آراء

جون بولتون: بايدن ربما قدم تنازلاً انتحارياً لإيران

شدد المستشار الأسبق لشؤون الأمن القومي جون بولتون على أن الإيمان الأعمى المقترن بالجهل المتعمد والمحنك بالغطرسة ليس معادلة للنجاح، كما ستكتشف ذلك قريباً إدارة بايدن.

وكتب في صحيفة “واشنطن بوست” أنه بعد عام على التنازلات الأمريكية المذلة إلى الدولة الإرهابية الأكثر فظاعة على كوكب الأرض، ينهض الاتفاق النووي من الموت. سيسعد هذا الاسترضاء إيران ويشجع كوريا الشمالية ويرضي الصين وروسيا. كما سيصدم إسرائيل وحلفاء واشنطن العرب ويعرض الولايات المتحدة والعالم للخطر.

بايدن يعرض استسلامه
خلال المفاوضات، قلة من المسؤولين في الإدارة علمت بتفاصيل أساسية عن الاتفاق، بينما عرف المراقبون الخارجيون الخطوط العريضة فقط. لم تكن هذه السرية تهدف إلى حرمان الأعداء من معلومات حساسة، بما أن إيران أدركت عرض فريق الرئيس بايدن بالاستسلام، بل لإبقاء مضمونه الكامل بعيداً من الرأي العام الأمريكي. الخوف من رد فعل سياسي ساطع ضد الاتفاق تمتع بأساس جيد؛ سيثور رد الفعل هذا بعد فترة وجيزة، مع الإعلان عن اتفاق وشيك وفقاً للتقارير. في تلك اللحظة، على مجلس الشيوخ تأكيد حقوقه الدستورية في إبرام المعاهدات.

ضربة مميتة
أضاف بولتون أن اتفاق 2015 كان معيوباً بشكل قاتل. لقد تجاهل الدليل الواضح على أن إيران كذبت دوماً بشأن أهداف تصنيع الأسلحة النووية وقد دعمته لاحقاً بيانات ساحقة من الاقتحام الإسرائيلي المذهل لأرشيف طهران النووي. وقلل الاتفاق من أهمية نوايا إيران الاستراتيجية للحصول على أسلحة نووية بصفتها أوهاماً مما شكل ضربة مميتة لأي فرصة هادفة إلى القضاء على تهديدات الانتشار النووي. لم تؤسس مفاوضات ما قبل الاتفاق خط أساس لجهود إيران التسليحية السابقة وتم الكشف مراراً عن أن بنود التحقق الخاصة بالاتفاق غير مناسبة. وبعيداً من تجاهل استمرار تهديداتهم العسكرية التقليدية والإرهابية، عزز اتفاق 2015 وضع الإيرانيين عبر فك تجميد الأصول وإلغاء العقوبات المقيدة لقدرات الحرس الثوري.

الأكثر خطورة
تابع بولتون أن الأخطر من ذلك هو حصول إيران على معاملة أمريكية أفضل مما يحصل عليها أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة الذين يجب عليهم التخلي عن تخصيب اليورانيوم للحصول على تراخيص التكنولوجيا الأمريكية للأغراض المدنية. عبر السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم لتشغيل المفاعلات، تم تمكين إيران من إتمام 70% من العمل المطلوب من أجل تخصيب اليورانيوم لأغراض التسليح. وكانت التأكيدات بشأن تقليص “زمن الخرق النووي” لإيران غير مناسبة بشكل طفولي، مدعية امتلاك الولايات المتحدة معلومات جوهرية عن الأعداد الفعلية وعن تطور سلاسل أجهزة الطرد المركزي الإيرانية. أبعد من هذه العيوب، كانت هنالك أيضاً انتهاكات إيران الخاصة التي فاقمت عيوب الاتفاق.

