أخبار

كانت أشهر محامية ضد التحرش فقاموا باغتصابها.. قصة المرأة الأكثر كُرهاً لترمب

الفيلم بمثابة «صورة شخصية» سينمائية لغلوريا أولريد منذ نشأتها حتى يومنا هذا.

يعتبر الفيلم الوثائقي الأميركي «مشاهدة أولريد» (Seeing Allred) من أكثر الأفلام الحديثة دفاعاً عن المرأة وتمجيداً لدورها كفرد فاعل في المجتمع، مهما بلغت من تحد للمؤسسة الرسمية القائمة، بل إن هذا النزوع نحو التحدي والمواجهة -والخروج خلال ذلك عن المألوف- يصبح هنا أيضاً مجالاً للاحتفاء والثناء والتقدير.

اشترك في إخراج الفيلم مخرجتان، هما صوفيا سارتين وروبرتا غروسمان، حيث يدور الفيلم حول شخصية المحامية الأميركية المعروفة «غلوريا أولريد»، الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، وهي صاحبة التعبير الشهير: «لدينا أرحام ولكن لدينا أيضاً عقول».

ويعتبر الفيلم بمثابة «صورة شخصية» سينمائية لغلوريا أولريد منذ نشأتها حتى يومنا هذا، كما أنه خلال سرد أحداث حياتها المليئة بالأحداث، يسلط الضوء -في الوقت نفسه- على الكثير من التطورات التي وقعت على صعيد القضاء وانعكست بالتالي بقوة على الصعيد الاجتماعي.

الفيلم يستعرض دور غلوريا البارز في تبنّي قضايا النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب والتحرش الجنسي من جانب ثلاثة من المشاهير.

أولريد في قلب العاصفة

يبدأ الفيلم بلقطات ومقاطع سريعة مولفة جيداً من البرامج التلفزيونية القديمة التي ظهرت فيها غلوريا أولريد، ويعرض لبعض الآراء الصادمة إزاء شخصيتها من جانب المعترضين عليها، وعلى الأسلوب الهجائي الصدامي الذي تلجأ إليه، ثم يتوقف أمام حياتها الشخصية، يعود معها إلى ذكريات الطفولة ثم الشباب، وإلى المواقف الصعبة التي مرت بها في حياتها، ثم إلى عملها وانتقالها من مجال التدريس إلى المحاماة، وكيف أصبحت متخصصة في خوض المعارك القانونية من خلال أجهزة الإعلام، في سابقة ليس لها مثيل في الثقافة الأميركية المعاصرة، الأمر الذي دفع الكثير من الشخصيات العامة إلى مهاجمتها واتهامها بالبحث عن الشهرة من خلال الهجوم على خصومها القانونيين.

نشأت غلوريا أولريد (77 عاماً) في أسرة فقيرة في فيلادلفيا، وتخرجت في جامعتها؛ حيث التقت بالرجل الذي أصبح زوجها الأول، ومنه أنجبت ابنتها الوحيدة «ليزا»، لكنها سرعان ما انفصلت عنه، وعادت للعيش في منزل والديها مع ابنتها التي لم تنجب سواها. وستقتفي الابنة أثر الأم في الاشتغال بمهنة المحاماة، وتصبح مثلها في المستقبل، متخصصة في الدفاع عن حقوق المرأة.

أولريد وابنتها.. طرفا نقيض

وتظهر ليزا في الفيلم للحديث عن أمها، وتسير معها في الكثير من المظاهرات النسائية التي تحتج على المجتمع البطريركي الذكوري، ولكن المفارقة أن ليزا تصبح أيضاً من أعضاء مجموعة الدفاع عن «هارفي واينستاين» المنتج السينمائي الذي اتهمته أكثر من 80 امرأة -من بينهن عدد من أبرز نجوم السينما- باعتداءات جنسية.

أما غلوريا فيستعرض الفيلم دورها البارز في تبنّي قضايا النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب والتحرش الجنسي من جانب ثلاثة من المشاهير هم: رومان بولانسكي وبيل كوسبي وهارفي واينستاين نفسه. ولكن لأن الفيلم لا يحرص كثيراً على تحقيق التوازن في الطرح ما بين الصورة الإيجابية للسيدة غلوريا أولريد وبين ما يوجهه لها خصومها من السياسيين والإعلاميين، بل وبعض نساء المجتمع من انتقادات حادة، ولأن الفيلم يتبنى صورة إيجابية لأولريد معظم الوقت، لا يتوقف صناع الفيلم أمام هذه المفارقة التي تكمن في هذين الدورين المتعارضين تماماً من جانب كل من الأم والابنة، فيما يتعلق بأشهر قضايا التحرش الجنسي في عصرنا، أي قضية هارفي واينستاين.

