آراء

روبرت فورد: ترمب يمنح الكاظمي بعض الوقت

 

من ناحية، تبدو زيارة رئيس الوزراء العراقي الكاظمي لواشنطن ناجحة نظراً لأنه ترك انطباعاً إيجابياً لدى المسؤولين الأميركيين الذين التقاهم. ومن جهته، وصف الرئيس ترمب، الكاظمي بأنه صديق، وشدد مرتين على احترامه لرئيس الوزراء العراقي أثناء المؤتمر الصحافي المشترك بينهما الذي عقد في 20 أغسطس (آب) داخل البيت الأبيض.
علاوة على ذلك، أثنت قيادات داخل الكونغرس، من جمهوريين وديمقراطيين، على جهود الكاظمي في إنجاز إصلاحات داخل العراق، ووعدوا بإقرار تعاون قوي بينه وبين الولايات المتحدة.
اللافت أن ديفيد إغنيتوش، الكاتب المعروف، الذي يتميز بمصادره الكثيرة والممتازة داخل المؤسسة الأمنية الأميركية، كتب مقالاً في 21 أغسطس حول ضرورة أن تدعم الولايات المتحدة الكاظمي. أما التعليق السلبي الوحيد، فجاء من جانب لجنة الشؤون الخارجية داخل مجلس النواب والذي انتقد العنف ضد متظاهرين سلميين في الشوارع العراقية، لكن اللجنة حثت كذلك على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. ومثلما هو متوقع، حازت اتفاقات الطاقة اهتماماً كبيراً. الواضح أن ترمب يعشق عالم المال والأعمال، وقد أشاد بالاتفاقات المبدئية التي ربما تثمر في النهاية عن صفقات بقيمة 8 مليارات دولار أميركي. وسمعنا أسماء شركات أميركية كبرى، مثل «شيفرون» و«جنرال إلكتريك» و«هنيويل». إلا أنه لدى إنصاتك للتفاصيل ستدرك أنه رغم الضجة والفعاليات والبروتوكولات الكثيرة، ليست هناك عقود ضخمة ملزمة.
على سبيل المثال، يتطلب الاتفاق الخاص بـ«شيفرون» أن تنفق الشركة النفطية عدة مئات الملايين من الدولارات على أعمال التنقيب في حقل بجنوب العراق. ويبدو هذا مبلغاً ضئيلاً للشركة الأميركية العملاقة. وقد سبق فيما مضى توقيع «شيفرون» اتفاقات مبدئية للعمل في العراق لم تتمخض عن أي نتائج تجارية تذكر. من جهتها، أعلنت الشركة أنه من الصعب للغاية العمل مع الكيان البيروقراطي العراقي.
وفي سياق متصل، بدأ اتفاق «هنيويل» لتنمية مجمع للغاز الطبيعي في جنوب العراق بمذكرة تفاهم وقعت في بغداد في العام السابق. أما الإعلان الصادر في واشنطن الأسبوع الماضي، فيدور ببساطة حول الاستمرار في التخطيط، لكن تبقى هناك مشكلات في تمويل المشروع.
من جهتها، تحاول الشركة الأميركية الحصول على بعض التمويل من الولايات المتحدة مع الحصول على ضمانات القرض من الحكومة الأميركية. بجانب ذلك، يأمل الأميركيون في أن تساعد المملكة العربية السعودية في المشروع، بما في ذلك من خلال استثمارات من جانب شركتي «أرامكو» و«أكواب أور». ويهدف ذلك الاتفاق إلى استغلال الغاز الطبيعي من أجل شبكة الطاقة العراقية، ويرتبط كذلك بهدف ربط شبكة الطاقة العراقية بالشبكات المناظرة في السعودية والكويت.
ويتمثل الهدف الأميركي الأكبر، الذي ينبغي أن تشارك به السعودية، في تقليص واردات العراق من الطاقة الإيرانية. من ناحيته، قال وزير الاقتصاد العراقي علي علاوي في تصريحات إعلامية، الأسبوع الماضي، إن بمقدوره تخيل إمكانية تراجع تلك الواردات العراقية العام المقبل.
جدير بالذكر، أن اتفاقات الطاقة الرامية لتقليص الصادرات الإيرانية إلى العراق، تشكل جزءاً من حملة الضغوط القصوى التي تشنها الولايات المتحدة ضد طهران. في الواقع، الوزير علاوي نفسه قال إنه ليس واثقاً مما إذا كان الأميركيون يقدرون العراق في حد ذاته كشريك، أم أنهم لا يزالون ينظرون إلى العراق باعتباره مجرد أداة في حملة الضغوط القصوى ضد إيران. في الواقع، لم يبد علاوي رجلاً يحتفل ببداية جديدة تماماً مع الأميركيين.
وعلى ما يبدو، كانت المناقشات الأمنية مشابهة. وصرح رئيس الوزراء العراقي لوكالة الأنباء العراقية في 21 أغسطس، بأن الرئيس ترمب شدد على أن القوات الأميركية ستنسحب من العراق في غضون ثلاث سنوات. وأضاف رئيس الوزراء، أن العراق ليس في حاجة إلى القوات الأميركية في العمليات القتالية.
من ناحية أخرى، رحل الأميركيون، الأحد، عن القاعدة الأميركية الثامنة التي كانت تتمركز بها قواتهم. ومع هذا، لم تحدد تصريحات المسؤولين في واشنطن جدولاً زمنياً محدداً للانسحاب.
أما ترمب، فقد اكتفى خلال المؤتمر الصحافي المشترك في 20 أغسطس بقول، إن القوات الأميركية سترحل «نهاية الأمر» و«في غضون فترة قصيرة». من جهته، ذكر وزير الخارجية مايك بومبيو، أن القوات الأميركية سترحل عن العراق «عندما ننجز مهمتنا».
إذن، ما هي تحديداً تلك المهمة؟ القضاء الكامل على تنظيم «داعش». تعزيز قوات الأمن العراقية بحيث تتمكن من الدفاع عن نفسها ضد من؟ تنظيم «داعش»، أم الميليشيات المدعومة من إيران داخل العراق؟ لم يكن أياً مما سبق واضحاً. أيضاً، قال ترمب إنه حال شن ميليشيات هجمات ضد قوات أميركية، فإن الأميركيين سيردون على نحو قاس للغاية، بمعنى أنهم سينفذون مهام قتالية. ربما اللجنة الفنية التي تشكلها الحكومتان من أجل العمل بخصوص هذه المسائل ستتوصل إلى إجابات عن التساؤلات السابقة. وفي تلك الأثناء، يمكننا توقع انطلاق انتقادات قوية من حلفاء إيران في بغداد ضد الكاظمي، وربما وقوع مزيد من الهجمات الصغيرة ضد القواعد التي تتمركز بها القوات.
خلاصة القول، إن زيارة رئيس الوزراء العراقي نجحت في تحسين المناخ العام للعلاقات الثنائية العراقية – الأميركية، لكننا لم نعاين نتائج ملموسة لهذا الأمر بعد. الواضح، أن واشنطن ستمنح الكاظمي بعض الوقت للتأكيد على سلطته المركزية على الميليشيات وتنفيذ إصلاحات، ما يعتبر هزيمة للراغبين في اتخاذ موقف فوري وحازم ضد النفوذ الإيراني في العراق.

 

* السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن

 

 

 

aawsat
 

زر الذهاب إلى الأعلى