آراء

نزار العوصجي: العدل والمساواة

رسالة من الصدِيق أبي بكر إلى حكام الأسلام السياسي في عراق اليوم ..
أوجب الإسلام على الحكام أن يقيموا العدل بين الناس دون النظر إلى لغاتهم ، أو أوطانهم ، أو أحوالهم الاجتماعية ، فالعدل بين المتخاصمين ، والحكم بالحقِ ، لاينظر إلى المحكوم لهم إن كانوا أصدقاء أو أعداء ، أغنياء أو فقراء ، عمالاً أو أصحاب عمل .
قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة: 8] .

إنَ إقامة العدل بين الناس أفراداً وجماعاتً ودولاً ، ليست من الأمور التطوعية التي تترك لمزاج الحاكم أو الأمير وهواه ، بل إنَ إقامة العدل بين الناس في الدِين الإسلامي تعد من أقدس الواجبات وأهمِها ، وقد أجمعت الأمة على وجوب العدل ، ان مبدأ المساواة الذي أقره الصديق في بيانه الذي ألقاه على الأمة ، يعد أحد المبادئ العامَّة التي أقرَها الإسلام ، وهي من المبادئ التي تساهم في بناء المجتمع المسلم ، وسبق به تشريعات وقوانين العصر الحاضر ..

وعن عدل عمر بن الخطاب في عام الرمادة يقال :
يروى في الكتب الخاصة بالسيرة ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان هو الخليفة على المسلمين في عام الرمادة ، وعام الرمادة كان من الأعوام الصعبة على الجميع ، فلم يكن هناك ما يأكله أو يشربه المسلمين ، حيث ابتليت بلاد المسلمين بالمجاعة ، وفي هذا الوقت كان عمر بن الخطاب على وشك الموت من الحزن ، فكان يشعر بالضيق والقلق على المسلمين بسبب عدم قدرته على حل هذه المشكلة ، وكان يعمل على انفاق جميع أمواله لبيوت المسلمين وكان يهتم بأمر المسلمين ، وكان يشعر بالمسؤولية الشديدة تجاه الجميع ، وكان يردد في ذلك الوقت أن هذه أمانة ، حتى لا تكون يوم القيامة عار وندامة ، واضطر عمر بن الخطاب في هذا العام إلى استخدام الزيت وترك السمن ، وسافر إلى مصر والعراق وناشدهم لتقديم المساعدة ، وهذا يدل على حرص عمر بن الخطاب على رعاية قومه ..

ويقال عن عدل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ايضاً : أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كان نائماً على الأرض وسط الناس ، وعندما رآه هرقل ملك الروم قال : حكمت فعدلت فأمنت فنمت ..