وعندما تتطرق غلوريا للحديث عن حياتها الخاصة، ومن ضمنها زواجها الأول، ترفض الكشف عن الأسباب التي أدت إلى وقوع الطلاق مبكراً عندما كانت لا تزال في العشرين من عمرها، وكانت تحمل طفلة رضيعة على صدرها، كما تمتنع بعد ذلك عن تناول حياتها مع زوجها الثاني، وكيف انفصلت عنه رغم ما جمع بينهما من حب. لكن الواضح أن شخصيتها التي تميل للتمرد الشديد، ربما تكون قد أدت إلى كونها فضلت أن تقضي بقية عمرها وحيدة من دون أن تشعر -كما تقول في الفيلم- بالوحدة.

الحادثة التي تركت تأثيرها الكبير على شخصية غلوريا، فكانت عندما تعرضت للاغتصاب تحت تهديد السلاح من جانب «طبيب» تعرفت عليه في المكسيك.

اغتصاب تحت تهديد السلاح

أما الحادثة التي تركت تأثيرها الكبير على شخصيتها، فكانت عندما تعرضت للاغتصاب تحت تهديد السلاح من جانب «طبيب» تعرفت عليه في المكسيك، عندما ذهبت في رحلة إلى أكابولكو.

وعندما سألتها إحدى المخرجتين من وراء الكاميرا -وهو أسلوب يتكرر كثيراً في الفيلم- عما إذا كانت تعتبر هذه الحادثة هي الأكثر قسوة في حياتها، تقول: إن الأكثر قسوة كان عندما اكتشفت بعد ذلك أنها حملت جراء هذا الاغتصاب، ثم اضطرت لاجراء عملية إجهاض بطريقة سرية (لم يكن مسموحاً بالإجهاض الاختياري في ذلك الوقت)، ثم ما نتج عن العملية من إصابتها بالعدوى، ثم دخول المستشفى؛ حيث كانت ترقد بين الحياة والموت، ثم تتوقف بأسى أمام ما قالته لها إحدى الممرضات بعد أن تعافت تعليقا على محنتها: لعل هذا يكون درساً لك!

يتخذ الفيلم من هذه الحادثة وما نتج عنها من معاناة شخصية أساساً لتفسير ذلك التشدد من جانب أولريد في تعاملها مع قضايا المرأة في المجتمع بشكل عام، خاصة أنها تُكرر منذ بداية الفيلم أن المسألة بالنسبة لها ليست مسألة مهنية بل «مسألة شخصية».

أولريد تُكرر منذ بداية الفيلم أن المسألة بالنسبة لها ليست مسألة مهنية بل «مسألة شخصية».

متابعة حثيثة

من أفضل العناصر في الفيلم نجاح مخرجتَيه في الحصول على الكثير من اللقطات والمشاهد المصورة مباشرة وقت وقوع الحدث في توثيق هائل، بحيث يبدو كما لو أن المخرجتين بقيتا تتابعان الشخصية الرئيسية التي يدور حولها الفيلم لسنوات، وهو ما حدث بالفعل إلى جانب الدقة، والقدرة على توفير الكثير من المشاهد التي تساهم في بناء الفيلم تدريجيا، ومتابعة رحلة بطلته على الساحة القضائية وفي الحياة العامة السياسية والاجتماعية.

 ومن عناصر نجاح الفيلم أيضاً البحث المكثف والجهد الكبير الذي بُذل في الحصول على تلك الصور والوثائق، ولا شكّ في أن غلوريا أولريد نفسها قد زودت صناع الفيلم بالكثير من المواد البصرية المفيدة، جنباً إلى جنب مع الكثير من الصور الفوتوغرافية القديمة الخاصة التي استعانت بها المخرجتان في سرد القصة.

إننا نشاهد مثلاً غلوريا أثناء اعتصامها داخل مقر حاكم ولاية كاليفورنيا جيري بروان احتجاجاً على عدم وفائه بوعده بزيادة عدد القاضيات (من النساء)، وكيف استخدمت الاهتمام الإعلامي بالموضوع في إثارة القضية ونجحت. إننا نشاهدها ورجال الأمن يجرونها إلى الخارج بعد أن قضت أياماً داخل المقر، ثم خرجت بالقوة وهي تصرخ أمام الكاميرات تطالب حاكم الولاية بمواجهتها بدلاً من الهروب والاختباء بعيداً.

ونشاهدها أيضاً أثناء حملتها العنيفة في البداية ضد النجم السينمائي والتلفزيوني جي سيمبسون، والدفاع عن حق أسرة القتيلة (زوجة سيمبسون السابقة نيكول براون سيمبسون) في إقامة الدعوى الجنائية ضد الرجل، وهو الحق الذي نجحت أولريد في النهاية في انتزاعه من المحكمة، وتعود القضية إلى عام 1995، وكانت القضية الشهيرة بداية متابعة مخرجتي الفيلم لغلوريا أولريد وتصوير كل حملاتها ومؤتمراتها الصحفية ومواقفها المثيرة للجدل.

يصور الفيلم أيضاً تطورات موقف أولريد من قضية الممثل بيل كوسبي والحملة الدعائية العامة التي نظمتها من أجل الحصول على حق ضحاياه -أكثر من 40 سيدة-  في مقاضاته بعد انقضاء مدة التقاضي التي كانت محددة في قضايا الاغتصاب، علماً بأن بعض الاتهامات التي وجهت لكوسبي بالاعتداء الجنسي تعود إلى الستينيات. وقد عرض فيلمنا هذا في أوائل 2018 ولم يكن كوسبي قد أدين بعد، ثم صدر الحكم بإدانته في ثلاثة اتهامات بالاغتصاب في 28 أبريل 2018.

غلوريا أثناء اعتصامها داخل مقر حاكم ولاية كاليفورنيا جيري بروان احتجاجا على عدم وفائه بوعده بزيادة عدد القاضيات (من النساء).

أولريد تتحدى الكنيسة

تتحدى أولريد الكنيسة الكاثوليكية وتغضب المجتمع المتشدد دينيا عندما تتبنى بقوة قضية «ريتا ميلا» التي اتهمت سبعة من القساوسة بالاعتداء الجنسي عليها عندما كانت في الـ16 من عمرها بداية من عام 1978، وقد نتج عن اغتصابها من أحد القساوسة أن حملت، ولكن جميع القساوسة الذين اعتدوا عليها اختفوا من البلاد للهرب من مواجهة جرائمهم.

 ونجحت أولريد في الحصول على تعويضات مالية كبيرة لموكلتها. وقد استمرت في الدفاع عن ميلا قرابة ربع قرن. وبدأت حياتها بالدفاع عن الحقوق المدنية لذوي البشرة السوداء، ثم الدفاع عن حقوق المرأة، ثم عن حقوق الشواذ، ولم تظهر في أي وقت تردداً أو تراجعاً عن مواقفها تحت التهديدات العديدة التي تلقتها.

 وفي أحد المشاهد الطريفة في الفيلم نراها تحاور رجلاً يصفها بالمروق والهرطقة بأقسى العبارات ويحذرها من «غضب الرب»، ولكنها ترد عليه برقة شديدة وتفهّم لموقفه، وتؤكد له أنها تؤمن بأن الرب يحب جميع البشر.

الفيلم يصور أيضاً الوجه الآخر المرح لبطلته التي يعتقد كثيرون أنها تتميز بالشراسة والصلف والتزمت.

أولريد.. الوجه الآخر

لكن الفيلم يصور أيضاً الوجه الآخر المرح لبطلته التي يعتقد كثيرون أنها تتميز بالشراسة والصلف والتزمت، إننا نراها في استعراض هزلي في الشوارع؛ حيث ترتدي ملابس غريبة مزركشة ويرتدي عدد من الرجال ملابس تشبه ملابسها، وذلك بعد أن تنكروا بحيث بدوا شبيهين بها.

لا شكّ أننا أمام شخصية ماضية في تحديها، تؤمن بعدالة القضية التي تدافع عنها، تستخدم الإعلام وتُسخّره من أجل الوصول إلى هدفها، أي تجميع الرأي العام وراء ما تؤمن به، وهو ما نجحت فيه إلى حد بعيد. لكننا أيضاً أمام شخصية مثيرة للجدل، يمكن أن يختلف حولها الكثيرون بما في ذلك الكثير من الشخصيات النسائية كما نرى بالفعل في الفيلم.

 غير أن الفيلم -كما أشرت- لا يهتم كثيراً بمتابعة هذه الانتقادات التي توجه لأولريد التي كان من الممكن أن تجعل للفيلم بناء أكثر جدلية، وموضوعا أكثر إثارة ومتعة.

في المشهد الأخير نرى أولريد وسط مظاهرة نسائية ضخمة في واشنطن، احتجاجاً على فوز ترمب الذي تعتبره من «كبار المتحرشين»!

أولريد ضد ترمب

يختتم الفيلم ونحن نشاهد كيف انضمت أولريد لحملة «هيلاري كلينتون» الانتخابية أمام «دونالد ترامب» في انتخابات الرئاسة، ثم كيف شعرت بالإحباط وهي تستمع مباشرة إلى إعلان فوز ترمب من دون أن تتوقف عن السعي للتغيير.

 ففي المشهد الأخير نراها وسط مظاهرة نسائية ضخمة في واشنطن، أمام البيت الأبيض، احتجاجاً على فوز ترامب الذي تعتبره من «كبار المتحرشين»!

أخيراً «مشاهدة أولريد» غير أن تسمع أو تقرأ عنه، إنه شيء آخر، وهذه هي عظمة السينما.

 

 

 

 

 

 

 

arabicpost.

زر الذهاب إلى الأعلى