آراء

نزار العوصجي: الحصانة الدستورية

رفعت الحصانة الدستورية عن رأس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم ، بقرار غير مسبوق من رئيس الجمهورية ، بعد ان ايقن المتسلطون تماماً مدى خطورة تصريحات نيافة الكاردينال مار لويس روفائيل الاول ساكو الكلي الأحترام ، تلك التصريحات التي فضحت حقيقة هؤلاء اللصوص ، الذين يتخذون من فوضى القانون سلم للوصول الى غاياتهم ، التصريحات التي تفضح حجم سرقات العصابات الولائية ، واطماعها في الإستحواذ على اوقاف وممتلكات الكنيسة وابنائها ، تلك الأملاك التي كانت عصية على التجاوز ايام النظام الوطني ، ذلك لانها كانت مصونة ومحمية بكل معنى الكلمة ، لهذا سمي بالعصر الذهبي لمسيحيي العراق ..

فوفقاً لأدبيات إصدار مراسيم جمهورية ، يتم إصدار المراسيم إما لتعيين أشخاص مقتدرين في وظائف رسمية وما الى ذلك ، أو لاعتراف رسمي بشخصية وطنية معينة مثل المراسيم المتعلقة برؤساء الكنائس في العراق ..
لذا فان المرسوم رقم (147) لسنة 2013 هو إعتراف رسمي وقانوني بانتخاب غبطة البطريرك لويس روفائيل ساكو رئيساً أعلى للكنيسة الكلدانية في العراق والعالم ، التي مقرها ببغداد ..
ان سحبَ رئيس الجمهورية د. عبداللطيف رشيد للمرسوم رقم (147) لسنة 2013 في 3 تموز 2023 ( وقد مضى على إصداره عشر سنوات ) ، بشكل فجائي واستفزازي مُهين وصادِم ، يعد سابقة لا مثيل لها ، في حين أبقى على مراسيم رؤساء الكنائس الاخرى عند صدور القرار ..

الأغرب هو : عندما طعن غبطة البطريرك بالقرار الجائر ، أصدرت المحكمة الاتحادية حكمها بقانونية سحب المرسوم منه ، ولم تُشِر الى “لا شرعية” او شرعية إبقائه للأساقفة الذين هم أقل درجة من غبطة البطريرك الكاردينال ..
وعندما “حُوصِر رئيس الجمهورية” بسبب الاحتجاجات ، وتدخل شخصيات بارزة داخلية وخارجية ، عاد فسحب في 23 تشرين الأول سنة 2023 مراسيم أساقفة الكنائس الاخرى ، أي بعد أربعة أشهر ..
هذه المراسيم التي تمثل تقليد عريق منذ زمن الخلفاء العباسيين والسلاطين العثمانيين وفي العهد الملكي والجمهوري الى مجيء الرئيس الحالي ..

سؤالنا هو اذا كان الرئيس قد أكتشف فجأة “لا دستورية” لهذه المراسيم ذات التقليد العريق : لماذا اذاً لا يلغي العُرف الحالي (ًالذي عمره بضع سنوات فقط ) : بأن يكون رئيس الجمهورية كرديا ( من حزب يكتي ) ، ورئيس الوزراء شيعيا ورئيس البرلمان سنيا . علماً بان هذا العرف لا سند دستوري له ولا قانوني أيضاً ..
فهل سيفعل الرئيس ذلك ويخلّد له التاريخ هذا الإنجاز الديمقراطي ؟ لكنه يقيناً لن تفعل !!
انها ظاهرة غريبة جداً ، واستهداف واضح للمسيحيين الذين هم “من صميم” الوطن ومن أصل حضارته العريقة ..

ما السوء الذي فعلوه ليعاقبهم رئيس الجمهورية فردياً وجماعياً بهذه الطريقة ؟ والمعروف عنه انه علماني ليبرالي !!
هل هناك خطة مبطَّنة لأسلَمة العراق وتهجير المسيحيين وإخلاء العراق من الأقليات الدينية ؟
واضح ان هذه الاجراءات حصلت بضغط وطلب من مجموعة الرعاع كما صرَّحوا في الاعلام ثم عادوا فكذّبوا الخبر ، لكنه مثبَّت بما لايقبل الشك في قرار المحكمة ..

ان من ضمن ماصرح به نيافة الكاردينال قائلاً ومحذراً من المؤامرة التي تحاك ضد مسيحيي العراق يمكن تلخيصه بما يلي :

▪️ان عدد المسيحيين في العراق قبل عام 2003 كان يقدر بمليون ونصف المليون ، لكن هاجر منهم قرابة المليون والمتبقي نصف مليون تقريباً ..

