“المحاكم الشرعية” في أوروبا وروسيا
دخل الإسلام إلى أوروبا في القرن الثامن الميلادي، مع دخول العرب إلى الأندلس في عهد الدولة الأموية، وتوسع إلى القفقاز والبلقان خلال العصور اللاحقة، حيث تسمى "أوروبا المسلمة"، وازدادت أعدادهم كثيرا بعد موجات الهجرة التي اجتاحت أوروبا بعد الربيع العربي، حتى أصبحوا يشكلون 6 في المئة من عدد سكان القارة العجوز.
ويعاني معظم السكان مع التأقلم والاندماج في مكانهم الجديد، لينغلقوا ويكونوا مجتمعات خاصة بهم، وأقاموا نظامهم القضائي المستقل والمتمثل بالمحاكم الشرعية، التي تلاقي معارضة في بعض بلدان أوروبا، وتساهل من جانب الحكومات في بعضها الآخر.
ألمانيا تعتمد المحاكم الشرعية رغم المعارضة
في ألمانيا يتولى ما يقارب من 500 قاض شرعي حل النزاعات المدنية بين المسلمين عبر البلاد، وخصوصا فيما يتعلق بمسائل الزواج أو الطلاق أو الميراث، وتتسامح التشريعات الألمانية مع المحاكم الاسلامية المنبثقة عن
الجمعيات الإسلامية الكبرى عندما يكون طرفا النزاع مسلمين وقابلين أو راغبين بتوفير حل من الشريعة الإسلامية ليكون ملزما للطرفين.
لكن هذا التسامح يبدو في نهاية عهده، حيث يعترض الكثير من السياسيين على القوانين الفقهية التي تغبن حق المرأة،
ومنهم وزير العدل هايكو ماس، الذي صرح بعدم أحقية أي شخص أن يضع قيمه الثقافية أو معتقداته الدينية في مرتبة أعلى من القوانين الألمانية، حيث يجب على الجميع الالتزام بالقانون، بصرف النظر عما إذا كانوا قد ترعرعوا في هذا البلد أو وصلوه للتو.
المحاكم الشرعية مرخصة في المملكة المتحدة
وفي بريطانيا يكفل القانون للمسلمين اللجوء إلى المحاكم الشرعية، في حال ارتضى الطرفان، حالهم حال جميع الأقليات في المملكة المتحدة، حيث يتواجد ما بين 50 — 80 محكمة شرعية، تتولى حل النزاعات بين المسلمين،
وعلى الرغم من أن الأمور تسير بشكل مقبول لفترة طويلة، إلا أن الحكومة البريطانية قررت إجراء مراجعة شاملة لعمل جميع هذه المحاكم، ضمن استراتيجية الحكومة لمكافحة التطرف، وبعد الدعوات العديدة من منظمات حقوق
المرأة، التي تعتبر أن هذه المحاكم لا تعترض على العنف ضد المرأة وتنتقص من حقوقها.
المحاكم الشرعية ممنوعة في فرنسا
وعلى الرغم من أن الجالية المسلمة في فرنسا تعتبر الأكبر في أوروبا، إلا أنها لم تسمح بإقامة أي محكمة شرعية على أراضيها، وتأخذ بنص القانون الديني فقط في حال موافقتها للقانون الفرنسي، حيث أنها تلتزم بمبدأ العلمانية والحيادية
تجاه جميع الأديان، بإقصاء الدين عن الدولة وعن جميع مؤسساتها، لكن بعض المسلمين يلجأون إلى أئمة المساجد المنتشرة، للفصل في بعض الخلافات في حال رضى الطرفين، دون الرجوع للقضاء الفرنسي.
المحاكم الشرعية في روسيا منعت وسمحت عدة مرات
يعتبر المسلمون جزءا أساسيا من التركيبة الديموغرافية لروسيا، ويشكلون أكثر من 10 في المئة من تعداد السكان ما بين 15-20 مليون، وطالما حكمتهم قوانينهم وشريعتهم الخاصة بهم، حتى بداية العهد السوفيتي، حيث حاولت
السلطات التوصل إلى حلول وسط مع المسلمين، واصلت المحاكم الشرعية والمحاكم التي تصدر إحكامها وفقا للعادات والتقاليد، عملها في القوقاز وآسيا الوسطى في العشرينيات، على الرغم من إنشاء محاكم حكومية، لكنها عاودت
ومنعت هذه المحاكم في عشرينيات القرن الماضي.
وبعد الحرب العالمية الثانية أعطى الاتحاد السوفيتي بعض الحرية للمسلمين، وتشكلت أربع هيئات لإدارة شؤون المسلمين والنظر في أمورهم، دون الفصل في القضايا بين المتخاصمين، حتى نهاية الحقبة السوفيتية، إذ عادت
المحاكم الشرعية إلى الظهور في المجتمعات الريفية في شمال القوقاز، ومن ثم تم سحب المادة التي تجرم هذا النوع من المحاكم، وفي ديسمبر/كانون الأول من عام 1997 تم إصدار قانون يلزم قضاة الصلح بالأسترشاد بقواعد العادات والشريعة.
وتعمل المحاكم الشرعية في بعض المناطق بشكل غير رسمي، حيث لا تكون قراراتها ملزمة، ولا يمكنها فرض أي عقوبات، بل تكون عبارة عن محاولة لحل الخلاف قبل الوصول إلى محاكم الدولة، وتشكل النساء اللواتي يشعرن
بالظلم من قبل أزواجهن 90 في المئة من المتقدمين إلى المحاكم، كما يوجد بعض النزاعات الإقتصادية والتجارية بين رجال الأعمال.
ويجري العمل حاليا على إيجاد صيغة لتشريع عمل هذه المحاكم، ووضعها تحت رعاية السلطات الرسمية، مع وجود معارضين ومؤيدين لها، حيث يعتبر المؤيدون أن هذه المحاكم ستساعد الدولة في حل الكثير من الخلافات، وأنها تسهل
حياة المسلمين في روسيا، بينما يصفها المعارضون بأنها من مخلفات القرون الوسطى، وأن القضاة فيها غير مؤهلين وأكفاء.
ر.خ/sputnik