كشف المستور

ما قصة “الصحفي الجاسوس” في السويد.. ولماذا يحاول “عملاء طهران” إستهداف صحيفة “يورو تايمز”؟ ومن يقف وراء التهديدات بقتل رئيس تحريرها وعائلته ؟

د. علي الجابري

 

إغتيال الاخ الصديق الشهيد هشام الهاشمي بعد تلقيه تهديدات صريحة بالقتل خلال الفترة الماضية من قبل عملاء إيران في العراق، بعد كشفه ملفات خطيرة تمس عصب الدولة العميقة التي تحكم العراق، يؤكد ان هؤلاء القتلة المتعطشين للدم، لن يتوقفوا عن تنفيذ التهديدات التي يطلقونها ضد كل من يعارض مشروع "ملالي طهران" التوسعي في العراق والمنطقة..

هذه الجريمة حفزتني للكتابة عن حجم التهديدات التي تواجهنا كصحفيين ومعارضين للاحتلال الايراني للعراق، ولسطوة عملائها في داخل وخارج العراق.. فالجريمة درس لنا جميعاً لنؤشر على قتلتنا المحتملين، لكي لا تسجل الجريمة ضد مجهول!! لانني أو غيري من الاصوات الحرة ، قد نكون الشهداء القادمين ، ويتوجب علينا ان نكشف للعالم حقيقة التهديدات التي نتعرض لها من قبل عملاء النظام الايراني.. 

وهنا سأكشف ما تعرضت له شخصياً ، والظروف والملابسات التي دفعتني لكشف التفاصيل الان وليس في وقت سابق..

 

آخر المطاف.. الشهادات الوهمية لاحزاب السلطة

 

قبل إسابيع قررت فتح ملف احدى الجامعات الوهمية في الدنمارك ، وهي ما تسمى ب"أكاديمية البورك للعلوم" التي يرأسها المدعو طلال النداوي، حيث كنت قد أكتشفت حقيقتها قبل سنوات عندما طلب مني العمل رئيساً لقسم الاعلام فيها، وبدأت تجربتي بإجراء مناقشات للماجستير والدكتوراه في يوم واحد، كان كفيلاً بإكتشاف حقيقة هذا "الاكاديمية" التي خُدِعتُ بها ، بسبب الاسماء الاكاديمية المعروفة التي كانت محسوبة عليها، لكن إتضح لاحقاً ان لا اعتراف رسمي فيها،  وهي ليست سوى جامعة وهمية، وكشفت الكثير من تفاصيلها في تقارير سابقة نشرت في صحيفة "يورو تايمز"..

قررت فتح هذا الملف لان هذا الدكان الوهمي تمادى بمنح شهادات الدكتوراه والماجستير للوزراء والمسؤولين العراقيين ، ولقياديين في احزاب السلطة وميليشياتها، وخاصة حزب الدعوة العميل وميليشيات بدر الموالية لنظام طهران الارهابي.

ما أن فتحت هذا الملف حتى بدأ هجوم خسيس يعبر عن قذارة الاشخاص الذين يقفون خلفه، حيث قاموا بتلفيق إتهامات يمكن ان تؤدي بأي شخص الى القتل او التعرض لمخاطر تهدد حياته وحياة عائلته.. ف "رئيس الاكاديمية" الوهمية لم يدافع عن نفسه بطريقة اخلاقية أو علمية تثبت موقفه، بل عمد الى توزيع منشورات تتهمني بالتجسس لصالح النظام الايراني وقتل المعارضين لنظام طهران في اوروبا، وأدعى ان صحيفة "يورو تايمز" أسستها ومولتها ايران، وان هناك جاسوس صحفي اعتقلته المخابرات السويدية، اعترف على انه شريكي في العمل ، لكن المخابرات السويدية لم تعتقلني!! تخيلوا .. شخص عليه اعترافات وادلة ويترك طليقاً منذ سنة ونصف؟! 

وبالطبع لم يجرؤ هذا النكرة ان يضع اسمه على المنشور الذي حاول من خلاله التحريض ضدي بطريقة قد تؤدي الى قتلي او قتل احد افراد عائلتي!! وحاول الاساءة لسمعتي للتغطية على فضيحة "أكاديمية البورك" المزعومة، وللتغطية على علاقاته المشبوهة بأحزاب السلطة وميليشياتها في العراق، ليتناغم دوره مع التهديدات التي كانت تصلني وتصل لافراد عائلتي من قبل حزب الدعوة العميل وميليشيات بدر وغيرها من الميليشيات الموالية لنظام طهران!!

