آراء

حامد الكيلاني : المرحلة الانتقالية للسياسة الدولية بين أميركا وروسيا

زيارة نوري المالكي نائب الرئيس العراقي إلى روسيا مؤخرا، كانت مثار تساؤلات عن جدواها وتوقيتها وصفة رئيس الوفد الرسمية وتركيبة أعضاء الوفد، ورغم الإخفاقات البروتوكولية في إعداد اللقاءات لكن ذلك ليس مهما بقدر غايات اللقاء بالقادة الروس.

عادة تلجأ الأحزاب الإسلامية الحاكمة في العراق، وقبل كل دورة انتخابية إلى الحضور أو الاستدعاء للتفاهم والتشاور مع ولاية الفقيه الإيراني لتنظيم حركة النشاط السياسي ودراسة القوائم والتحالفات، لكن هذه المرة مؤشر التوجيهات مختلف تماما والأسباب متغيرات ما بعد الحرب على تنظيم داعش في الموصل، ورغبة القيادات الفاعلة لإقليم كردستان في إجراء الاستفتاء على انفصال الإقليم والإصرار عليه، والحرب العالمية على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية التي تصنف النظام الإيراني بالداعم والراعي الأول للإرهاب.

هل زيارة المالكي إلى روسيا تعبير عن انكفاء للدور الإيراني في المنطقة عموما وفي العراق تحديدا؟ أي إن إيران تتستر بالواجهة الروسية في الأحداث لتترك لروسيا ولأدواتها، أي أدوات إيران من أحزاب وميليشيات طائفية ومنها الحشد الشعبي في العراق، أداء الأدوار الثانوية على الأقل في المواجهات المحتملة سياسيا وعسكريا تفويضا لروسيا في المناورة بعد أن جربتها في مجلس الأمن على غرار الفيتو الدائم للقرارات الدولية المتعلقة بسوريا، أو بتسويف بنود اتفاق جنيف أو مخرجات أستانة، وهي جميعها وإن ارتبطت بالقضية السورية لكن أبعادها كانت ترسيخا للدور الروسي في التفاهمات مع أميركا وتقاسم النفوذ بما تراه روسيا وتقرره في مناطق ما يسمى بخفض التوتر، وهي لا تنحسر في سوريا وإنما مداها أبعد في مقاربة المعنى لأزمتها مع أوكرانيا والعقوبات المفروضة عليها بعد ضم شبه جزيرة القرم، وما يجري في بحر البلطيق أو نشر الصواريخ الأميركية في رومانيا وبولندا.

المصادر الروسية أشارت إلى أن نوري المالكي بحث تجهيز العراق بدبابات T90 وبصفقة تضاهي أعدادها ما تمتلكه أعرق الجيوش في المنطقة، وهذه التسريبات تؤكد استراتيجية إيران للمرحلة المقبلة لإقحام روسيا في الملف العراقي. والبداية بتوفير أرضية لدعم زعيم حزب الدعوة المالكي من قبل القيادة الروسية باعتباره مرشح القيادة الإيرانية للانتخابات العراقية المقبلة، هو أو أحد ممثليه، خاصة أنه يقدم نفسه كمؤسس لفكرة الحشد الشعبي حتى قبل معركة الموصل بسنوات، بما يعني أنه قائد للحرس الثوري الإيراني في العراق، ليؤكد أن فتوى المرجعية المذهبية وإعلانها فتوى ما يعرف بالجهاد الكفائي كانت بدفع منه، أي إنه اعتراف ضمني بتسليمه الموصل إلى إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية لإجبار المرجعية بتوفير الظرف الضاغط لكي تصدر فتواها.

روسيا تدرك، ومعها إيران، أن مشروع قانون تجديد العقوبات الذي أقره مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة وسيصوت عليه مجلس الشيوخ، وبما أثاره في أوروبا من ردود فعل تتعلق بنطاقه الجغرافي العابر للقانون الدولي وللحدود الأميركية، ستكون له تداعيات على روسيا التي توعدت بالرد عليه، بل وصفته بعملية تدمير لآفاق تطبيع العلاقات معها.

أما إيران فتعددت فيها المواقف والتصريحات. حسن روحاني الرئيس الإيراني الذي تناول مسرعا الاتفاق النووي كجزء أو ككل، مهددا بالتعامل بالمثل منوها بأن الأميركيين إذا أرادوا استقرار أمن الشرق الأوسط وتأمين المنافذ المائية عليهم التخلي عن سياساتهم العدائية، وربما إشارته إلى المنافذ المائية هي الأكثر تصعيدا في أي مواجهة بين الطرفين في المستقبل.

نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أحد كبار المفاوضين الإيرانيين في الاتفاق النووي وصف مشروع القانون الأميركي بأنه يعرض الاتفاق إلى الخطر ووعد برد حاسم. الرئيس الأميركي دونالد ترامب انتقد الرئيس السابق باراك أوباما لإبرامه الاتفاق الذي وصفه على طريقته بالصفقة وقال “إنها أسوأ صفقة ممكن أن يعقدها طرف مع طرف آخر، وإن جرأة إيران وتطاولها لن يستمرا طويلا”.

