هنا اوروبا

ماذا نتعلم من أيسلندا لسد الفجوة في الأجور بين الجنسين؟

لماذا لا يزال من الصعب في بعض البلدان سد الفجوة بين أجور العاملين من الجنسين؟ الصحفية أنجيلا هنشال تبحث عن الإجابة في بلد صغير في شمال أوروبا.

الحقيقة هي أنه في معظم البلدان من الفيدرالية الروسية إلى رواندا، من المخالف للقانون أن يكون أجر النساء أقل من أجر الرجال. وغالبية الدول (وليس فقط في الدول الاسكندنافية التي تعتبر جنة بالنسبة للموظفين) تملك منذ عقود شكلاً ما من أشكال القوانين التي تمنع التمييز بين الجنسين.

لكن بات ميليغان، مسؤول شركة الاستشارات الدولية ميركر، طرح في حديثه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بعض المعلومات المحبطة الواردة في آخر تقرير صادر عن المنتدى.

حيث تشير المعلومات في التقرير أننا نعود للوراء في مسألة التكافؤ بين الجنسين في مجالات الصحة والتعليم والسياسة، ومكان العمل، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2006.

فطبقاً لحسابات المنتدى الاقتصادي العالمي، هناك فجوة بمعدل 32 في المئة بين الجنسين، وسبب الزيادة هو تراجع المساواة بين الجنسين في مكان العمل بالتحديد. وتعد "بي بي سي"، كغيرها من جهات التوظيف، التي يعتد بها جزءا من هذا الجدل.

لكن الخطوة غير المألوفة في أيسلندا تتمثل في محاولة البلاد قلب الوضع القانوني رأساً على عقب. والأمر الذي يجعل خطة أيسلندا مختلفة هو أن العبء لن يعود على الموظف المظلوم ليثبت أنه يتلقى أجراً قليلاً، وهو ما يمكن أن يستغرق سنوات طويلة من المعارك القانونية في المحاكم، لكن العبء أصبح يقع الآن على رب العمل ليثبت أنه يدفع لموظفيه أجوراً مجزية.

لكن هل هذا تغيير كبير حقاً؟ وهل يمكن أن يعمم هذا النموذج على جزيرة عدد سكانها أكبر بكثير من عدد سكان أيسلندا؟

غالبية البلدان لديها قوانين أجور متساوية، فبريطانيا شرعت تلك القوانين عام 1970، كما تقول المحامية دافني رومني، التي تعتبر واحدة من أهم المحامين البريطانيين في مجال قضايا المساواة في الأجور.

رجل يسير بدراجته في الشارع في أيسلندامصدر الصورةGETTY IMAGESImage captionتتقدم أيسلندا على بقية دول العالم في المساواة بين الجنسين بكافة المعايير

وقبل كل ذلك، كما تقول، هو قانون الاتحاد الأوروبي المتعلق بالمساواة في الأجور والذي يعطي الموظفين الحق في التوجه للمحاكم المدنية أو لجان التحكيم.

ورغم أن معظم البلدان تسمح للموظفين باتخاذ خطوات عملية ضد أرباب العمل، إلا أن المشكلة هي "أن ذلك يستغرق سنوات في أروقة المحاكم، فضلاً عن الوصول لنقطة الخلاف حول حجم التعويض".

وتقول رومني: "جرمت أيسلندا أرباب العمل الذين لا يغيرون من واقع عدم المساواة في الأجور. فقد جعلت الدولة هذه المخالفة مماثلة لمخالفات شروط الصحة والسلامة".وتضيف أنه ستفرض غرامة على من يتوانى عن تغيير الاختلال في المساواة في الأجور، وهو ما سيشجع على وجود برامج لتقييم الوظائف. فلماذا إذن لا يطبق هذا النموذج في أماكن أخرى؟

جسر الهوة

تقول رومني: "أعتقد أنه وضع متطرف لكن للأمانة لا أعتقد أنه سيطبق هنا في المملكة المتحدة. لا شيء ينجح. فالقوانين الجديدة المتعلقة بالفجوة في الأجور بين الجنسين ستنطبق فقط على ما نسبته 34 في المئة من الموظفين، أي على الشركات التي يزيد عدد موظفيها عن 250 موظفاً".

وتتحدث رومني عن قانون بريطاني صدر عام 2016 يطالب جميع الشركات الكبيرة وعددها حوالي 9000 شركة الكشف عن معلومات الأجور لديها. الفكرة هي أن تكون المعلومات المتعلقة بالأجور معروفة وتحت سمع وبصر الجمهور.