هذا الاتهامات التي اطلقها المدعو طلال النداوي واتباعه من الميليشياويين والعملاء السريين كشفت أحد خيوط التهديدات التي تصلني منذ السنة الماضية ، وطالت أفراد عائلتي، وتعلم بها وتراقبها المخابرات والشرطة السويدية منذ المحاكمات التي جرت للصحفي الذي ادين بالتجسس العام الماضي لصالح النظام الايراني.. فما قصة هذا الجاسوس، وما علاقته بي، ولماذا يحاول عملاء طهران الاساءة لي لتشويه سمعتي وسمعة الصحيفة التي أديرها بعد انفضاح أمر الجاسوس الذي جندوه للعمل لمصلحتهم؟

 

القبض على الجاسوس!

في يوم 27 فبراير 2019 اعلنت المخابرات السويدية اعتقال صحفي عراقي في السويد بتهمة التجسس على المعارضين الاحوازيين في اوروبا لصالح النظام الايراني، وقال بيان المخابرات السويدية ان المتهم خضع لمراقبة دقيقة لمدة عام كامل ، وتم جمع الادلة والوثائق الكاملة التي تدينه، وبدأت التحقيقات معه.. 

بعدها بيومين تلقيت اتصالاً من جهاز المخابرات السويدية ، حيث طلبوا مني تحديد وقت لزيارتي في مقر الصحيفة، لان لديهم بعض الاستفسارات حول الصحفي المذكور وطبيعة عمله في الصحيفة.. والمتهم كان يعمل معنا في الصحيفة "عملاً تطوعياً" وليس موظفاً رسمياً في الصحيفة ، وكانت لديه وظيفة أخرى.. 

بعد الاتفاق على موعد للزيارة وكان بعد يومين من الاتصال الهاتفي الذي تلقيته، إستقبلت ضابطين من المخابرات السويدية في مكتبي، وكانت لديهم بعض الاستفسارات حول المتهم، وفي ذلك اللقاء عرضوا عليَّ بعض الوثائق والمحادثات التي حصلوا عليها نتيجة المراقبة المستمرة له لمدة عام كامل.. 

كانت هناك وثيقة تتعلق بمحادثة عبر برنامج الوتساب بين المتهم ومسؤول عنه يبدو انه الشخص الذي قام بتجنيده ، وتولى المتابعة معه، كانت المحادثة تتعلق بي شخصياً، حيث كان مسؤوله الذي اعرف اسمه وهو قيادي معروف في حزب الدعوة العميل في العراق، ومن الاشخاص الذين قضوا حياتهم في ايران ، كان يحاول جمع معلومات عني، على خلفية مشكلة كبيرة حدثت بين صحيفتنا وبين اعضاء حزب الدعوة في السويد، وصلت الى رفع شكوى ضدهم في الشرطة السويدية.. 

كان مسؤوله الذي يتحدث معه من العراق يتهمني بإنني "بعثياً" و "ضد التغيير" الذي حصل في العراق، ويطلب منه ان لا يقف ضد اعضاء حزب الدعوة في السويد لانهم "مناضلين" منذ ان كانوا معه في طهران!! ويقول له حاول ان تظهر انك ضد حزب الدعوة لكن بحدود معينة لا تتجاوزها، لكي تقنعهم وتقنع الاحوازيين انك ضد ايران!!

كانت هذه الوثيقة تمثل مفاجأة لي ، ليس لانني لم اكن ادرك خسة وقذارة عملاء ايران من حزب الدعوة ، بل لانني كنت اتحدث عن كل ما سأقوم به لمواجهة تخرصات حزب الدعوة ومؤامراته وسرقاته التي وصلت الى السويد أمام هذا "الجاسوس" الذي إتضح انه على علاقة خفية بحزب الدعوة وايران؟!

بعدها أُحِطتُ علماً بالكثير من التفاصيل والادلة التي حصلت عليها المخابرات السويدية ، وكانت لا تعد ولا تحصى، بالصور والفيديوهات والتسجيلات الصوتية التي تدين المتهم، وكل الاطراف الاستخبارية التي كانت تتواصل معه من ايران والعراق ، وزياراته المتكررة الى العراق وطهران.

