د. حسن السوداني : عصير الليمون
المضحكات المبكيات في عالمنا اليوم خرجت عن اطرها التقليدية الى مصاف الخيال الخصب لاكثر كتاب الدراما حذاقة! وبتنا نسمع ونشاهد قصصا اغرب من الخيال نفسه، غير ان حكاية عصير الليمون الذي دهن به اللص الامريكي "ماك آرثر ويلر" نفسه تعد من تلك المضحكات التي انتجت على اثرها فرضية علمية باتت مشهورة في الدراسات العلمية من قبل العالمان النفسيان "دانينغ و كروجر" .
ومفاد تلك القصة ان هذا اللص اقتحم مصرفا في وضح النهار لسرقته بعد ان دهن نفسه بعصير الليمون معتقدا ان ذلك العصير سيخفيه عن اعين رجال الامن الذين القوا القبض عليه!!
حكاية عصير الليمون لا تقتصر على ذلك اللص بل تعدته الى عالم الامثال الشعبية العربية (عاصر على نفسه لمونة) والمثل هذا بمثابة اختزال وتحوير قديم جدا وسابق لحكاية (ولير ) فاصبح عصير الليمون مساعدا للعيش الاضطراري مع الساسة والحكام العرب حيث اجبر الناس ان يعصروا على انفسهم الليمون او النومي كما يطلق عليه باللهجة العراقية!!.
العراقيون هم ايضا اكثر بلاد الارض استخداما لعصير الليمون هذه الايام واشتهرت لديهم اغنية (ياطابخين النومي.. يا بيت گطيو) واصبحت مفردة (بيت گطيو) تدل على حجم ما ساءت اليه احوالهم وهم يعيشون في زمن السياسيين الذين لو عصرت على نفسك كل ليمون الارض لما طقتهم او تجرعت العيش معهم..
هؤلاء الساسة الذين اغلقوا ضمائرهم قبل اعينهم وتركوا الشارع يغلي معتقدين ان الحريق لن يصل بيوتهم الفارهة ان همو اغلقوا ابوابها… او كما قال ابن نوح العاق لابيه(ساوي الى جبل يعصمني من الماء).. فكان مصير ذلك العاق… من المغرقين!!
فرضية العالمان النفسيان دانيغ وكروجر فحواها :
"أن الأشخاص متدني الذكاء وقليلي الكفاءة دائما عندهم إحساس بجنون العظمة وواثقين من قدرتهم الضعيفة لأقصى حد".. غير ان تلك الثقة بالنفس سرعان ما تقودهم الى حتوفهم كحقيقة ناصعة البيان. ربما لا تفيد نصائحي اليوم لهؤلاء الساسة لكنها تفيدني حتما اذا سكبت مزيدا من عصير الليمون في صحن اللبلبي الساخن وانا اتابع المطرب المصري ثامر حسني وهو (يتمقلج) بأغنية (عاصر على نفسي لمونة)!