كيف ستتعامل أوروبا مع معضلة عودة المقاتلين الأجانب؟
لا ينقطع ولا يتوقف الحديث والجدل حول مصير المقاتلين المتطرفين الذين انضموا إلى تنظيم داعش أثناء فترة حكمه لمناطق واسعة في سوريا والعراق، المقاتلون الغربيون والأوروبيون تحديداً يشكل مصيرهم نقطة خلاف وحيرة سياسياً وأمنياً وشعبياً في أوروبا، وأحدث الأمثلة الفتيات البريطانيات الثلاثة اللاتي التحقن بالتنظيم وهن مراهقات ويحتدم الجدل الآن في المجتمع البريطاني إن كان يجب قبول عودتهن ومحاكمتهن أم لا ويشمل جميع الإشكالات القانونية المرتبطة بالحالتين.
الآن ومع إعلان قوات سوريا الديمقراطية معركتها الأخيرة ضد التنظيم في آخر جيوبه في البلاد، ومع قرار الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا وتغيير استراتيجيتها بسبب ما تراه هزيمة للتنظيم، تزداد الأسئلة إلحاحاً.
أكثر من 40 ألف مقاتل انضموا إلى التنظيم في فترة خمس سنوات بحسب المفوضية الأوروبية، يعتقد أن 5000 منهم قدموا من أوروبا.
كيف تتعامل وستتعامل أوروبا مع هذا الواقع خاصة في ظل نداءات واشنطن لإعادة كل بلد لمواطنيها ومقاضاتهم؟
في بادئ الأمر أدارت الحكومات الأوروبية ظهرها للمشكلة بشكل عام، إلا أن بعض الدول أخذت تعيد النظر في مواقفها خاصة بعد التشجيع الأمريكي.
أصبحت جمهورية شمال مقدونيا أول دولة أوروبية تقوم باستعادة ملفتة لمواطنيها، حيث أعادت وقاضت سبعة مقاتلين في أغسطس 2018.
وفي يناير / كانون الثاني، قالت فرنسا إنها تفكر في إعادة 130 رجلاً وامرأة إلى وطنهم، لكن بعد مرور شهر، لم يُحرز أي تقدم على الإطلاق..
ألمانيا، التي في رصيدها الكثير من المقاتلين الأجانب، تقول إنها تراقب القضية الفرنسية عن كثب، وقالت وزارة الخارجية الألمانية في بيان صدر في نوفمبر / تشرين الثاني "إن الحكومة الفيدرالية تدرس جميع الخيارات المتاحة لعودة المواطنين الألمان".
ويرى خبراء أن هذا التردد ينبع من أن الكثير من الأدلة ضد المقاتلين العائدين قد لا تصمد في المحكمة أو قد تكون حتى بلا قيمة، وأحياناً قد يكون من الصعب إيجادها من الأساس.
وفي حين تبدو أوروبا غير مهتمة بالقضية، هناك شيء واحد في حكم المؤكد وهو خضوع أي مقاتل يعود من تلقاء نفسه للمحاكمة.
وقال وزير الأمن البريطاني بن والاس لوسائل الإعلام البريطانية يوم الخميس إن "كل من يخرج للقتال أو دعم منظمات مثل [داعش] … يجب أن يتوقع تحقيقاً، وعلى الأقل يجب أن يتوقع خضوعه للمحاكمة."
ويحتدم الجدل الآن في بريطانيا حول ما إذا كان خيار تجريد المقاتلين من جنسياتهم قراراً قابلاً للتنفيذ.
وأفادت وزارة الداخلية الألمانية هذا الشهر بأن ثلث مواطنيها البالغ عددهم ألف، الذين يعتقد أنهم انضموا إلى داعش في العراق وسوريا منذ عام 2013 قد عادوا، وقد تمت مقاضاة العديد من هؤلاء أو إخضاعهم لبرامج إعادة تأهيل.
هل التعامل سيكون نفسه مع من لم ينخرط في القتال كذلك؟
قامت وسائل الإعلام بإجراء العديد من المقابلات مع أوروبيين كثير منهم من النساء، ممن غادروا للالتحاق بالتنظيم والآن يريدون العودة زاعمين أنهم لم يشاركوا في القتال.
أحدثهم البريطانية شيماء بيغوم التي قالت إنها غير نادمة على ما فعلته ولكنها تريد العودة إلى بريطانيا خوفاً على سلامة ابنها الذي لم يولد بعد.
كما أجرت كل من فرنسا وبلجيكا مقابلات مع رعاياها ، الذين أعربوا عن رغبتهم في العودة إلى ديارهم ، في حين أجرت وكالة فرانس برس مقابلة مع صانع أحذية ألماني ، أصر على أنه لم يشارك في القتال.
ويقول خبراء إن هذه الادعاءات شائعة، ولا يمكن اعتبار النساء بريئات دائماً فبعضهن عملن في الشرطة الشرعية وفي التجنيد، لكن لصعوبة إثبات هذا يبقى السؤال إن كان منح فرصة ثانية مطروحاً أم لا.
ويرى الخبراء أيضاً أن حتى أولئك الذين لم يقاتلوا، فإن وجودهم كأجانب منح دعاية التنظيم جرعة دعم كبيرة وانتصار معنوي ودعائي.
معضلة إعادة الأطفال
بالنسبة لأوروبا، يبدو أن إعادة الأطفال إلى الوطن هي الأولوية والخطوة الأكثر إلحاحاً.
في تشرين الأول /أكتوبر، قالت فرنسا إنها تعمل على خطط لإعادة الأطفال الذين يولدون لمقاتلين أجانب، في بلجيكا، تم تقسيم سياسات إعادة الأطفال إلى فئات عمرية.
وفقاً للتقارير، فإن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات لديهم الحق في العودة فوراً إلى بلجيكا، في حين أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 18 عاماً سوف يتم التدقيق بحالاتهم كل حالة على حدة.
غير أن الحكومة البلجيكية تعهدت بالطعن على حكم قضائي صدر في كانون الأول/ ديسمبر وأمر بإعادة 6 أطفال وأمهاتهم إلى وطنهم.
وقال تقرير لإلباييس إن إسبانيا عملت للمساعدة في إعادة عائلات مقاتلي داعش، وذهبت إلى حد دفع فاتورة المرشدين لنقلهم من مناطق الصراع إلى تركيا.
كما تفيد روسيا بأنها أعادت لأراضيها أطفالًا ولدوا لأعضاء داعش الروس.
في حين أن هذا يبدو علامة على تقدم أوروبي في هذا الملف، لا يزال هناك تردد كبير، مصدره الخوف من الضغوط لإعادة الأمهات وباقي أفراد العائلة في عودة الأطفال، قد تصل حد الضغط لإعادة المقاتلين أنفسهم.
وتبقى العودة جزءاً واحداً، وقد يكون يسيراً أمام تحديات ومراحل أخرى ستواجه أوروبا كإعادة ادماج العائدين في المجتمع، وتحدي الوصمة التي ستلاحق العائدين، خاصة الأطفال. الأمر الذي بدأت تعمل عليه الكثير من المنظمات والمؤسسات لوضع خطط وسياسات لتحقيق ذلك بطريقة ممنهجة وفعالة.
يورو نيوز /ر.خ