وعن عدل عثمان بن عفان رضي الله يقال :
أعلن عثمان رضي الله عن التزامه بمبدأ العدل من خلال كتبه التي بعث بِها في بداية عهده إلى عمّاله . لمّا ولي الخلافة كتب إلى أمراء الأنصار كتاباً عامّاً صورته :
(( أمّا بعدُ، فإنّ الله أمرَ الأئمّة أن يكونوا رُعاة ، ولم يتقدّم إليهم أن يكونوا جُباةً ، وإن صَدْر هذه الأمّة خُلِقوا رُعاة ، ولم يُخلَقوا جُباة ، ولَيوشِكنّ أئمتكم أن يصيروا جُباة ولا يكونوا رُعاة . فإذا عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة والوفاء . ألا وإنَّ أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين وفيما عليهم ، فتعطوهم ما لهم ، وتأخذوهم بما عليهم ، ثم تعتنوا بالذمّة ، فتعطوهم الذي لهم ، وتأخذوهم بالذي عليهم ، ثم العدو الذي تنتابون ، فاستفتحوا عليهم الوفاء )) .
وكتب إلى أمراء الأجناد بالثغور : (( أمّا بعد، فإنّكم حُماة المسلمين وذادت‍هم . وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنّا ، بل كان عن ملأ منّا ، ولا يبلغنّي عن أحد منكم تغيير ولا تبديل فيغيّرَ الله بكم ويستبدل بكم غيركم . فانظروا كيف تكونون ، فإنّي أنظر فيما ألزمني الله النّظر فيه ، والقيام عليه )) .
وأرسل عثمان إلى العمّال والقوّاد وعمّال الخراج وعامّة المسلمين بالأمصار كتباً يحثهم فيها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعطف على أهل الذمة وجباية الخرج بالعدل والإنصاف ونصح عمّال الخراج فقال : ((أمّا بعد ، فإنّ الله خلقَ الخلْق بالحقّ ، فلا يقبل إلاّ الحقّ . خذوا الحقَّ وأعطوا الحقَّ به . والأمانة الأمانة ؛ قوموا عليها ، ولا تكونوا أوّل مَن يسلبها ، فتكونوا شركاءَ من بعدكم إلى ما اكتسبتم . والوفاء الوفاء ؛ لا تظلموا اليتيم ولا المعاهد ، فإنّ الله خصمٌ لمن ظلمهم )) .
لما بويع عثمان للخلافة حذا حذو عمر بن الخطّاب ، ومن سبقه ، في حسن اختيار القضاة وتزويدهم بالنصائح . وكان يعتمد في قضائه على الكتاب والسنة ، ثم على قضاء من سبقه من الخلفاء الراشدين . وكان إذا لم يجد فيها جواب مسألته ، رجع إلى استشارة الصحابة في الأمر عملاً بقوله تعالى :«وأمرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ«(سورة الشورى ، آية 38 ) ، وقد اشتهر عثمان بالفقه ، وكان من رواة الحديث .
كان عثمان يعتمد كباقي الخلفاء الراشدين بأنّ الرأي الذي يفتي به ، ليس بلازم للأمة أنْ تأخذ به ، فمن شاء أخذ به ، ومن شاء تركه ..

وعن عدل الإمام عليّ بن ابي طالب في إنصاف المظلوم يقال :
بينما كان عليّ رضي الله عنه يسير متفقّداً أحوال الرعيّة سمع صوتاً : يا غوثاه بالله !
فخرج عليّ مسرعاً يقول : أتاك الغوث ، فإذا رجل يلازم رجلاً .
فقال : يا أمير المؤمنين بعت هذا ثوباً بسبعة دراهم ، وشرطت ألّا يعطيني مغروزاً ولا مقطوعاً ، فأتاني بهذه الدراهم ، فأتيت ولزمته ، فلطمني .
فقال : للّاطم ، ما تقول ؟
فقال : صدق يا أمير المؤمنين .
فقال : أعطه شرطه ، فأعطاه .
وقال للملطوم : اقتص .
قال : أو أعفو يا أمير المؤمنين ؟
قال : ذلك لك .
ثم قال : يا معشر المسلمين خذوه ، فأخذوه ، فحمل على ظهر رجل كما يحمل صبيان الكتاب ، ثم ضربه خمس عشرة دِرّة .
وقال : هذا نكال لما انتهكت من حرمته ..

بعد ان اطلاعنا على ماذكر من عدل في الأسلام ، نخلص الى اننا امام حالة مغايرة تماماً لما نحن عليه في يومنا هذا ، حيث نجد ان إحزاب الأسلام السياسي بمجملها لاتمت للأسلام بصلة ، ولا يمتلك قادتها والقائمين عليها ، المعممين منهم وغير المعممين ، شيئاً من اخلاق الأسلام او الصحابة ، بل هو العكس تماماً ..
لم نعهد احداً من الصحابة كان لصاً كما عهدناهم ، فمتصدري المشهد في إحزاب الأسلام السياسي بمجملهم يسلبون وينهبون ويأكلون الأخضر واليابس ، الى جانب غياب سمة العدل عنهم ، شخوص وإحزاب ..
لقد تحالفوا مع الشيطان ليصلوا الى سدة الحكم ، اتفقوا مع اعداء العروبة والأسلام من الصهاينة والفرس ، للوصول الى مبتغاهم في تدمير العراق ونهب خيراته وتبديد ثرواته ، وهذا ما إقروه بانفسهم حين قالوا : اننا مقاولين تفليش وليس بناء ، وان الديمقراطية التي صدعوا بها رؤوسنا ماهي الا كذبة ..

اين انتم يا هؤلاء النكرات من اخلاق الأسلام ؟
الا تبت ايديكم بما انتم فاعلون ، ولعنة الله عليكم الى يوم يبعثون …

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى