آراء

د.عبـدالسـلام سبـع الطـائـي: المجـتمـع العـراقـي من المـوت السريـري الى عـودة الـروح.. الجـيـش والرايـات التـشـريـنيـة المـرتـقبـة

الحلقة “4”

{{إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن}}

بقلم : ا.د. عبدالسلام الطائي / أستاذ علم الاجتماع – ستوكهولم

لا ثورة بلا جيش، ولهذا سيكون محور حلقتنا هذه ، دور الجيش في الثورة العراقية الكبرى لشباب الرايات التشرينية البواسل. وهي محاولة متواضعة لاحتواء الجيش، لاسيما أجهزة الجهد المعلوماتي،  فضلا عن امراء القبائل، نظرا لما لهم من دور  مشهود في تعجيل او تأجيل تحقيق النصر، علما ان هذه الحلقة تندرج ضمن سلسلة اعمالنا الموسومة ب” الموت السريري للعراق بعد الاحتلال وعودة الروح له بثورة تشرين”. بادئ ذي بدء، تتسم معظم بدايات الحراكات الثورية بالعفوية والشعارات الثورية، وهي غير كافية لضمان نجاح أي ثورة. ما لم تكن مقترنة ببرنامج ثوري واضح المعالم، وهو ما لديها، كما يقتضي تزيين أي ثورة برموز وطنية، لان تلك الرمزية خير عنصر للمعان بريق الثورة وقناديلها التي تنير طريق الثوار، نظرا  لما تمتلكه تلك الرمزية الحية من دور  في استحضار أدوات نجاح الثورة اللوجستية ميدانيا، وفي مقدمتها الجيش وأجهزة الانصات والتنصت الأمنية وامراء القبائل (للمزيد انظر الحلقة 3)

في واقع الامر، شاء من شاء وأبى من أبى، فقد اصبح ثوار  رايات العراق التشرينية اليوم، يشكلون مركز الهزات الجيوسياسية، لا في محيط دائرة الثورة حسب، بل في تردداتها على الدول الأخرى، حيث تخطى صداها الوطني جدار الصمت الإقليمي والدولي، ولتلك الاصداء سعى الثوار وباقتدار منذ البداية،  إلى التزود بزاد المثقفين والمفكرين وغيرهم، من اجل إيجاد قوة دعم معنوية وتنظيمية ومعرفية، ترفد فعلهم الثوري وتردداته بغية تعاظم السيولة الثورية كما ونوعا لمحاكاة المجتمع الدولي، معلوماتيا وميدانيا. ان التعلم  من تجارب الثورات العربية السابقة، ضرورة معرفية وطنية . وفي هذا السياق ، فقد شهد الوطن العربي على امتداد عقد من الزمن، وللاعوم 2011 حتى 2022 ثوراتٍ وانتفاضاتٍ، اعتمدت جلها سياق واحد، لتشابه عواملها وهموم قادتها وجماهيريها،  وقد سلك كلا منهما طرقا قد لا يشبه احدهما الآخر. ولا بد من الإشارة، بان واقع ووقائع التاريخ،  تشهد بتخلي المحتل عن العملاء، وقريبا سيتكرر هذا المشهد في العراق، وفقا لسنن المحتل السارية في القانون الذهبي للعلاقات الدولية، بان ليس هناك صديق دائم بل هناك مصالح دائمة.

 ففي تونس، تخلت فرنسا عن رئيسها، بعد أن فقدت الأمل في إمكانية بقاء حليفها بن علي، رغم دعمها له بقوة في أيام الثورة المبكرة. وعندما  نجحت الثورة في إسقاط النظام سلميا، جراء وقوف الجيش على الحياد، نشأ عنها نظام توافقي منتخب، رغم غياب الدعم الخارجي .

وفي اليمــن، تم الإطاحة برأس النظام ، عبر وساطة خارجية، فانتهت الثورة بانقلابٍ سيطر فيه (الحوثي) على صنعاء، ادى الى تدخل عسكريا خارجيا لإطاحته، والحرب لازالت مستمرة.

وفي مصر، تخلى الأمريكان عن مبارك ، ونجحت الثورة في إطاحة رأس النظام، بسبب وقوف الجيش مع المحتجين السلميين.

وفي ليبيا، رغم اندلاع الثورة، لكن النظام لم يسقط إلا بتدخل عسكري خارجي مباشر ، دخلت بعدها البلاد في نزاعات أهلية (قبلية – جهوية.. إلخ) ما زالت مستمرة.