ما أن انتهت المقابلة ، شكرني ضابطي المخابرات وإستئذنا بالمغادرة على أمل التواصل لاحقاً حول أي جديد، وعند الباب الخارجي لمكتب الصحيفة ، قال لي أحدهما ما نصه : "يا دكتور نحن نعلم انك صحفي وتبحث عن السبق الصحفي والمعلومة ، لكننا أمام قضية كبيرة مازالت قيد التحقيق، وهناك أشخاص مسؤولين عن المتهم وردت اسمائهم في التحقيقات مازالوا طلقاء، وليس من مصلحة التحقيقات نشر وكشف أية معلومات حول القضية، ونرجو منك ان لا تنشر او تخبر أي أحد بالتفاصيل التي تحدثنا عنها، فكان لهم ما طلبوا.

 

التهديدات التي سبقت المحاكمة

 

بعد أشهر من التحقيقات ، تم تحديد موعد لمحاكمة المتهم الجاسوس، وطلبت مني المخابرات السويدية ، الحضور كشاهد في المحاكمة ، بناءاً على طلب المدعي العام، لتوضيح بعض الحقائق الى هيئة المحكمة.. تزامن هذا الطلب مع تهديدات كثيرة بدأت تصلني، بعضها كان تهديدات بالقتل و "قطع الرأس"، ونشرت صورتي في بعض المواقع الموالية لنظام طهران، تتوعد بتصفيتي قريباً، وكنت أعتقد ان التهديدات تنطلق من العراق وبعيدة عني، وليست سوى محاولة لاسكاتي!! لكن هذه التهديدات وصلت الى زوجتي ، وإبنتي، عن طريق الاتصال الهاتفي بأرقام "سرية" ، حيث تتوفر خدمة حجب رقم المتصل في شبكات الهاتف السويدية، وهنا أبلغنا جهاز المخابرات السويدية بالتهديدات، وتم تشكيل لجنة للتحقيق فيها، وطُلِبتْ موافقة زوجتي للاطلاع على الاتصالات الهاتفية الواردة اليها في اليوم الذي تلقت فيه التهديد، حيث يحظر القانون السويدي ان تطلع الاجهزة الامنية على الاتصالات الهاتفية ، الا بموافقة الشخص نفسه ، او بقرار قضائي بالنسبة للمتهمين.

بعد ذلك ، كان قرار المخابرات السويدية ان هناك تهديدات جدية تطالني وتطال عائلتي ، وتم اتخاذ بعض الخطوات الامنية لحمايتي، وتحويل الملف الى جهة امنية خاصة معنية بحماية الشخصيات التي تتعرض للخطر، كما طُلِب مني ان يحضر فريق حماية لمرافقتي الى قاعة المحكمة للادلاء بشهادتي ، وعدم الحضور بمفردي، حيث كان هناك احتمال استهدافي لمنعي من الادلاء بشهادتي في القضية!! 

وبالفعل حضرت للإدلاء بشهادتي في المحكمة يوم 22 تشرين الثاني 2019، وهنا لا أود الخوض ببعض التفاصيل التي دارت حفاظاً على السرية، وتم ادانة المتهم بالتجسس على عدد من المعارضين الاحوازيين ، وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين ونصف، حيث صدر الحكم في الاسبوع الثاني من كانون الاول 2019.

 

ما بعد المحاكمة

 

بعد انتهاء المحاكمة ، بقي ملف التهديدات التي اتعرض لها أنا وعائلتي مفتوحاً الى الآن، حيث قامت الجهة المعنية بالمتابعة معي، والطلب مني إحاطتها علماً بكل تحركاتي داخل السويد، لتقدير درجة الخطر التي يمكن أن أتعرض لها من قبل عملاء ايران، الذين يسعون للإنتقام، ولا يوجد مجال لذكر تفاصيل أكثر في الوقت الراهن، حتى الوصول الى الخلايا النائمة التي تتحرك وتهدد وتتواصل مع نظام طهران الارهابي لقمع الاصوات المعارضة..