ناشطات يطالبن بمساواة أجور النساء بأجور الرجال أمام قاعة كاكستون في لندن عام 1954مصدر الصورةGETTY IMAGESImage captionناشطات يطالبن بمساواة أجور النساء بأجور الرجال أمام قاعة كاكستون في لندن عام 1954

لكن رومني تشعر أن حزب المحافظين بزعامة رئيسة الورزاء تيريزا ماي يعارض أي تغييرات تذهب إلى أبعد مما هو قائم لأن من شأنها أن تثقل كاهل قطاع الأعمال بتكاليف إضافية.

إذا كان من المستبعد أن تسير الممكلة المتحدة على خطى أيسلندا، فهل هناك بلدان أخرى تحاول تجربة طريقة مختلفة؟

تشير سارة كابلان، مديرة معهد الجنس والاقتصاد في جامعة تورنتو، إلى نموذج آخر سبق القانون الأيسلندي، وهو كندا التي تقوم بخطوات تجاه سد الهوة في الأجور بين الجنسين.

فالسياسات المتبعة في كل من أونتاريو وكيبيك، على سبيل المثال، تركز على المساواة في الأجور في العمل المتساوي في نوعه (من خلال قانون لحقوق الإنسان) وأيضاً المساواة في الأجور في العمل المتساوي في القيمة (من خلال قانون الإنصاف في الأجور).

ففي أونتاريو، يتضمن قانون 148 لأماكن العمل حزمة من القوانين الجديدة تمنح الموظفين الذين يعتقدون أنهم لا يتلقون أجوراً مكافئة للعمل الذي يقومون به حق المطالبة بمنع أرباب العمل من إرغام موظفيهم على لبس الأحذية ذات الكعب العالي.

 

"هذا أكثر تقدماً من القانون الأيسلندي"، كما تقول كابلان. وضيف: "لكن في أيسلندا توجد غرامات وتقارير وهو ما ليس لدينا في كندا".

وتقول كابلان إن بعض القوانين الكندية تفرض تدقيقاً حسابياً مفصلاً على سلوك الشركة في دفع الأجور، وهو ما تلتزم به معظم الشركات.

حتى في الولايات المتحدة، هناك بعض الولايات مثل ماساشوسيتس حظرت على الشركات أن تطلب من المتقدمين للعمل الكشف عن رواتبهم التي كانوا يتقاضونها في السابق. وهذا شيء غير موجود لا في كندا ولا في أيسلندا. وتقول كابلان: "لهذا، هناك خليط من الحلول لا يمكن أن يكون أحدها فعالاَ بصورة كاملة دون الحلول الأخرى".

مرشحات يشاركن في نقاش تليفزيوني عشية الانتخابات البرلمانية في 27 أكتوبر 2017 في العاصمة ريكيافيكمصدر الصورةGETTY IMAGESImage captionمرشحات يشاركن في نقاش تليفزيوني عشية الانتخابات البرلمانية في 27 أكتوبر 2017 في العاصمة ريكيافيك

ويتفق مع ذلك ريتشارد ريفز، الباحث في معهد بروكينغز، والذي يدرس الفجوة في الرواتب في عدة مهن وبلدان. ويقول إنه في الوقت الذي تقف فيه أيسلندا على حافة الإصلاحات في هذا المجال، وربما تكون قريبة من التوصل لحل يعالج الفجوة القائمة في الرواتب، ليس من الحكمة افتراض أن السياسات التي تتبعها دولة معينة يمكن تطبيقها في دولة أخرى.

"هناك دروس مفيدة يمكن تعلمها هنا، بما في ذلك أن الإنصاف في الرواتب بين الجنسين لا يحدث من تلقاء نفسه".

ويُعتقد أنه كلما كان هناك محاسبة وشفافية أكثر، كان أفضل. ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، يعد التدقيق الإلزامي في سياسة الشركات المتعلقة برواتب الجنسين من الأمور المفيدة التي تساعد على تحقيق تلك الشفافية."مجرد الكشف عن حجم المشكلة يعتبر في حد ذاته خطوة مهمة". وورد في بحث أجراه ريتشارد ريفز أن الفجوة يمكن تضييقها فقط بإحداث تغيير جوهري وليس فقط بإجراءات مؤسساتية، ولكن بمسلمات ثقافية عن دور المرأة والرجل سواء في البيت أو في مكان العمل.