تنازل انتحاري تقشعر له الأبدان

مع بروز تفاصيل محددة عن الاتفاق المجدد، ستزداد الصورة سوءاً بشكل حتمي. أحد الجوانب الخطيرة بشكل خاص هو “الضمانات المتأصلة” التي تحدثت عنها وكالة رويترز في فبراير (شباط). طالبت طهران بضمانات حيال عدم إمكانية انسحاب أي رئيس أمريكي من الاتفاق في المستقبل. سيكون هذا التنازل غير دستوري وربما انتحارياً. ذكرت الوكالة أن إيران هدأت بعد تأكيدات واشنطن عن “الضمانات المتأصلة”، وهي جملة تقشعر لها الأبدان يمكن أن يتمحور حولها النقاش المقبل.

قصر نظر
سيخاطر بايدن برئاسته بمقدار ما يحاول تقييد خلفائه لصالح إيران. إن تكبيل أيدي الرؤساء المستقبليين من أجل إعطاء أفضلية لإيران سيكون غير مسبوق وخطيراً للغاية في تاريخ إبرام المعاهدات الأمريكية. ليس هذا الأمر مجرد خلاف حول مزايا أحد جوانب الاتفاق، أو الاتفاق نفسه، بل حول مدى استعداد بيت أبيض قصير النظر لتعريض الولايات المتحدة للخطر من أجل إبرام اتفاق وحسب. لو كان بايدن جدياً إزاء منع إيران من التحول إلى قوة نووية فالتهديد بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي يوفر ردعاً قوياً وذا صدقية تامة لمحاولات إيران تقويض الاتفاق مجدداً.

هدف مثالي
أشار بولتون إلى أنه مع إتمام الاتفاق بشكل أساسي، تبرز مسائل دستورية لتوصيف وضعه المناسب. بموجب أي قراءة متجانسة للمادة الثانية من الدستور، يجب على بايدن إحالة هذا الإجراء إلى مجلس الشيوخ كمعاهدة مقترحة لمعرفة ما إذا كان ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ الحاضرين يوافقون عليه. لقد تفرج مجلس الشيوخ على تآكل صلاحياته بشأن المصادقة على المعاهدات طوال عقود، إن لم يكن قد مكنها أيضاً. لكن لا شيء سيوقف أو يعكس هذا التآكل ما لم يقرر القتال للدفاع عن مقاصد واضعي الدستور. إن الاتفاق النووي، وخصوصاً على ضوء قضية “الضمانات المتأصلة”، هو هدف مثالي لتأكيد مسؤوليات مجلس الشيوخ الدستورية.

ما الذي يمكنه فعله؟
إن عدم إرسال الاتفاق إلى مجلس الشيوخ سيضع بايدن في موقع المزدري لدور المجلس في المصادقة على المعاهدات. إذا حدث ذلك فسيتوجب على مجلس الشيوخ استخدام سلطته الدستورية لحجب الموافقة على جميع مرشحي بايدن إلى المناصب القضائية والتنفيذية، إلى أن يغير الرئيس قراره. ستدفع خطوة مجلس الشيوخ إلى تركيز الانتباه على العيوب الجوهرية في الاتفاق النووي المعاد إحياؤه وأخطارها على الرؤساء المستقبليين وعلى البلاد عموماً. إن مطلب تحقق الغالبية الموصوفة لإبرام المعاهدات يعكس الإيمان الراسخ لواضعي الدستور بأن المعاهدات هي خطوات استثنائية للولايات المتحدة ومختلفة جداً عن التشريعات العادية.

ليست قضية سياسية

يجب على النقاش ألا يكون حزبياً، بالرغم من أن بولتون يستبعد ذلك. ويضيف أن مجلس الشيوخ قد يكون منقسماً بالتساوي بين الجمهوريين والديموقراطيين، لكن على الجمهوريين انتهاز اللحظة؛ ربما هنالك ديموقراطي واحد على الأقل يهتم بإجبار الإدارة على إرسال الاتفاق النووي إلى التصويت وفقاً لمقتضى الدستور. هذه قضية حسن إدارة للشأن العام لا قضية سياسية، يختم بولتون.

زر الذهاب إلى الأعلى