 

العملاء يفضحون أنفسهم

 

بعد أن قمنا بفتح ملف الجامعة الوهمية في الدنمارك، التي قامت بمنح وزراء وقادة ميليشيات مسلحة موالية لإيران في العراق، فوجئنا بحملة شعواء يطلقها هؤلاء لاتهامنا بالتجسس والتخطيط للقتل والعمالة لإيران في محاولة للإساءة لي وللصحيفة، بعد أن انكشف أمر الجاسوس التابع لهم، ووجدوها فرصة للإساءة للصحيفة، وأدّعو ان المخابرات السويدية اغلقتها قبل سنة، وان رئيس تحريرها سجلت اعترافات ضده،  لكن المخابرات السويدية أطلقت سراحه بكفالة!! تخيلوا جاسوس مدان ويطلق سراحه بكفالة!!

هنا بدأ يتكشف لي احد الخيوط الخفية المرتبطة بالميليشيات الموالية لنظام طهران، حيث ان هذه "الاكاديمية الوهمية" توزع شهادات الدكتوراه والماجستير لرموز السلطة الموالين لايران، وكان لابد من إسكاتي بأية طريقة لكي لا افضح "الحديقة الخلفية" لاحزاب السلطة العراقية في أوروبا ، وكيف يحصلون على شهادات وهمية عليا، وهي في الوقت نفسه تعتبر فرصة إستثمارية تدر عليهم ملايين الدولارات من خلال بيع شهادات وهمية لا أساس لها، واغلب هذه المبالغ لم تدخل بشكل رسمي في البنوك الدنماركية، ما يفتح التساؤلات حول مصير هذه الاموال المشبوهة ؟!

تحرك صاحب الدكان الوهمي ومن يسانده، دفعني لاكتشاف خيوط قد ترتبط بالتهديدات التي كنت أتلقاها أنا وأفراد عائلتي.. وتهديداتهم سوف تكون في عهدة الاجهزة الامنية التي تتولى التحقيق في ملف التهديدات التي اتعرض لها انا وعائلتي منذ أكثر من عام، وهناك الكثير من التفاصيل التي لا أود الكشف عنها في الوقت الحالي حتى معرفة من يقف وراء هذا الحملة التي بدأت بمحاولة تسقيطي "وطنياً وإنسانياً وأخلاقيا"، تمهيداً لهدر دمي او احد افراد عائلتي.. 

وفي وقت سابق كنت قررت عدم الكتابة حول هذه القضية حتى انتهاء التحقيقات وكشف عملاء نظام طهران الذين يلاحقوننا في السويد، الا انني آليت ان اكتب جزءاً مما جرى ليطلع الجميع على خسة وعمالة بعض ذوي النفوس المريضة التي تحاول الاساءة لكل صوت يصدح بالحق!! 

وما إغتيال الاخ الصديق هشام الهاشمي رحمه الله ، الا صدمة كبيرة دفعتني للكتابة وكشف الحقيقة، لكي لا أكون يوماً ما رقماً في سجل ضحايا عملاء طهران دون معرفة اليد الآثمة والخسيسة التي تستسهل قتل البشر مقابل حفنة من الدنانير، خاصة وان عملاء طهران أثبتوا خستهم، وعدم ترددهم للحظة في تصفية من يخالفهم الرأي.. 

وما المنشورات والتهديدات التي إستهدفتني عند كشف ملف "اكاديمية البورك الوهمية" إلا دليل على خسة خصومنا، ودليل على عدم ترددهم في تنفيذ تهديدات بالقتل والتصفية!! خاصة عند كشف فضائح تمس وجودهم ووجود الدولة العميقة التي تتحكم بمصير العراق، وتهدد نفوذ نظام الملالي في المنطقة، وتكشف عملائه.

وهذه وثيقة للتاريخ لتعرفوا من يستهدفني أنا وعائلتي !! اللهم اني بلغت.. اللهم فإشهد..

 

* رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز السويدية الناطقة بالعربية

 

 

بالوثائق.. هذه حقيقة الاكاديمية الوهمية التي تبيع شهادات الدكتوراة الوهمية على الوزراء والمسوولين العراقيين

 

أقرأ أيضا: بالوثائق.. فضائح جديدة لأكاديمية البورك للعلوم الوهمية في الدنمارك.. رئيس الاكاديمية يمنح "أوسمة وأنواط" للمسؤولين العرب ولم يكتف ببيع الشهادات الوهمية

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى