أخرى .. وتجرحني البذاءةُ جداً جداً جداً فوق ما يتصوره عقل .. قد تحدث بين أصدقاء في مكان مغلق ولأمر محدد .. أما أن تأتي البذاءات وسب الله علناً في النصوص فهذا ما لا يمكنني السكوت عليه .. وكثيراً ما تجادلتُ مع شاعرات لا يتورعنَ من فتح كاميرات (في نصوصهنّ) لكل عابرٍ متصفّحٍ لكتاب ..! لذا أنا أرفض الفعل إنسانياً ولا يمكن للشعر أن يتوافق مع ما أرفضه إنسانياً.

– يرى سبتزر(التعاطف مع النص ضروري للدخول إلى عالمه الحميم) ومفتاح هذا التعاطف هو العنوان الذي يضعه المؤلف لنصه… هل وشم عقارب او ما قالته الرصاصة للراس نوع من تلك العنوانات المغرية للدخول الى عوالم نصوصك الشعرية او القصصية , بمعنى اخر هل هي فخاخ اعدت بعناية للمتلقين؟هل تجيدين صناعة الفخاخ الشعرية؟

جداً .. بل معروفٌ عن ورود الموسوي بأنها (صيّادة عناوين) .. العنوان هو المدخل الرئيسي وبوابةُ الغواية للقارئ وهو الضوء الذي يلوّحُ من بعيدٍ ليقتنصَ القارئ ..!

نعم بكل تأكيد وجزم وإصرار .. لكل عنوانٍ فخّه ..أنا مهتمةٌ جداً بالعناوين وأسماء الشخوص في السرد.. ففي المجموعة القصصية لكل شخصية اسمها ودلالاته وإيحاءاته وإحالاتهالرمزية لشيء ما .. فبطل المجموعة القصصية (ناجي) يموت في آخر كل قصة ولا ينجو ..!

أما الشعر .. فوشمُ عقارب .. جاء العنوان مبنيّاً على قصيدة بعنوان وشْمُ عقارب: 

أنت عابرٌ مشغولٌ بترجمةِ طالعه إلى لغاتٍ عدة

ما زلت تفتشُ فيه عن مفردة

 أبعد من وطن

لكنك نسيتَ أنْ تنفضَ غبارك أولاً

نسيت أنَّ المدنَ قناطرُ تحت أقدام الحفاة وبعض المتسولين

نسيتَ أنْ تُعلِّق وجهك وأنتَ تدخل متعثراً

وأنّ المدينة أغوتك بوشم عقاربها..!

هذا هو مطلع قصيدة وشمُ عقارب والتي لها دلالات عدة تتعلقُ بطبيعة العقارب ومستوى أذاها لا للآخرينَ فقط .. بل لنفسها أيضاً .. فالعقربة حين يلقّحها العقرب الذكر تنقلبُ عليه لتلدغه فيموت .. وحين تضع بيوضها فإن صغارها يأكلون ظهرها ليخرجوا ..هذا الكائن المؤذي وظّفتُه ليكونَ مثالاً للعقاربِ من حولنا ..؟ كم من وَشْمٍ في الروح دلّ على عقربٍ لدغها ..؟

وحتى اختيار كلمة (وَشْم) لم يأتِ اعتباطاً فالوشم لا يُمحى .. وحتى لو امّحى سيظل أثرٌ يدلّ عليه..!

أما ديوان (هَـل أتى ..!) فهذي الــ (هَـل) سؤالها استنكارياً  وليس استفهامياً .. وثمة فرقٌ كبير بدلالة الاستنكار على الاستفهام وأذكرُ جيداً أن صاحبة الدار طلبت مني رفع علامة التعجب الواقعة آخر الكلمة .. فقلتُ لها من الاستحالة رفعها لأن هذي العلامة هي التي تحدد طبيعة سؤالي وهي التي تحدد دقة المعنى الذي تناصّ مع الآية الأولى من سورة الدهر أو كما تُسمّى ايضاً بسورة الإنسان (هل أتى على الإنسانِ حينٌ من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا ) .. وقد حملت إحدى قصائد الديوان العنوان وهي قصيدة (هَـل أتى ..!) في ختامها أٌقول:

قبلَ أنْ تُـقْـلِـعَ باتّجاه الخريف

قبل أنْ تَـسْـقُـطَ سَـعفاتُك الصفر

وقبل أنْ تسقطَ تمرةٌ وحيدةٌ لم يلقّحها الفقر

تُغلقُ جيوبَ موتك

تُحْـكِـمُ شَدَّ حِزامِكَ تحسُّباً للحجارةِ ومناجلِ العابرين..

تقرأُ سورةَ هَــلْ أتى 

وتنسى أنّ الإنسانَ لفي خسر ..

– النص يكشف عن شخصية المؤلف رأي نقدي متداول كثيرا.. هل كشفت نصوص ورود الموسوي عنها؟ وكيف؟

إن كان الرأي النقدي هو الربط الذاتي بين ما يتعرض له الشاعر في حياته ويومياتها وربطها بنصوصه فأنا اختلف معها نقدياً ولا مجال للحديث عنها الآن ..لكني أٌول نعم ..الشاعرُ ابن بيئته وابن همومه وابن معاناته .. حيث وجدت المعاناة وجد الشعر .. لا يمكن بأي حالٍ أن ينسلخ الشاعر عن نفسه وعن همومه وعن طموحاته وانكساراته وخيباته وخذلاناته .. كل هذا يخلطه بخلاط الشعرية لتصاغ القصائد .. الشعر والفن تجارب فردية بلا شك لكن الفرق بين الذي يكتب ذاته متفرداً بها ونائياً ومتغاضياً عن الذات الأخرى سيسقط حتماً ويُنسى .. كلما اتسعت دائرة الشاعر لينطلق من أناه محاكياً الأنوات الأخرى كلما زاد من عمر قصيدته .. القصائد الإنسانية هي الأصدق والأبقى .. تلك التي تحفرُ عميقاً بجوّانيات الإنسان لأنها جسرٌ رابطٌ بين الأنا والآخر .

كل حرفٍ كتبتُه قطرةٌ من دمي .. وكل مخاطَبٍ في النصوص هو أنا وكل غائبٍ مشارٍ إليه بـ هو أنا .. وكل وجهٍ متْعَبٍ متربٍ ميّتٍ أنا .. وكل طفلةٍ تخبّيءُ فمها بكفّيها الصغيرتين وتقفُ خجلاً وراء الباب لتسترق النظر أنا .. وكل بحرٍ ضاربٍ بالموج أنا .. وكل عنوانٍ أطلّ برأسه أنا .. وكل رأسٍ أصيب برصاصةٍ أنا .. وكل عاشقةٍ مخذولةٍ أنا .. وكل عاشقةٍ ملآى بالغيم والسحاب أنا .. لكنكِ لن تريني أبداً داخل النص لأني وجهٌ من بين الوجوه .. فحين اقتنصُ القارئ الجاد .. لا أفلتُه بسهولة .. بل أمنحه إقامةً دائميةداخل النص فيرى وجهه في كل حرف .. ويرى روحه هناك .. فينساني ليصبح هو صاحب النص وصاحب الوجه ..

هكذا أتماهى مع القارئ فأُلبسُه روحي ووجهي ليرى روحه ووجهه!

 

 

يورو تايمز

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى