آراء

داود الفرحان : مراوغة النظام الإيراني وحيله المخادعة

الخبث الإيراني يسعى إلى تصوير المملكة العربية السعودية كأنها دولة تدعو إلى الحرب على إيران. الكل يعلم أن السعودية ودول الخليج عدا إيران لا تريد أي حرب جديدة في المنطقة، وهي لم تكن لتتدخل في حرب اليمن ضد المتمردين الحوثيين لولا أن الميليشيات اليمنية الطائفية الموالية لإيران تمثل خنجراً في الظهر لا يمكن الاطمئنان إليه، ولا يمكن أيضاً اعتبار الانقلاب اليمني على الشرعية، المدعوم من إيران علناً، أمراً داخلياً يمنياً يمكن تجاوزه أو التعايش معه.
اللافت أن النظام الإيراني الحالي هو الذي يدعو إلى الحرب، ويستفز دول الخليج العربي، بهدف ضرب أي هدف إيراني بحري أو جوي أو بري، ليكون ذلك مفتاح الحرب أو الزر الأحمر. بل إن طهران سحبت ساق الولايات المتحدة إلى اختبار عملي أو استعراض قوة ميداني، لمعرفة ردود أفعالها بعد تفجير واحتجاز سفن وإسقاط طائرة «درون» أميركية، وصولاً إلى قصف «أرامكو». وهي تريد فعلاً الحرب، لأن النظام الإيراني يقتات على الحروب والتدخل في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وعملائه في البحرين، وهنا وهناك.
لنعد بذاكرتنا إلى بداية الثمانينات من القرن الماضي، بعد عام واحد من مجيء حكم الخميني وسقوط النظام الشاهنشاهي. بدأ النظام الجديد عهده بالإعدامات والتصفيات وأزمة السفارة الأميركية، واستفزازات عسكرية على طوال الحدود العراقية، بلغت ذروتها بحرب بين البلدين، استمرت 8 سنوات، رفض الخميني خلالها عشرات الدعوات العراقية والوساطات الأجنبية لوقف الحرب وإجراء مفاوضات لإطلاق سراح الأسرى وإقامة علاقات حسن جوار.
ستستمر إيران الملالي بهذا النهج؛ فالسلام واستقرار إيران يؤديان إلى سقوط النظام، والبديل الوحيد لمنع سقوطه هو الحرب. الخروج من حرب إلى أخرى. وكلها خارج الحدود في العراق وسوريا ولبنان واليمن والساحل العربي من الخليج وأفغانستان. والميليشيات الإيرانية والخلايا النائمة في هذه الدول هي المخالب التي تعتمد عليها المؤسسة الدينية الحاكمة في «الجمهورية الإسلامية».
ولا شيء يدفع إيران إلى التمادي في عملياتها العدوانية أكثر من تخبط التصريحات الأميركية، سواء من قبل الرئيس ترمب أو وزير خارجيته بومبيو، التي تحولت بين ليلة وضحاها من «تدمير إيران» إلى «لا نريد الحرب»! وفي أحد تصريحات ترمب، قال: «أستطيع إعطاء أمر بضرب 15 موقعاً في إيران، لكني لن أستعجل». ولا يقول للناس ماذا ينتظر.
إلى هؤلاء الذين ينقصهم بُعد النظر؛ نؤكد أن إيران نظام آيديولوجي طائفي متطرف، يعتبر أي دولة لا تؤيده معادية. وهي تستبيح كل أراضي دول الجوار، وتفتخر بذلك. وقال رئيس جمهوريتها، حسن روحاني، إن بلاده «تفتخر بامتداد نفوذها من ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى الهند». وإذا كان القرنان التاسع عشر والعشرون شهدا «المرحلة الاستعمارية» المعروفة، فإن القرن الحادي والعشرين يشهد «المرحلة الفارسية» الطائفية و«المرحلة الإسرائيلية» التوسعية، وكلتاهما تستخدم الدين لتحقيق أهدافهما. ومن سوء حظ العرب أنهم ابتلوا بكل هذه المراحل.
إذا استمر الحال على ما هو عليه في البيت الأبيض، فإن إيران ستتمادى إلى آخر احتمال في إشغال العالم بهذه الأزمة، بينما تستكمل سراً برنامجها النووي، الذي لم يتوقف لحظة واحدة طوال سنوات الاتفاق الذي ألغاه ترمب. لن تتراجع طهران عن سياسة حافة الهاوية، فهي سياسة مريحة لها داخلياً وخارجياً، ومرهقة لدول المنطقة.
مخطئ من يظن أن الدول العربية المعنية تدعو الولايات المتحدة إلى القتال دفاعاً عنها. فالدول العربية لا تريد الحرب أساساً، لكنها لا يمكن أن تقبل باستمرار العدوان الإيراني المنفلت بلا رادع ولا قانون دولي.
كان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جون بولتون، الذي أقاله ترمب مؤخراً، قد صرح في لقاء أداره معهد غيتستون في نيويورك قبل أيام: «إن قرار ترمب الامتناع عن شنّ ضربات عسكرية على إيران رداً على إسقاطها طائرة مسيرة أميركية قبل شهرين، شجّع إيران على تفعيل عدوانها في الفترة اللاحقة». وأضاف: «إنه لولا رفض الرئيس الأميركي خطة الخيار العسكري بعد إسقاط الطائرة الأميركية لما قامت إيران باستهداف منشآت (أرامكو السعودية)».
نحن نعلم أن الرئيس الأميركي يقرأ أخبار الاعتداءات الإيرانية، وعيناه على موعد التجديد الرئاسي. لكن من قال لترمب إن المطلوب شنّ حرب لاحتلال إيران، كما فعل الرئيس الأميركي الأسبق بوش الابن في احتلال العراق؟ كانت حرب العراق خطيئة تاريخية ودرساً لا يمكن أن ينساه أي رئيس أميركي. وبالتأكيد يعرف ترمب أكثر من غيره أن الاحتلال الأميركي هو الذي سَلّم العراق للإيرانيين وعملائهم من ميليشيات قاسم سليماني.
أخيراً، حين تشارك الولايات المتحدة في الدفاع عن السلام العالمي فهي تدافع عن مصالحها، وإلا فما الذي دعا الرئيس ترمب إلى تجشم عناء السفر إلى الشرق الأقصى لمقابلة رئيس كوريا الشمالية؟ وما الذي دعا الولايات المتحدة إلى إقامة قواعد لها في مختلف دول العالم، من تركيا وقطر والعراق وكوريا الجنوبية واليابان وألمانيا إلى غوانتانامو في كوبا؟!
بالتأكيد، إنها ليست قواعد سياحية.
Aawsat

 

زر الذهاب إلى الأعلى