ويقول ريفز: "تواصل النساء التوفيق بين حياة الأسرة وحياة العمل، وهو ما يؤثر على دخلهن وما يكسبنه من مال. الرجال لا يفعلون ذلك بعد".

هل أيسلندا نموذج يجب اتباعه؟

أيسلندا الصغيرة بسكانها الذين يبلغ عددهم 336,483 لها ثقل وشأن كبير في المساواة بين الجنسين. فالفجوة بين الجنسين فيها هي الأضيق في العالم منذ ثماني سنوات متتالية.

وحسب معلومات الاتحاد الأوروبي، تتصدر أيسلندا دول العالم في ضم المرأة إلى القوى العاملة، حيث أن نسبة مشاركة المرأة في العمل وصلت إلى 80 في المئة عام 2017.

وهذا يجعل أيسلندا ليس فقط على رأس البلدان التي يمكن المقارنة بها، ولكن أيضاً يضعها على رأس قائمة دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أو إي سي دي).

فيغديس فينبوجادوتير (يسار) مع مارغريت ثاتشر عام 1982.مصدر الصورةGETTY IMAGESImage captionفيغديس فينبوجادوتير (يسار) مع مارغريت ثاتشر عام 1982.

منذ السبعينيات، زاد عدد النساء الأيسلنديات اللائي يدخلن سوق العمل ويمكثن فيه. ويمكن ارجاع الفضل في ذلك إلى عدة قرارات سياسية من قبيل حق الوالدين القانوني في العودة إلى عملهم ووظائفهم بعد ولادة الطفل.

حكم فينبوجادوتير الذي امتد 16 عاماً هو الأطول لأي إمراة تتولى رئاسة أي بلد من البلدان

تقول ثورغيردور إينارسدوتير، الأستاذة في دراسات المساواة بين الجنسين بجامعة أيسلندا، إن حركة نسائية قوية وضغط هائل من الجماعات المطالبة بالمساواة بين الجنسين كانا وراء الإرادة السياسية في الإسراع بوضع وتطبيق إجراءات جذرية في مجال المساواة بين الجنسين، مثل إجازة الأمومة، وعدد الجنسين في المؤسسات المختلفة.

وهي تؤمن بأن الثقافة الأيسلندية الأوسع كانت عاملاً مهماً ساهم في هذا الوضع.

وتقول: "يوجد إرث تاريخي يتمثل في المرأة القوية التي استمدت الأخريات منها القوة"، مشيرة إلى إنتخاب أول امرأة لمنصب الرئيس في العالم، وهي الرئيسة فيغديس فينبوغادوتير عام 1980.

وتشير إلى أحداث أخرى مثل يوم عطلة المرأة عام 1975، وهو إضراب تعطلت فيه نصف البلاد، وتكرر هذا الإضراب عدة مرات.

تقول إينارسدوتير: "ربما كان صغر البلاد أيضاً وقرب التواصل والعلاقات وبالتالي سهولة تدفق وتبادل المعلومات ووصولها من شخص لآخر. فمن السهولة بمكان حمل الفعاليات ونقلها من مكان لآخر حيث يمكن للمجموعات النسائية توحيد جهودها".

ولماذا ينبغي على الناس أن يهتموا بكل ذلك؟ لأن الجدل الاقتصادي الدائر لاستقراء، هذا النجاح مازال محتدماً وساخناً، وإن كان مع تحذير كبير بأنه لا توجد امرأة أيسلندية تعتقد أن البلاد أصبحت مدينة فاضلة بعد.

وتسهم مزيد من النساء في تحصين الاقتصاد العالمي ضد كساد عالمي جديد. وكذلك يعتبر إدخال المزيد من النساء للقوة العاملة أسوة بالرجال سيكون مساوياً في ضخامته وتأثيره لإضافة صين أخرى وولايات متحدة أخرى لإجمالي الناتج المحلي للإقتصاد العالمي.

هناك سيناريو مستقبلي كامل تلعب فيه النساء دوراً مطابقاً لدور الرجال في سوق العمل يمكن أن يضيف حوالي 28 تريليون دولار إلى إجمالي الناتج المحلي العالمي، بحلول عام 2025، طبقاً لبحث ماكنزي.

لذا، بينما لا يمثل الانتقال للعيش في أيسلندا جواباً وحلاً لكل شخص، فإن تعلم القليل من النموذج الأيسلندي يمكن أن يمثل بداية ممتازة.

 

 

 

 

 

bbc

زر الذهاب إلى الأعلى