▪️وان بيوت وعقارات المسيحيين زُورت سنداتها ولا تزال تسيطر عليها جهات وميليشيات ..

▪️وان الدولة لم تقدم أي شيء للمناطق المسيحية التي تضررت من داعش ، الكنائس والمنظمات هي من قامت بإعادة ترميم المدارس وبعض الكنائس ..

▪️ولا يوجد اهتمام بالمواطن المسيحي في العراق رغم أنه شخص مسالم وولاؤه للدولة ، لكن الدولة أدارت ظهرها له وهذا يحز في أنفسنا ..

▪️ولا يوجد جمرك على الكلام ، فقط نسمع كلام طيب وخطابات ، والناس باتت تفقد الثقة ، ليس فقط المسيحيين بل جميع المواطنين فقدوا الثقة ..

▪️كما ان هناك محاولات ونشر أخبار من أجل تخويف المسيحيين وجعلهم يهاجرون ، وما يجري هو كأنما التاريخ يعيد نفسه ، كما حصل مع اليهود سابقاً من تهجير ، والهدف هو الاستيلاء على أملاكهم ..

▪️وان الدولة ليس لها القدرة على فرض هيبتها وتطبيق القانون وتحقيق العدالة ، فالميليشيات أقوى من الدولة ..

▪️لذا نحن على مفترق طرق ونسير نحو الاسوأ إذا لم يتكاتف العراقيون ..
▪️الإنتماء للخارج يأخذنا للأسوأ ..
▪️العراق يحتاج الى صحوة ضمير وأخلاق ..

انتهى …

ان لمن سخرية القدر ان يمتثل القضاء ايضاً لإوامر مجموعة من «الإقزام» ، فيعمد الى اصدار قرارات الإستقدام وفق رغباتهم ..
فلنتخيل ماذا سيحدث لو ان القضاء العراقي اصدر مذكرة استقدام لأحد مراجع الدين الكبار سواء كان من الشيعة او السنة ، لكننا نتعامل مع المسيحيين باعتبارهم ” بدون ” ..
ففي قرار غريب وعجيب أصدرت السلطة القضائية ، أمراً يقضي بأستقدام بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو ..
فبحسب كتاب رسمي صادر من رئاسة محكمة استئناف بغداد الكرخ ، إمر قاضي محكمة تحقيق الكرخ بتبليغ “المتهم لويس روفائيل موشي” بالمثول امام المحكمة ..
وهنا لابد التركز على كلمة ” متهم ” حيث قرر القاضي إعتبار نيافة الكاردينال متهماً حتى قبل ان يستمع الى اقواله ، وستصاب بالعجب العجاب عندما تعرف ان المشتكي هو إحد هؤلاء «الإقزام» الذين يختلقون الأكاذيب ، للحفاظ على مكاسبهم الغير مشروعة من جهة ، وخشية العودة الى المستنقع الذي جاؤا منه من جهة اخرى !! “

المضحك المبكي ان يقوم رئيس الجمهورية بدعوة بعض رؤساء الكنائس في بغداد الى مأدبة غذاء يوم الخميس الموافق 28 كانون الأول 2023 بعد ان سحب مراسيمهم ، دعاهم ليقول لهم ان بابه مفتوح أمام الجميع . وقد تكون هذه الدعوة مقدمة لسحب الاعتراف بالكنائس ..
هذه الدعوة لن تهزّ الكنائس الكبرى الكلدانية والاشورية والسريانية الارثوذكسية والسريانية الكاثوليكية والانجيلية ..
لقد أهان رئيس الجمهورية الكنائس المسيحية العريقة كافة ، حين إقدم على سحب المراسيم منها من دون مسوّغ قانوني ، خصوصاً أن هذه المراسيم قد اكتسبت الصيغة القانونية وفقاً للدستور ..
الغريب انه ترك مرسومين لأسقفين كونهما صادران عن الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله ..
لذا نقول له : ان من تطلقون عليهم تسمية مكون هم مواطنون عراقيون أكثر من غيرهم ، وهم أصل البلد ورواد حضارته العريقة وليسوا دخلاء ، لا يقبلون بالظلم ، ولن يسكتوا عن المطالبة باسترجاع كرامتهم المسلوبة ..
الله كبير ، عليه نتكل ، ونحن على يقين انه لن يصح الا الصحيح مهما طال الزمن …

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى