آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: اعتراف أمريكي متأخر: دروس مستقاة من فشل غزو العراق واحتلاله

بعد مرور عقدين وثلاثة أعوام سوداء على الغزو الأمريكي واحتلاله للعراق يتردد مرة اخرى صدى الاعترافات المتأخرة في أروقة السياسة الأمريكية التي تعلنها صراحة ان فشلاً أعمق بكثير من مجرد “خطأ في الحسابات”. تأتي تصريحات توم باراك المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص إلى لبنان وسوريا لتمثل إضافة نوعية مهمة إلى مجموعة الأصوات التي تعترف و تُقرّ بأن الولايات المتحدة بكل ما تملكه من قوة عسكرية واقتصادية لا تستطيع إعادة تشكيل الدول العراقية القوية التي فككتها بغباء إلى الأخرى الفاشلة بالقوة.

الفشل الهيكلي؟!
إن الاعتراف بـ “فشل هيكلي” يتجاوز النقد المعتاد الذي يُركز على سوء التقدير الاستخباراتي أو التخطيط غير الكافي لمرحلة ما بعد الغزو. إنه يلامس جوهر الإشكالية في الفرضية التي قامت عليها الحرب: إمكانية فرض نموذج حكم خارجي لاسيما من عملاء وفاشلين ولصوص وقطاع طرق على المجتمع العراقي ذي تاريخ وثقافة وديناميات سياسية واجتماعية وثقافية معقدة.

الفشل الحقيقي
لقد أظهرت التجربة العراقية أن الأوطان لا تُبنى بالدبابات ولا بفرض مجموعة من اللصوص والمنافقين والفاسدين على الشعب العراقي وأن الأنظمة لا تنهض من تحت الأنقاض دون رؤية داخلية حقيقية. إن إحتلال العراق لم يكن هدفه انهاء النظام الوطني العراقي مهما كانت محاولات شيطنته بل تفكيك دولة اسست على مدار اكثر من ثمانية عقود خلقت فراغًا هائلاً سرعان ما امتلأ باجتهادات غبية من بريمر وامثاله والذي استغلته عمائم طهران بالفوضى والصراعات الطائفية والإقليمية. فالاحتلال بدلًا من أن يجد الحل للمشاكل المعقدة التي خلقها في العراق المحتل أصبح جزءًا فاقم المشاكل التي نتجت عن السياسات القاصرة الغبية …..!؟ حيث ساهم الاحتلال والنظام المتخلف والأشخاص الفاشلين الذين فرضوا على العراق في خلق وتفاقم الانقسامات وتأجيج المشاعر المعادية للغرب.
دروس مهمة
إن أحد الدروس الرئيسية المستفادة من هذا الفشل هو أهمية فهم السياقات المحلية. فالولايات المتحدة قد تكون جاهلة بما ورطت نفسها به من كوارث ولكن وجود حليفتها بريطانيا بالتخطيط وتنفيذ جريمة الاحتلال وهي ضليعة بكل تفاصيل المنطقة عموما لانها من خططت له وغيرها من القوى الخارجية لذلك فان الادارات الامريكية جمهورية او ديمقراطية تفشل في إدراك تعقيدات المجتمعات لاسيما العراقي التي تحاول التدخل فيها. إن فرض حلول غبية وقاصرة جاهزة دون مراعاة التاريخ والثقافة والتركيبة السكانية المحلية حيث المسلمين السنة يشكلون النسبة الأكبر ويليهم الشيعة ثم المسلمين الكرد وبقية الاديان المحترمة في بلدهم يؤدي حتمًا إلى نتائج عكسية.

بالإضافة إلى ذلك …يبرز فشل غزو العراق واحتلاله حدود القوة العسكرية في تحقيق الأهداف السياسية المزعومة والتي تبين انها واهية وإن إسقاط نظام قائم على ارادة شعبية منظمة هو أمر اكثر من خاطئ وبناء دولة مستقرة ومزدهرة هو أمر آخر تمامًا. ان بناء الدولة السليمة في العراق المحتل يحتاج إلى عملية طويلة الأمد تشمل الارادة الوطنية والحكم الرشيد والتنمية الاقتصادية والمشاركة المجتمعية وهذا عكس مافعلته وادّت اليه كل السياسات الكارثية التي فرضت على الشعب العراقي طيلة ٢٣سنة لذلك لا يمكن تحقيق هذه الأهداف ببساطة من خلال القوة العسكرية واستخدام ادوات ومجاميع فاشلة لاتؤمن بالعراق ولا تنتمي اليه ؟!

اذن فإن اعتراف توم باراك على الرغم من تأخره يمثل فرصة للتفكير النقدي في السياسة الخارجية الأمريكية. يجب على ادارات الولايات المتحدة أن تتعلم من أخطاء الماضي وأن تتبنى نهجًا أكثر وضوحا وحكمة في تعاملها مع العالم بشكل عام ومع جريمتهم ضد الشعب العراقي ويجب أن تركز على الدبلوماسية والمساعدات الإنسانية ودعم التنمية المستدامة بدلاً من التدخلات العسكرية المكلفة وغير الفعالة.

إن الاعتراف الأمريكي المتأخر بفشل غزو العراق واحتلاله يمثل علامة فارقة في التاريخ الحديث. إنه تذكير صارخ بأن القوة العسكرية بالعراق ليست حلاً لكل المشاكل وأن بناء الدول يتطلب أكثر بكثير من مجرد إرادة سياسية غير واضحة المعالم ! مع ذلك فالاعتراف المتأخر بهذا الفشل هو خطوة أولى ضرورية نحو تبني سياسة خارجية أمريكية أكثر واقعية ومسؤولية.

زر الذهاب إلى الأعلى