تحقيقات ومقابلات

حسن سالم… من طفل ناجٍ إلى حياة من الإنقاذ

الاسم: حسن علي سيد سالم، الجنسية: مصري – إيطالي، السن: 30 عاماً، المهنة: منقذ، مكان الإقامة الحالي: سفينة «أكواريوس».

يبدو حسن من النظرة الأولى شاباً عادياً؛ عربي يقيم في أوروبا منذ سنوات، فصيح في اللغتين الإيطالية والإنجليزية، كآلاف الشباب مثله. لكن بعد وهلة بسيطة، يتبيّن لمخاطبه أن حسن ليس غيره من الشباب. فإنه يحمل على كاهله مسؤولية من نوع مختلف، مسؤولية إنقاذ أرواح مهاجرين في البحر، ودعمهم في بلد لا يتقنون لغته، لكن يطمحون للعيش بقيَمه.

كان لخيار حسن، خرّيج القانون، متابعة حياة في الإنقاذ بدل مهنة مربحة علاقة مباشرة بماضيه. فقد جاء ابن محافظة الفيوم المصرية (جنوب غربي القاهرة) إلى إيطاليا مهاجراً غير شرعيّ، غادر مصر إلى ليبيا، ومنها شارك في رحلة بحر قاسية قادته إلى شواطئ لامبيدوزا الإيطالية. يستحضر حسن قصته لـ«الشرق الأوسط»، ويقول: «كان عمري 13 عاماً عندما أبحرت بمعيّة 315 شخصاً آخر على متن مركب من خشب، في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2001، اقتربنا من سواحل لامبيدوزا، وجاء لإغاثتنا مركب من خفر السواحل الإيطالية. حاول المنقذون الإيطاليون توجيهنا بالجلوس، لكن حاجز اللغة حال دون نجاحهم في تهدئتنا. قرروا أن (يجرّوا) المركب بواسطة حبل. لكن لسوء حظنا، انقطع الحبل، وانقلب المركب بسبب قوة الأمواج الهائجة. كان المركب مكوّناً من دورين. كنت في الدور السفلي الذي كان مكتظّاً، وبه المحرّك. سقطتُ في البحر، مثل جميع الركاب، لكنني لم أكن أتقن السباحة. توقّعت أنني ألتقط آخر أنفاسي. ما أذكره هو أن شخصاً لا أعرفه أمسك بي من رأسي، ورفعني إلى الأعلى. لا أذكر سوى نظرته». ذرف حسن دمع حزن ما زال محفوراً على وجهه، وقال: «رأيته يموت أمامي». وقطع الشاب المصري مذاك «عهداً» على نفسه، وقرر تكريس حياته للعمل في الإنقاذ ومع المهاجرين وطالبي اللجوء. ذكر حسن الذي استقرّ بعد ذلك في مدينة أغريجينتو في صقلية، أن ما شجّعه كذلك على العمل مع الوافدين إلى أوروبا هو أنه كان «بحاجة إلى مساعدات كثيرة لم تكن متوفّرة» عند وصوله إلى إيطاليا. وتابع أن المهاجرين لا يدركون «صعوبة الأوضاع الإنسانية في ليبيا التي يقصدونها للهجرة، كما لا يملكون خلفية عن رحلة البحر وشقائها، ولا عن الأوضاع في أوروبا نفسها». ويتابع: «لا يرى هؤلاء أملاً في بلدانهم، فهم يهربون من مناطق نزاع أو دول تعاني من شح الفرص الاقتصادية». قضى حسن ستة أشهر على سفينة الإنقاذ «أكواريوس»، عمل خلالها منقذاً و«وسيطاً ثقافياً». عمل قبل ذلك لمدة 12 عاماً في مختلف المحطات التي يمرّ بها المهاجرون غير الشرعيين وطالبو اللجوء في مراكز التسجيل، ثم المخيمات أو الأماكن المخصصة لإقامتهم، ثم عملية الركض وراء أوراق ثبوتية و«المتابعة القانونية» في بلدان الاستقبال.

قبل «أكواريوس»، عمل حسن مع البحرية الإيطالية في مشروع «ماري نوستروم» التي أشرفت على وصول 150 ألف مهاجر أفريقي وشرق أوسطي إلى إيطاليا بين 2013 و2014، وبعدها مع الوكالة الأوروبية للحدود وخفر السواحل (فرونتكس) في إطار عملية «ترايتون»، فضلاً عن عدد من المنظمات غير الحكومية مثل «أنقذوا الأطفال» و«إس أو إس ميديتيراني».

وشهد المنقذ المصري، كغيره من البحارة على سفينة «أكواريوس»، عشرات المآسي خلال عمليات الإنقاذ. لكن حادثة شارك فيها بَصمَته بشكل خاص. يقول إنه «قبل نحو شهرين ونصف الشهر، وصلتنا إحداثيات مركب في حاجة إلى الإغاثة. توجّهنا مباشرة إلى المنطقة قبالة السواحل الليبية، قبل أن تصلنا تعليمات جديدة بوقف عملية الإنقاذ وانتظار وصول خفر السواحل الليبية لتسلم المركب وإعادته إلى الأراضي الليبية. اقترحتُ توزيع سترات نجاة على ركّابه، ووافقني في ذلك الفريق وقائده».

كان الأمر يتعلّق بقارب مطاطي على متنه 150 شخصاً على الأقل، بينهم نساء وأطفال. واصل حسن: «تأخر وصول القارب الليبي، وازداد وضع المهاجرين سوءاً. أقنعتُ قائد الفريق بإغاثة النساء والأطفال، وبدأنا في نقلهم من القارب المطاطي إلى السفينة. خلال عملية الإنقاذ لنحو 21 سيدة وطفلاً، وقف رجل على متن القارب المطاطي وسألني عن سبب فصل النساء والأطفال عن عائلاتهم. اكتفيتُ بالاعتذار منه دون تقديم أي شرح. تفهّم الرجل، وجلس في القارب دون اعتراض». «في طريق عودتنا إلى (أكواريوس) برفقة النساء والأطفال، بدا التوتر والغضب واضحين على ملامح سيدة من ساحل العاج، قرّعتني واتّهمتني بـ(إعطاء) زوجها إلى الليبيين. وخلال الأيام الثلاثة التي قضتها السيدة على متن السفينة، حاولت أن أشرح لها أن الخيارات المتاحة لنا كانت ضئيلة. حاولنا تحديد مكان زوجها، عبر شبكات (أطباء بلا حدود)، الموجودة في ليبيا، ونجحنا في الاتصال به من مركز احتجاز بليبيا». كان وقع هذه الحادثة قاسياً على حسن، لأنه شارك في اتخاذ قرار قد يغيّر حياة عائلة للأبد. أكد حسن مراراً أنه سيواصل مسيرته المهنية في مجال الهجرة، وأنه يطمح للمساهمة في إيجاد حل مستدام لأزمة ضحّت بآلاف الأرواح وتهدد تلاحم الاتحاد الأوروبي. ويتمنى هذا المنقذ الشاب أن تركز الدول الأوروبية والمنظمات غير الحكومية جهودها على تنمية دول الهجرة، ثم العمل على تعزيز عملية الاندماج في الدول المضيفة.

 
 
 
 
 
 
 
ا ش ا
زر الذهاب إلى الأعلى