د. حسن السوداني : العالم السفلي
مازالت الشموع توقد في المكان الذي اغتيلت فيه الطبيبة الايرانية الشابة وهي تحمل طفلها البالغ من العمر شهرين يوم 26 اوغسطس الجاري في ريبيرسبورج في مالمو. وسط ذهول وانزعاج شديد من المجتمع الذي بات المجرمون فيه يتجراون على انتهاك حرمات الطفولة والكهولة ووصلوا الى مرتبة الوحوش السائبة!
ويتسائل الكثيرون عن تلك المجاميع الخفية التي باتت لا تتورع بالظهور تحت ضوء النهار بعيدا عن جحورها المظلمة , ويذهب اخرون الى استحضار مصطلحات (الجريمة المنظمة, الارهاب , تجفيف منابع الجريمة.. الخ) واخرى من تلك التي يمكن تسطيرها هنا.
وكلمة (منابع) تذكرني بتجربة شخصية مررت بها في هذه المدينة حيث اسكن , فقد دعيت وزوجتي ذات يوم الى حفل ثقافي لافتتاح جمعية (ثقافية) في المدينة, ووسط تحمسنا الى البرامج التي ستقدمها هذه الجمعية استُقبلنا بترحاب عال من قبل رعاة الجمعية ثم تجولنا في المكان الذي بدا الارتياب يملؤني بسبب مفرداته التي تقترب من مفردات ملهى ليلي في منطقة خطرة!! اخترت مكان قريب من الباب الخارجي متحججا بضجري من الضجيج الذي تبعثه مكبرات الصوت الضخمة التي نصبت وسط منصة الاحتفال.. دقائق وبدأ الوافدون بالقدوم وسط دهشتنا من كوننا لم نلتقيهم ابدا رغم عملنا الثقافي الطويل في المدينة وتحول بعض القائمين على الاحتفال الى (نوادل) وبدأوا بتوزيع (المزات) والمقبلات الاخرى! امتلئ المكان بسرعة وترك مكان (استراتيجي) في القاعة حتى وصول سيدة استقبلها رعاة الحفل بالكثير من الاجلال والاهتمام ثم قدمت لها ( الشيشة ) بعناية شديدة ذكرتني بالفنانة نادية الجندي في فيلم وكالة البلح وهي تطلق عبارتها المشهورة (محبكش وانت كدة) وسرعان ما اعتلى المنصة مطرب من اولئك الذي (يلعلعون) في البارات الليلة!!
اسرعنا بالخروج من القاعة وسط اصرار رعاة الحفل على بقائنا ولكننا استذكرنا مقولة (الهزيمة مع السلامة غنيمة!! ) ولم تمض اسابيع قليلة حتى سمعنا عن جريمة وقعت في المكان حيث اغلق وذهب المشروع( الثقافي) ادراج صراخ المطرب الصداح!!
جرائم مماثلة وقعت في امكنة مماثلة (مقاهي وصالات العاب ) يشوبها الغموض ويعرف اصحابها من يرتادون هذه الاماكن والقابهم المضحكة ويمكن لاي شخص مشاهدة تلك الاحداث او يسمع عنها من العاملين قربها او سواق سيارات الاجرة وباعة الخضار واصحاب المحال التي تتعرض للنهب او التهديد وغيرها من الجرائم .
التهم التي يتبادلها السياسيون من الحكومة والمعارضة والحلول التي يتقدمون بها تشبه كثيرا ترميم جدار ايل للسقوط من خلال ربطه بقطعة قماش بالية!! اما العنصريون فغالبا ما يهللون لتلك الجرائم كون اغلبها من نصيب المهاجرين وهو ما يعزز مقولاتهم الفجة!!
وبين ضحكات نادية الجندي وشيشة سيدة الاحتفال تبقى جملة ( محبكش وانت كدة ) موجهة للشرطة السويدية وهي تغلق المكان باشرطة ملونة على الدوام!!