هنا اوروبا

كيف يعيش المراهقون المسلمون في سويسرا؟

ما هي طبيعة التحديات التي يواجهها الشباب المسلم وما هي اهتماماته وكيف يمكنه الجمع بين الحياة وفق الدين الإسلامي والاندماج في مجتمع غربي ليبرالي؟ توغبا شوسمان تتحدث من واقع تجربتها كأخصائية اجتماعية عن مشاكل وأسرار الشباب المسلم في سويسرا وهمومه المرحلية.

توغبا شوسمان، شابة من أصول تركية مسلمة، لم تدرس العلوم الإسلامية ولا ترتدي حجابا وكامرأة ليس لديها ربما ذات النفوذ الذي يتمتع به الأئمة والدعاة، لكن هذا لم يمنعها من تقديم ورشات عمل لطلاب المدارس تحت عنوان  "نادي النقاش الإسلامي" أو "Islamic discussion club". في هذا المنتدى الفريد من نوعه في سويسرا يتم التطرق إلى كل المواضيع التي تشغل بال المراهقين وتشكل في بعض الأحيان هاجسا لهم.

وجهت إلى توغبا في بداية حديثنا سؤالا مباشرا " هل يمكنكِ فعلا الدخول في نقاش مفتوح والإجابة على كل سؤال شائك يطرحه الطلبة عن الهوية والدين والتطرف والاندماج في المجتمع السويسري؟".

تضحك توغبا وتقول "أتوقع دائما زيارة آباء غاضبين ينددون بمناقشاتي مع أبنائهم، لكن هذا لم يحدث حتى الآن" وتواصل الحديث في نبرة واثقة دون أن تفارق الابتسامة وجهها "وظيفتي كأخصائية اجتماعية تتيح لي الوصول إلى الشباب المراهق ومعرفة تفاصيل حياتهم واهتماماتهم وأمور قد لا يعرفها الأهل وبالتالي لا يمكنهم التعاطي معها وهذا يمنحني ميزة خاصة وقدرة أفضل على فهمهم والنقاش معهم".

فكرة نادي النقاش الإسلامي بدأت كوسيلة لحماية المراهقين المسلمين من التطرف، حيث تعتمد دورة النقاش على المصارحة ومبدأ المشاركة بمعناها الحقيقي، إذ يتم تحديد المواضيع في أول جلسة باقتراح التلاميذ القضايا، التي يودون التطرق إليها. اللافت أن التجربة أثبتت أن التطرف والإرهاب في ذيل قائمة اهتمام التلاميذ المسلمين وأن أكثر ما يثير اهتمامهم هي المواضيع التي تهم المراهقين عموما في سويسرا وفي أي مكان في العالم وتحديدا " الحب والجنس الآخر وما هو المسموح والممنوع"، كما توضح الإخصائية الاجتماعية توغبا شوسمان.

"التصور حول الجنة والنار والأدعية التي قد تساعدهم في الحصول على مقعد دراسي أو الصلاة من أجل شفاء شخص عزيز عليهم وقبل كل شيء الحب والزواج وما هو حلال وحرام في العلاقات مع الجنس الآخر، كلها مواضيع تتصدر اهتمام التلاميذ في هذه المرحلة العمرية". وتضيف شوسمان أن هدف نادي النقاش ليس تغيير وجهات نظر التلاميذ، بل دفعهم إلى التفكير والنقد وطرح الأسئلة وإعادة التفكير في المسلمات. أما الشيء الثابت، الذي يتأكد منه المشارك في "نادي النقاش الإسلامي" عموما أنه لا يوجد فهم واحد للدين الإسلامي وأن هناك اختلافا بين التلاميذ وأن هذا الاختلاف مرتبط بثقافة البلد المنحدرين منه وثقافة مجتمعهم وأن كل شيء قابل للنقاش في إطار احترام وجهات النظر والتنوع الفكري، كما تؤكد الأخصائية الاجتماعية.

woman

الأخصائية الاجتماعية توغبا شوسمان.

(swissinfo.ch)

من جهة أخرى تضيف توغبا شوسمان "بسبب وسائل الإعلام هناك أيضا اهتمام بقضايا الإرهاب والتطرف. الطلبة يستنكرون ارتكاب هذه الفظائع باسم الدين، حيث يصلون في النهاية إلى قناعة بأن هؤلاء الأشخاص ليسوا مسلمين ولا يمتون للإسلام بصلة".

