تحقيقات ومقابلات

فنلندا.. من الحياد إلى الناتو؟

أسس الغرب حلف شمال الأطلسي “الناتو” عام 1949 كوسيلة للحماية الجماعية ضد الاتحاد السوفيتي وحلفائه. ولكن، على مدى أكثر من 70 عاماً، رفضت فنلندا والسويد الانضمام إليه، واتبعتا سياسات الحياد وعدم الانحياز في الحرب الباردة.

وبعد غزو روسيا لأوكرانيا، تخلت الدولتان عن تلك السياسات وطالبتا رسمياً بالانضمام لحلف الناتو. وانضمت فنلندا للناتو بوصفها العضو الحادي والثلاثين أمس الثلاثاء، فيما عدّته صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير أعده آدم تايلور، المختص بالشؤون الخارجية، تحركاً سيحول أمن أوروبا ويوسع حدود الناتو مع روسيا. كما ستحصل فنلندا على الحماية وفقاً للبند الخامس من معاهدة الدفاع المشترك.
من ناحية أخرى، تعثرت عملية انضمام السويد للحلف، لعدم حصولها على دعم المجر وتركيا وهما عضوان فيه.

كيف دخلت فنلندا الحلف وما نتيجة هذا الأمر؟

أثناء الحرب الباردة، انتهجت فنلندا والسويد سياسات الحياد، رغم سعي جيرانهما، الدانمارك والنرويج، للانضمام إلى “الناتو”. وظلت الدولتان على سياستهما لعقود، رغم توسع الناتو. وكان للدولتين أسباب في موقفهما المحايد.

ففي القرن التاسع عشر، تبنت السويد سياسة الحياد أثناء الصراعات بشكل رسمي، وكانت آخر مرة تشارك فيها في الحرب في عام 1814 بهدف قمع محاولة النرويج للحصول على الاستقلال. كما دخلت في حرب مع الإمبراطورية الروسية انتهت عام 1809، متخلية عن أرض تم ضمها لفنلندا. وأثناء الحرب العالمية الثانية، احتفظت السويد بموقفها الحيادي ولم تشارك في أي صراع.
أما فنلندا التي حصلت على استقلالها عام 1917، فقد واجهت الغزو السوفيتي فيما عرف باسم حرب الشتاء 1939-1940، ثم حاربت ضد السوفييت وألمانيا النازية، ليستولي الاتحاد السوفيتي على 10 % من أراضيها.، لكنها ظلت مستقلة.
وبعد اتفاقية 1948 مع الاتحاد السوفيتي، أصبحت فنلندا دولة محايدة بشكل رسمي. ونظراً لاحترامها للدولة الكبيرة المجاورة، صار مصطلح “فنلدة” مرادفاً للسيادة المحدودة أثناء الحرب الباردة.

متى بدأ الابتعاد عن الحياد؟

رغم سياسة الحياد المعلنة، لم تكن فنلندا ولا السويد محايدتين بشكل تام. فأثناء الحرب الباردة، كان الناتو يتعاون مع ستوكهولم، كما سمحت السويد لطائرات الحلف باستخدام مجالها الجوي وشاركت في تعاون سري. وقامت القوات السوفيتية بالاعتداء على السويد عام 1981 حين جنحت غواصة سوفيتية من طراز ويسكي بالقرب من سواحل السويد.

لكن الأمور تغيّرت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، إذ سرعان ما تخلت السويد وفنلندا عن مزاعم الحياد، وراحتا تطالبان بعدم الانحياز عسكرياً، وهو مصطلح يشير للتحالفات العسكرية أكثر من الشراكات السياسية. وانضمت الدولتان للاتحاد الأوروبي عام 1995.
وحدث تحول آخر بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، حيث اتخذت الدولتان خطوة نحو التعاون الرسمي مع الناتو. وفي عام 2017، قامت السويد بتعبئة محدودة لجيشها الذي قلصت عدده بعد الحرب الباردة.
وبعد غزو روسيا لأوكرانيا، بينت نتائج الاقتراعات في الدولتين أن 57% من السويديين و76% من الفنلنديين موافقون على الانضمام للحلف. وأعلنت الدولتان عن اعتزامهما الانضمام للناتو في مايو (أيار) 2022.

كيف ستغير فنلندا الناتو؟

سيكون التغيير المباشر في الحدود، إذ تحد فنلندا روسيا بحدود طولها 830 ميلاً، وحين تنضم للناتو، سيتضاعف طول تلك الحدود. وبينما لا توجد حدود مباشرة بين روسيا والسويد، تمتلك السويد جزيرة غوتلاند ذات الأهمية الاستراتيجية والتي تبعد بمسافة 200 ميل عن القوات الروسية المتمركزة في كالينينغراد. كما تمتلك السويد وفنلندا معدات عسكرية حديثة وأدوات متوافقة مع منظومات الناتو. وتواكب فنلندا مستهدف إنفاق الناتو بمعدل 2% من مخرجاتها الاقتصادية السنوية، وتواكبه السويد بمعدل 1.4%.

لماذا تأخرت السويد في دخول الناتو؟

تمثل تركيا حائلاً كبيراً أمام انضمام السويد للحلف بعد أن انتقدتها لرفضها تسليم “الإرهابيين” الموالين لحزب العمل الكردستاني الذين نظموا الاحتجاجات ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السويد وأحرقوا المصحف، بالإضافة لإحداث مشاكل أخرى.

وهناك دولة أخرى، هي المجر، يجب أن تُجري تصويتاً برلمانياً على عضوية السويد في الناتو. وانتقد زولتان كوفاتش أحد المتحدثين باسم الحكومة المجرية السويد لجلوسها على عرش “الفضيلة المتصدع”، مضيفاً أن المجر ستحتاج لوقت للتعامل مع “حجم الشكاوى” ضد السويد قبل التصديق على عضويتها.
وكان من المفروض أن تتبع فنلندا والسويد الخطوات ذاتها للحصول على العضوية. لكن مسؤولين من الدولتين أقروا بأنه من المحتمل ألا يكون هناك مزيد من الخطوات أمام السويد. وصرح الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو أمام مؤتمر صحفي مشترك مع أردوغان في أنقرة يوم الجمعة بأن “لديه شعوراً بأن عضوية فنلندا للناتو لن تكتمل بدون السويد”.

24

زر الذهاب إلى الأعلى