و في سوريـا ، بدأت الثورة ضد النظام سلمية، استخدم النظام العنف المفرط لقمعها.
وهكذا ساهمت “ظروف كل بلد، وبنيته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأهميته الجيوسياسية ووفرة موارده الطبيعية من عدمها، دورا رئيسا في تحديد الطريق الذي سلكته كل ثورة، على الرغم من أن عواملها ودوافعها جميعا واحدة (فقر – ظلم-قتل وتهجير– فساد – استبداد- بطالة الشباب…)-.  خلاصة القول، ان في أربع من الدول الخمس التي عصفت بأنظمتها رياح التغيير، نجحت الثورة في إطاحة النظام أو رأس النظام على اقل تقدير. (2)

وعلى صعيد ثورة العراق للرايات التشرينية ، الفريدة والوحيدة في جرحها النازف ، فمن خلال قراءتنا ومتابعاتنا الإقليمية والدولية للحراك الثوري العراقي، نستقرئ بان الحراك الوطني العراقي انفرد عن غيره من الثورات بقساوة ظروفه الجيوسياسية، العربية والإقليمية والدولية ، بما فيها، ثورة الشعب العربي الاحوازي والشعب الفلسطيني، فكلا الشعبين، محتل من دولة واحدة هي، اما اسرائيل او إيران، وليس كلاهما كما يحصل في العراق،  علما ان للشعب الفلسطيني دعم دولي مالي وعسكري وسلطة سياسية معترف بها، في حين شباب الحراك الوطني العراقي لا يمتلكون من الدعم الدولي والمحلى سوى الأناشيد وبيانات الشجب والاستنكار والهتافات والتظاهرات، اخذين بعين الاعتبار بان حراك شباب الرايات التشرينية واقعين تحت وطأة احتلالين متطابقين امريكي وايراني، ظاهرهما غير باطنهما. ولتلك الاسباب الرئيسية عدا الفرعية منها مثل، القوة العددية، اشكالية وحدة القيادة، والتدخل الخارجي المشروط، جعل الحراك الوطني يسير في خط متعرج وملتوي صعودا وهبوطا،  وصعودا قريبا سترتفع فيه الرايات لا محال، طالما مقومات نجاح الثورة  مازالت قائمة لدى ثوار تشرين نتيجة  اقتدارهم العالي في تحطيم:

  • حاجز الخوف لدى الشعب 
  • ازالة قدسية الاصنام المذهبية الدخيلة من ذات المذهب. 
  • اسقاط حكومة عادل عبد المهدي من قبل الثوار، وهو خطوة متقدمة نحو اسقاط النظام بالكامل، ولو بعد حين.
  • الابتعاد عن العنف، في التظاهرات الشعبية والاعتصامات. 
  • الإجماع الشعبي، لتغيير النظام. 

ولولا غياب وحدة الموقف الجدي لمعظم القيادات الولائية للقوات المسلحة العراقية، بسبب تعدد ولاءاتها وتعرضها منذ عام 2003 لعمليات دمج بالعناصر الدساسة الموالية لإيران، في الجيش والشرطة والاجهزة الأمنية، بعناصر مستعرقة- وان ولد بعضهم في العراق-، لكنها غير مؤمنة بعدالة قضية الثوار واهدافهم ومبادئهم. فلو كان الجيش العراقي، نقيا مؤمنا لأصبح نجاح الثورة حتمياً، وإن كان موقفه محايداً بين الثوار وبين النظام ، فان نجاح الثورة أيضاً يظل مؤكداً، لكنه سيستغرق وقتاً أطول، وان كان الجيش معارضاً ومعادياً لها، كما كان موقفه قبل احتجاجات السيد مقتدى الصدر الاخيرة،  فإن الأمل في نجاحها يتضاءل كثيراً (3) .وهنا تجدر الإشارة، الى  محاولة تقمص احتجاجات مقتدى الصدر الأحادية المذهب والقومية والدين رداء ثورة الرايات التشرينية المتكاملة الهوية الوطنية، مذهبيا وقوميا ودينيا ، فضلا عن عدالة مبادئها وأهدافها وشعاراتها، غايته استراق اسم الثورة التشرينية لتثوير الشارع العراقي العام باسمهم الوطني الشمولي من جهة،  ومن جانب اخر، من اجل ان تمر عملية  اختطاف الشارع الوطني العراقي هذا من تحت عباءة الصدر من جهة أخرى .

ان هذا المشهد و(تقية) تلك المناورة، كعصا موسى،  تستوجب القراءة بتأن وامعان  شديدين، من قبل المختصين وخبراء ثوار تشرين لاستثماره وقطع طريق تجيير دماء شهدائهم للأخرين، اخذين بعين الاعتبار تلطخ يد التيار الاطار والصدري بدماء الثوار، تقتضي الضرورة الانية، الترقب وعدم التصادم او المشاركة الفاعلة او العلنية، ما لم تكن مشروطة وبضمانات، نظرا لهيمنة (التقية) السياسية على المشروع الصدري. على العموم، لقد كان لغياب المؤسسة الأمنيّة العراقيّة الرسميّة اثناء الاحتجاجات الصدرية الأحادية عن المشهد، وعدم الاعتداء على المحتجين، مقابل ترك الأطراف المًتصارعة للاشتباك المُسلّح، يعد من وجهة نظرنا، تحوّل ايجابي لصالح الثورة، وهو موقف قد يحسب للصدر وتحول يسجل لبعض تشكيلات الجيش ايضا،  بغض النظر عن تداخل الخنادق، فأنه عبر  بطريقة وأخرى عن اصالتهم وايمانهم بظلم الحكام للمحكومين العراقيين من قبل المستعرقين، وجب استثماره، والبحث عن مخرجات مدخلاته لتكييفه مع اهداف ومبادئ تشرين العظيمة. 

ولا مناص من القول، بان الافراط والغلو لذوي النوايا الطيبة، الادعاء باقتراب النصر بالتظاهرات فقط، لهو تفريط بثورة تشرين، لأننا نخشى الافراط والتفريط بالثورة، فكلاهما زلل جلل. واستخلاصا لما سلف، تبقى الثورة السلمية رهن القوة العددية، ووحدة القيادة، وبمدى اقتدار (القيادة) على توفير  أدوات التغير اللوجستية. خلاف ذلك، فلا حول ولا قوة بعد الله، الا بالاعتماد على امراء العشائر الذين اشعلوا ثورة العشرين وطردوا المحتل، هم لا سواهم من جانب، ومن جانب اخر،  التنسيق مع بعض عناصر وتشكيلات الجيش ، ف”الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”. وسيبقى الغلو في الانتصار دون البحث في سبل إعادة توفير ادواتها السابقة المتمثلة بالقوة العددية، التي سادت بسوح الاعتصامات في الانبار وفي مناطق الوسط والجنوب الثائر حاليا، والتي فاقت قوتها العددية آنذاك الاحتجاجات الحكومية الصدرية والاطارية الأخيرة معا.

 حفظ الله الوحدة الوطنية لفتية شباب ثورة الرايات الوطنية التشرينية، اللذين امنوا بربهم ووطنهم، فهم سيظلون امانة وطنية وتاريخية في الدارين، بأعناق امراء العشائر العراقية والجيش والقوى الوطنية، غير الموحدة!، وهي حالة غريبة تستحق التأمل!. واستنادا إلى ما سبق ، فان من قوانين وسنن المحتل، التخلي عن عملائه، مثلما تخلت أمريكا عن النظام المصري لحسني مبارك، وفرنسا عن النظام التونسي للرئيس بن علي، الذي سقط اثر وقوف الجيش على الحياد، رغم غياب الدعم الخارجي، فالمحتل لا يمد يده الا الى اللاعب الموحد الأقوى على الارض . ولذلك فانه لحري بشباب الرايات التشرينية الاماجد، ان يحذروا من كمين او  (تقية) خدعة المصالحة، وعمليات الاحتواء والوساطات الخارجية والانقلابات العسكرية الاحادية الصدرية وغيرها، ومن الواجب علينا، ان نحذر من استنساخ كمين جمهورية اليمن الانقلابي والصاقه بالعراق، لان خدعة الانقلاب اليمني انتهىت بسيطرة الحوثيين على صنعاء ودخول اليمن في نزاعات اثنية وأهلية قبلية وحزبية اسوء من مرحلة ما قبلها، وما زالت مستمرة. نافلة القول، نستخلص بان هناك تحول إيجابي ملموس حصل في موقف بعض تشكيلات الجيش العراقي والأجهزة الامنية، وجب تطويره لتثويره. فهل من متدبر ؟!!

فحاشا للمدبر، سبحانه، أن يترك العراق بلا متدبر، وما اكثرهم ، فلو خليت قلبت، وقريبا سيفوز باللذات من كان جسورا. وما النصر الا صبر ساعة ، وهي اتيت لاريب فيها ، سترفرف فيها رايات تشرين. بأذن الله.

ترقبوا الحلقة الخامسة 

حول رمزية المفكرين ووحدة القيادة في نجاح ثورة الرايات التشريتنية القادمة.

———————————————————————————–

(1) أ.د. عبدالسلام سبع الطائي: المجتمع العراقي من الموت السريري الى عودة الروح.. القانون الذهبي لنجاح ثورة تشرين – صحيفة يورو تايمز  (euro-times.com)

(2) لماذا تنجح الثورات وتفشل؟ (alaraby.co.uk)

(3)عوامل أربعة تُنجِح الثورات أو تُفشِّلها! | النهار (annahar.com

@المفكر العراقي الدكتور خير الدين حسيب، المدير العام لـ”مركز دراسات الوحدة العربية” بيروت.

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل بالضرورة يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى