تحقيقات ومقابلات

الدنمارك- هل تجلب خسارة الشعبويين سياسة أقل تشددا مع المهاجرين؟

هزيمة اليمين الشعبوي في انتخابات الدنمارك أعطت أملا بمستقبل سياسي أقل تشددا مع موضوع المهاجرين والمسلمين، لكن أجندة الاشتراكيين الفائزين بالانتخابات لا تبشر بذلك، إلا إذا أجبرهم حلفائهم المحتملين على تغييرها.


 

"لا فكرة لدي متى يمكن للحكومة الجديدة أن تتولى السلطة"، هذا كان تصريح رئيس وزراء الدنمارك الليبرالي، لارس لويك راسموسين، عقب استقالته اليوم بعد نتائج الانتخابات العامة التي انتهت بخسارة كبيرة لليمينيين للشعوبيين الداعمين لحكومته. حزب راسموسين الليبرالي حصل على 23.4 من الأصوات، بينما خسر "حزب الشعب" اليميني الدنماركي المناهض للهجرة الدعم له أكثر من نصف أصواته. ولم يحقق سوى 8.7 في المئة مقارنة بنسبة 21.1 بالمائة في انتخابات عام 2015. وقدم هذا الحزب دائما الدعم لحكومات أقلية يمينية متتالية مقابل سياسات هجرة أكثر تشددا في العقدين السابقين.

من جهتها حققت المعارضة الاشتراكية وذات الميول اليسارية  فوزا كبيرا. وقد حصل حزب "الاشتراكيين الديموقراطيين" على أكبر نسبة وهي 25.9 في المائة من الأصوات. ومع هذا الفوز أضحت الأحزاب المحسوبة على اليسار تسيطر على غالبية مقاعد البرلمان. ولكن هذا لا يعني أن الاشتراكيين الديمقراطيين منفتحون على اللاجئين بشكل ملحوظ. فقد اعتمدوا في حملتهم الانتخابية أيضا على تبني الكثير من الأيديولوجية والخطاب المتشدد للأحزاب اليمينية فيما يتعلق باللاجئين، حسب وكالة فرانس برس. ونجح "حزب الشعب" على ما يبدو بدفع السياسة والمجتمع نحو اليمين خلال العقدين الأخيرين. في هذا السياق أقرت الحكومة قانونا لإعادة المزيد من اللاجئين إلى وطنهم، والذي وُصف بأنه "تحول نموذجي" في سياسة اللاجئين واللجوء في البلد الاسكندنافي. ويعني هذا الأمر تركيز سياسة الاندماج على إعادة اللاجئين وترحيلهم  بدلا من دمجهم في مجتمعهم الجديد. 

كيف استعاد الاشتراكيون بعض ناخبيهم؟

كاسبر مولر هانسن، متخصص في الانتخابات وأستاذ العلوم السياسية في جامعة كوبنهاغن يرى بأن هزيمة الشعبويين اليمينيين يوم الأربعاء كانت نتيجة لأجندة كانت غير إنسانية في كثير من الاحيان، فمثلا في الدنمارك يعتبر أمرًا طبيعيًا إرسال جزء من اللاجئين إلى جزيرة غير مأهولة بالسكان، الأمر الذي لا يزال غير وارد في أي مكان آخر. كل ذلك على مرأى الاشتراكيين الديمقراطيين الذين ساعدهم تأييدهم لسياسة صارمة ضد اللاجئين على استعادة الناخبين المناهضين للهجرة والذين صوتوا سابقا لصالح أحزاب يمينية.

"لقد باع الديمقراطيون الاشتراكيون أرواحهم للحصول على السلطة. فعندما يتعلق الأمر بخطابهم عن المهاجرين يمكن لزعيمتهم ميت فريدريكسن أن تكون كذلك زعيماً لحزب الشعب الدنماركي"، يقول محمد كوكتن، 30 عامًا، في لقاء معDW.و أعتاد كوكتن على هتافات أنصار "الحزب اليميني المتشدد/هارد لاين" المعادية للإسلام خلال عشاء رمضان الماضي أمام ساحة دار البلدية في كوبنهاغن. ما جعله يفكر لأول مرة في حياته في الانتقال للعيش في السويد أو في تركيا مسقط رأس والديه. "أنا أحب الدنمارك، لكن شعوري بالهوية يواجه تحديا من خلال التطور السياسي في البلاد. السياسيون الدنماركيون تقريبا يريدون إجبارك على الاختيار بين أن تكون إما مسلما أو دانماركيا".

وينتظر ميت فريدريكسن، زعمية الحزب الاشتراكي الديموقراطي، والمرشحة لتولي منصب رئيسة الوزراء المقبلة، مفاوضات صعبة حول تشكيل حكومة أقلية مدعومة من قبل الحلفاء اليساريين مع العديد من المطالب المتباينة بشأن سياسة المناخ والاقتصاد والهجرة. من المتوقع أن يضغط عليها حلفاؤها اليساريون بشدة لقبول بعض مطالبهم مقابل دعمهم لها. وهو الأمر الذي يراه أيضا عالم السياسة بجامعة روسكيلد فليمنج، جول كريستيانسن، في تصريحه لوكالة فرانس برس، إذ قال: "ستكون هناك مفاوضات مكثفة وصعبة حول شروط السماح لميت فريدريكسن بتولي رئاسة الوزراء".

اليمين المتطرف والصعود على سلم الشهرة

السؤال هنا، كيف يصعد نجم اليمين في الدنمارك التي شهدت مؤخرا ازديادا في حدة أصوات الأحزاب اليمينية المعادية للإسلام؟ منذ سنوات يلعب حزب الشعب الدنماركي دورا هاما في الحياة السياسية الدنماركية. غير أن هذا الدور تراجع بسرعة مع نجاح أحزاب أخرى بالمزايدة عليه من خلال تبنيها أجزاء من اجندته المعادية للمهاجرين. يضاف إلى ذلك أن أكثر من نصف الدنماركيين يرون اليوم بأن على الحكومة المقبلة إعطاء الأولوية للمناخ بدلا من الهجرة. لكن تراجع الحزب المذكور يترافق مع ظهور حزبين أكثر تطرفا منه وهما "الخط المتشدد" و "اليمين الجديد". وإذا كان "اليمين الجديد" فاز بنسبة 2.3 بالمائة من الأصوات وهي نسبة تؤهله لدخول البرلمان، فإن الحزب الآخر "الخط المتشدد" لم يفلح في ذلك. 

حتى عهد قريب على سبيل المثال لم يكن يسمع كثير من الدنماركيين بالحزب اليميني المتطرف "هارد لاين الخط المتشدد" الذي تزداد شعبيته بسرعة. لكن وبعد الضجة التي أحدثها زعيم الحزب راسموس بالودان من خلال تنظيمه مظاهرة مناهضة للإسلام في أبريل/نيسان الماضي في حي نوربرو في كوبنهاغن المتنوع عرقيًا، والتي أدت إلى اشتباكات عنيفة بين المحتجين والشرطة، تمكن من جمع 20 ألف توقيع رقمي من الناخبين.

"أخيرا عبر أحد السياسيين عن رأيه فيما يتعلق بالإسلام واتخذ موقفًا صارمًا من قضية الهجرة". يقول رينيه ستروف، البالغ من العمر 51 عامًا، والذي يعمل متعاقدًا للهدم في كوبنهاغن. مع صعود حزب "هارد لاين" و حزب "اليمين الجديد" اليميني المتطرف الآخر، أصبح النقاش حول الهجرة في الدنمارك سائدًا أكثر من اي وقت سابق. يذكر أن محكمة دنماركية قضت بالحكم على بالودان بتهمة العنصرية، في أبريل/نيسان الماضي، بعد أن قال إن الأشخاص ذوي البشرة الداكنة/السوداء من جنوب إفريقيا أقل ذكاءً. وفي شريط فيديو مسجل يعود إلى ديسمبر 2018 قال بالودان: "العدو هو الإسلام والمسلمون. والأفضل عدم وجد أي مسلم على وجه الأرض".

وينفي ستروف، الذي صوت خلال الخمسة عشر عامًا الماضية لصالح "حزب الشعب" الدنماركي اليميني، كرهه للمسلمين حيث يضيف في لقاء مع DW:  "أنا لست عنصريًا، ولا أكره المسلمين. إنهم بشر مثلي تمامًا، ولكن انا لا أحب ثقافتهم وسلوكهم. فالمسلمون يتوقعون في كثير من الأحيان أن يتكيف المجتمع الدنماركي مع عاداتهم، وليس العكس". ويشكو ستروف من أن العديد من الأماكن توقفت عن تقديم لحم الخنزير وأن بعض المسلمين يرفضون مصافحته. وبسبب تقارير الجريمة التي تفيد بأن عصابات عناصرها من مهاجرين تقف ورائها، يقول ستروف: "أشعر بالخوف من جماعات المسلمين. التعددية الثقافية لا تعمل في الواقع. المسلمون لا يحترمون الأعراف والقيم الدنماركية مثل حرية التعبير".

انَي صوفي/dw/ وكالات

 

شاهد بالفيديو: السويد تحتفل بمواطنيها الجدد الحاصلين على الجنسية

 

زر الذهاب إلى الأعلى