محاولة إيران تسفير المالكي إلى روسيا، ترويج لخرق الاتفاق الواقع المسلم به كوجود روسي في سوريا طويل الأمد وبصلاحيات واسعة ألغت تقريبا، ولا نقول تماما، دور النظام الحاكم في سوريا كنظام وكدولة ذات سيادة على أراضيها وبالتراضي، لأن النظام السوري من جانبه اقتنع بدوره وببقائه حاكماً تحت الوصايا الروسية، وبالمقابل روسيا ضمنت بوجوده عدم الاصطدام بالقانون الدولي، فتثبيتها شرعية النظام يمنحها موافقات تحتاجها للعبور إلى أهدافها كما في توقيع الرئيس فلاديمير بوتين على قانون أقره الكرملين أي البرلمان الروسي للاحتفاظ بقواعد جوية وعسكرية روسية على الأراضي السورية لمدة 49 عاما قابلة للزيادة وصولا إلى 99 عاما، أو إضافة 25 عاما وطبعا معها الممتلكات والعائدية.

وللمعلومة فقط رب سائل قد يسأل لماذا ليست 100 عام؟ لأن الملكية بعد تلك الفترة تنتقل للمستفيد، أما أقل من ذلك فتكون إيجارا وله حق الانتفاع منها فقط حسب القانون الدولي. والأسباب الواردة لم تكن بحاجة إلى تأمل أو دراسة مطولة، لأنها جاهزة في مكافحة الإرهاب ومنع انتقاله إلى أوروبا وروسيا.

الولايات المتحدة بإدارة ترامب أصبح لها نفوذ في سوريا ومعها دول أخرى، تركيا في مقدمتها بحكم إقرار مناطق خفض التوتر. روسيا نشرت قواتها الجوية وشرطتها، ومشهد الروس بين السوريين صار واقعا لأجيال قادمة، لكن ماذا عن الدور الروسي في العراق ولو بجزئية التواجد الأميركي في سوريا؟ ذلك يبدو غير وارد في سياق تاريخ الدور الأميركي في العراق بعد أبريل 2003 ووجود سفارة أميركية هي الأكبر مساحة وعددا بمنتسبيها بين سفارات أميركا في العالم، والتي تعمل كقاعدة دبلوماسية وعسكرية في قلب العاصمة بغداد، وكذلك ما يتردد من ترميم وبناء قواعد أخرى غير التي تتواجد فيها القوات الأميركية، أي إننا أمام دولة عراقية تعمل على طريقة الدولة السورية مع روسيا.

كيف تتدبر إيران أمرها مع أميركا في العراق، في ظل تصعيد المواقف التي لم تتبلور تماما من الإدارة الأميركية؟ إن إيران تسعى إلى توطئة للسلاح الروسي في العراق وهو ما سعت إليه سابقا في صفقة شابها الفساد وبإدارة نوري المالكي أيضا. إيران تسعى من وراء صفقات السلاح بين العراق وروسيا إلى إيجاد منفذ إجباري لتعاون روسي في مجال الخبرات والتدريب، أي التواجد الروسي بالحجة الجاهزة للمساهمة في الحرب على الإرهاب.

مهما كان الحراك السياسي في العراق استعدادا للانتخابات إلا أن الحرس الثوري الإيراني الذي بات يمثله المالكي والفصائل الميليشياوية الطائفية والتي تجاهر بأعلى صوتها باستمرار الانتقام والتدمير وسفك الدماء وإشاعة الفوضى، سيكون إرادة إيرانية وإرادة روسية، لتحجيم الدور الأميركي في العراق وأيضا لإعادة تأهيل النظام الحاكم في سوريا.

الانتقال السياسي كمرحلة لنهاية الحرب السورية والذي بدأ مع مقررات جنيف 1 لإيجاد بديل ديمقراطي يرحل بموجبه الحاكم السوري عن الحكم، تحول إلى تقاسم نفوذ روسي أميركي في كل من العراق وسوريا، وصار فيه لزاما على نظام ولاية الفقيه الإيراني الانكفاء على مشاكله الداخلية والقبول بالعطاءات الأقل التي يستمر فيها كلاعب للأدوار الثانوية وتحت رقابة الدولة العظمى في العالم على الساحة العراقية وتحت هيمنة القوة الروسية في سوريا.

لكن من يعرف أسرار المشروع الإيراني وسياسة ملالي إيران لن تفوته أساليب المراوغة والمناورة في تنفيذ برامجه ومخططاته، حتى ولو من الأبواب السرية كما في تسليم الموصل إلى داعش ثم تدميرها وقبلها حلب وقبل حلب حمص وجمع من المدن السورية والعراقية التي كانت ضحية لانتقام منهجي دوافعه معلنة ويتجه لوضع إدلب على القائمة.

الاتفاق النووي مع إيران على المحك، القضاء على الإرهاب إجماع دولي، التواجد الروسي في سوريا ليس تكتيكا فقط، أميركا لن تترك العراق لإيران، العملية السياسية في العراق انتهت صلاحيتها الإيرانية بتدمير المدن المطلوبة، لكن هل اكتفت؟

الحاكم السوري حامل أختام الحاكم العسكري الروسي للاحتيال على القانون الدولي، المصالح الدولية تبرر الصمت تجاه جرائم النظام الحاكم وإباداته بحق الشعب السوري. العالم وليس سوريا أو العراق في مرحلة انتقالية لكن للسياسة الدولية بين أميركا وروسيا.

 

كاتب عراقي

نقلا عن العرب اللندنية
زر الذهاب إلى الأعلى