كلام توغبا من واقع تجربتها تؤكده  دراسة أجرتها جامعة زيورخ للعلوم التطبيقية (ZHAW) في يونيو 2016 وما تزال مستمرة حتى يونيو 2018. الدراسة تشمل 4600 طالب وطالبة في سن السابعة عشر.وحسب النتائج الأولية فإن 4.5 في المائة من مجمل المستطلعة آراؤهم من الطلبة المسلمين يتعاطفون مع أفكار إسلامية متطرفة وهي نسبة أقل من نظرائهم المتعاطفين مع الفكر اليساري المتطرف (7%).

في هذا السياق تؤكد الأخصائية الاجتماعية على أهمية ابتداع طرق جديدة للوصول إلى الشباب المراهق والحديث بلغته سواء في الواقع أو في العالم الافتراضي، الذي يقضي فيه جزءا كبيرا من وقته. وتشير شوسمان هنا إلى عزم المنظمة التعاون مع مشروع الكوميديا الساخر "Die Datteltäter" أو مجرمي البلح. المشروع عبارة عن مجموعة من الفيديوهات، التي تتناول واقع المسلمين ولا سيما الشباب في إطار ساخر طريف، يكسر التابوهات ويتحدى الأحكام المسبقة ( الفيديو أدناه).

مشروع تدعمه جمعية "ترانس اديوكاشن"

فيديو

 "الأسرة والأهل أهم من الأئمة والدعاة "

على صعيد آخر يبقى جسر الفجوة بين الثقافتين الإسلامية والغربية من أكبر التحديات التي تواجه المراهقين المسلمين في سويسرا كما تؤكد توغبا "واحدة من الصراعات تبدأ مع خروج زملائهم وزميلاتهم بمفردهم والسهر ليلا، في الوقت الذي يتم منعهم من ذلك".

تنصح توغبا الشباب بالحديث مع الأهل وحثهم على وضع ثقتهم فيهم، لأن حبسهم داخل جدران المنزل لن يثنيهم عن فعل ما يريدونه:  "هذه الثقة تحتاج إلى أهل واعين واثقين بأنفسهم ومن خيار العيش في سويسرا وفي مجتمع مختلف ثقافيا. كانت هناك فتيات منعهن أهلهن من الكثير من الأمور والنتيجة كانت غيابهن عن مقاعد الدراسة، ليفعلن كل ما مُنعن منه في أوقات الفراغ".

وتضيف الأخصائية الاجتماعية "بحكم عملي أعرف عن المراهقين أكثر مما يعرفه أهلهم في بعض الأحيان عنهم. الأبناء سيفعلون ما يريدون في كل الأحوال والأهم هو أن يأتي الولد أو الفتاة في النهاية إلى الأهل ويجرؤون على مصارحتهم. المصارحة بين الأهل والأبناء أهم دليل على وجود علاقة صحية".

توغبا تتمنى أمرين من شأنهما تسهيل حياة الشباب المسلم في سويسرا: الأول على مستوى المحيط الخاص، حيث تنصح " الأهالي بالتحلي بالمرونة ووضع ثقتهم في أبنائهم، فهذا أساس العلاقة الناجحة بين الآباء والأبناء، مشيرة إلى أن "هناك أهالي يرسلون أبنائهم إلى تركيا أو ألبانيا لمجرد تواصلهم مع الجنس الآخر على تطبيق واتس اب".  

تشديد الأخصائية الاجتماعية على العلاقة الصحية وأهميتها بين الشباب تؤكده العديد من الدراسات، آخرها أجرته جامعة لوتسيرن   وكشفت فيها أن آراء الوالدين والأصدقاء والمقربين تلعب دورًا مهمًا جداً في حياة المراهقين المسلمين. وعلى غير المتوقع أثبتت الدراسة أن دور وتأثير الأئمة في المساجد والدعاة على شبكة الانترنت أقل بكثير مما كان متصورا.

أما على مستوى المحيط العام فتناشد توغبا "السلطات السويسرية بتوفير دروس عن الإسلام في المدارس وفتح باب النقاش، حتى لا يحدث أي شيء في غياهب الظلام".

 

 

 

swi

زر الذهاب إلى الأعلى