هنا اوروبا

التحالف الوطني لمسلمي فرنسا: الجماعات الإسلاموية مسؤولة عن المآسي التي نعيشها

قال رئيس "التحالف الوطني لمُسلمي فرنسا"، أكبر الاتحادات الإسلامية في فرنسا، الدكتور كريم إفراق من إن حجم تمويل الجماعات الإسلاموية في أوروبا، أكبر بكثير مما هو معروف فعلياً، وأنّ المسلمين هم ضحايا هذا التمويل المشبوه قبل غيرهم، الذي يُعطي عنهم صورة سلبية بسبب بعض الدول المُمولة للجماعات المُتطرفة.

وأشاد إفراق في تصريحات خاصة لـِ 24، بالقرار الإماراتي الحكيم بتأسيس وتشكيل مجلس الإفتاء في إطار سياسة المحبة والتسامح التي تنتهجها الإمارات منذ تأسيسها، ما يُساهم في التصدي للأفكار والفتاوى المُتطرفة، وتصحيح صورة الإسلام في العالم كله، مؤكداً أن رؤية الإمارات للإسلام والتعايش بين الأديان هي الإسلام الصحيح الذي يحتاجه المُسلمون في فرنسا. وأشاد بشكل خاص بتعيين الشيخ عبدالله بن بيه رئيساً لمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، الشخصية المشهود لها بالكفاءة والصيت الطيب.

وعن جذور الحركات الإسلامية في فرنسا، أوضح أن مُجتمع الإسلام حديث عهد نسبياً في المُدن الفرنسية، وبدأت ملامحه في التبلور منذ سبعينيات القرن الماضي، وفي الوقت الذي تُشير فيه الإحصائيات الحالية إلى حوالي 6 ملايين مُسلم في فرنسا، إلا أن العدد الفعلي في رأيه أكبر من ذلك.

وعلى عكس الصورة الرائجة في وسائل الإعلام الفرنسية، فإن المجتمع الإسلامي في فرنسا يُقدم في الواقع، تدرجاً مُتبايناً يكشف الكثير عن ممارساته الدينية، وبالتسلسل الزمني، فإن الإسلام في فرنسا تكوّن من موجات متتالية من المهاجرين، الذين استوطنوا في فرنسا للمساهمة في بناء اقتصادها، كان أغلبهم في البداية من دول المغرب العربي، وتركيا، وأفريقيا. 

وجاء المهاجرون من مناطق ريفية في بلدانهم، وكان أغلبهم جاهلاً نوعاً ما بتعاليم الإسلام وتاريخه وتياراته الفكرية و حتى أسسه، وعندما استقر بهم المقام في منازل مُخصصة للعمال المُهاجرين، دُفع بهم وبشكل غير متوقع من جماعات أصولية، مثل جماعة الدعوة والتبليغ، للعودة إلى المُمارسات الدينية "الإسلامية" وإحياء التواصل مع رجالاتها.

وفي ذلك الوقت كان هذا النموذج، كان على وشك التعميم لإعادة تنشيط الوعي الديني وانتشاره خارج نطاق منازل العمال.

ورأى إفراق أن هذا الوضع الجديد أفاد بشكل غير مباشر بتحوله إلى حركات أيديولوجيا من خلال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين وصلوا إلى فرنسا في نفس الوقت الذي وصل فيه أوائل المُهاجرين، فاستغلوا ذلك ونشطوا كثيراً وبكل السُبل لتحويل الإسلام المُجتمعي الثقافي إلى حركة إسلام سياسي تستقطب أعداداً كبيرة، وتتغذى من أيديولوجية مؤسسها "الله هدفنا، النبي قائدنا، القرآن الكريم دستورنا، الجهاد سبيلنا، الموت في سبيل الله غايتنا ورغبتنا".

واستغل الإخوان براءة الشباب داخل المُجتمع المُسلم في فرنسا الذي لم يكن مُطلعاً على الماضي المُتطرف والمُضطرب لتلك الحركة الإسلاموية، للتحريض على المُطالبة بحرية دينية أكبر في الدولة العلمانية، وشكلوا اتحاداً للمُنظمات الإسلامية في فرنسا تحت إشرافهم، وبنوا مساجد ومدارس دينية ومراكز التدريب، خاصةً بهم، وبفضل التمويل الكبير، فقد تمكنوا من استقطاب أعداد مُتزايدة من المُسلمين في مُعظم المُدن الفرنسية.

 من مُجتمعي إلى سياسي إسلاموي
وأوضح الدكتور إفراق أنّ كل ذلك ساهم في تحول الإسلام من "مُجتمعي" إلى سياسي "إسلاموي" في مختلف أنحاء فرنسا، فيما كان المُهاجرون مُعتادين على أن تكون الدولة في بلدانهم، هي المسؤولة عن الحياة الدينية، فاكتشفوا فرنسا العلمانية، التي تبتعد عن أي مشروع ديني ولا تمول مؤسسات دينية، جماعات إسلاموية استغلت هذا الفراغ لجذب المسلمين لأفكارها وقضاياها السياسية.

وبخصوص شبكة التمويل الضخمة للإخوان في فرنسا بأشكال مختلفة، دعا الدكتور كريم إفراق إلى استنكار الصمت على استمرار تدفق الأموال على الجماعات الإسلاموية والتنظيمات المُتطرفة، التي تهدد أوروبا والمنطقة العربية والإسلامية بأسرها، حيث أن جزءاً رئيساً من تلك الأموال المُقدمة لدواع دينية بحتة، تُستخدم في الأعمال الإرهابية التي تُسيء للإسلام والمسلمين.

ورأى أنه لا أحد نجح في تلبية تطلعات المُسلمين في فرنسا، رغم وجود أيديولوجيات أخرى تاريخية مُتباينة مع الفكر الإخواني، لكن الخلافات التي تُغذيها بصفة مستمرة، ساهمت في منع صهر قضية المُجتمع المسلم في فرنسا، وفي تدهور صورة الإسلام بشكل متزايد بسبب انتشار الأيديولوجيات التخريبية، والخلافات على تنظيم الحج، واللحم الحلال، وتدريب أئمة المساجد، وزيادة الفكر المُتطرف، وما إلى ذلك من أمثلة حقيقية لهذا الفشل الذي لا يمكن إنكاره.

ومن هنا جاءت الرغبة في الرد على هذه الإخفاقات بتأسيس اتحاد جديد هو "التحالف الوطني لمُسلمي فرنسا"، الذي يتألف من اتحادات فرنسية مُسلمة حصرياً، ومُمثلة بما يزيد عن 250 مسجداً معروفاً من مجموع المساجد الـ 1300 التي تنتشر في فرنسا، ويسعى لأن يكون فضاءً شاملاً مُبدعاً وواعداً، ومُتحدثاً باسم الذين لا يعترفون بأيديولوجيا وأهداف الاتحادات الأخرى القائمة، بعيداً كل البُعد عن التطرّف والتخريب.

وهذه الرابطة التجديدية "التحالف الوطني لمُسلمي فرنسا"، تريد أن تكون لاعباً فاعلاً ومهماً في هذا المجال بدعم من المئات من أعضائها في فرنسا، من الذين يُشاركونها المثل والقناعات، كما أنها تنوي سد الثغرات الموجودة، لمصلحة الأبناء والجيل الجديد في فرنسا التي لا تقبل التجزئة، الحاضنة للجميع والضامنة للحقوق الفردية والجماعية، لبناء مستقبل أفضل للجميع بتعاضد أبناء جميع المعتقدات.

واختتم الدكتور إفراق حديثه بتأكيده محورية مهمة التحالف الوطني لمُسلمي فرنسا المتمثلة في المساهمة في استعادة صورة الإسلام التي شوهتها التجاوزات المرتكبة باسمه، وأيضاً للمُساعدة، ولو بصورة متواضعة، في بناء فرنسا أفضل، وخلق مُجتمع مُتسامح إنساني، والتغلب على العقبات التي تستهدف نشر الإسلام الصحيح في فرنسا، عبر التعليم والحوار والمشاركة المُستمرة في المُجتمع المدني.

 
 
 
 
 
 
 
24
زر الذهاب إلى الأعلى