تحقيقات ومقابلات

هل تعزز أزمة أوكرانيا دعوة ماكرون لتأسيس جيش أوروبي؟

رأى العميد الفخري لكلية فليتشر للقانون والديبلوماسية في جامعة تافتس الأميرال المتقاعد جيمس ستافريديس أن حلف شمال الأطلسي، والولايات المتحدة، وروسيا، انخرطت في رقصة ديبلوماسية، وتتبادل مواقفها من الهيكلية الأمنية الأوروبية.

في المحادثة مع بوتين، وضع ماكرون حسب التقارير بضع أفكار جديدة على الطاولة لخفض التصعيد والتي قد تتجسد في محادثات نورماندي المقبلة، إذا لم تندلع حرب في الأيام المقبلةوفي الأثناء، يحتل جيش الحرس الثامن، الوحدة العسكرية التي أقيمت منذ الحرب العالمية الثانية وذات خبرة ميدانية في أوكرانيا، موقعاً متقدماً لتنفيذ أي هجوم محتمل.

حتى اليوم، تمحورت غالبية الحركة حول الولايات المتحدة وروسيا، وهذه هي نية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يسعى إلى التشديد على الموقع المتساوي بين واشنطن وموسكو. مع ذلك، يشق الأوروبيون بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طريقهم إلى المحادثات، فما هي أجندتهم؟

بانتظار من يرفع السماعة
كتب ستافريديس في شبكة بلومبرغ أن هنري كيسنجر قال ذات مرة إن المشكلة في محاولة الاتصال بأوروبا، حين تكون الولايات المتحدة في حاجة للمساعدة من حلفائها، تكمن في غياب سلطة مركزية تجيب على الاتصال.

ورغم عدد سكانها الكبير وقوتها الاقتصادية، تعاني القارة للتحرك أمنياً بسبب تنوع ثقافاتها، وتاريخها، ولغاتها، وأهدافها في السياسة الخارجية.

يتألف حلف شمال الأطلسي ناتو من 28 دولة أوروبية بينما يضم الاتحاد الأوروبي 27 عضواً، يضغط كل منه على دواسات الدراجة الهوائية الجماعية بدرجات مختلفة من الحماسة. بشكل متوقع، بدأ يظهر ذلك في الأزمة الأوكرانية.

إصرار فرنسي

ويوم الجمعة، تحادث ماكرون وبوتين هاتفيا، وكانت المؤشرات على بعض الاختلافات بين الولايات المتحدة وأوروبا واضحة.

أصر المسؤولون الفرنسيون على أن بوتين أظهر استعداداً ليكون عقلانياً. تحدث ماكرون غالباً عن الحاجة إلى سياسة خارجية أوروبية مستقلة، بينما تمتعت فرنسا تاريخياً بعلاقات أفضل مع روسيا بالمقارنة مع علاقات العديد من دول الناتو مع الأخرى، فالروابط بين باريس وموسكو تمتد إلى القرن السابع عشر.

يبدو أن الفرنسيين يعتقدون أن الولايات المتحدة تبالغ في ردة فعلها على قوات بوتين المخيمة على الحدود الأوكرانية.

ويشير ستافريديس إلى أن أصدقاءه في الجيش الفرنسي يقولون إن الأمريكيين يركزون كثيراً على صور الدبابات، والجنود، والشاحنات الروسية. لكن الكاتب لا يوافق على كلام أصدقائه الفرنسيين، ولا المجتمع الأمني الأمريكي.

ومع ذلك، ذكر ستافريديس أنه على عكس الألمان، عرض الفرنسيون نقل بعض القوات إلى رومانيا إذا تصاعدت الأمور.

تناسق 
علاوة على المنتديين الديبلوماسيين الأمريكي الروسي، والأطلسي الروسي، هناك مسار أوروبي محض. ففرنسا وألمانيا، عضوان مؤسسان لمحادثات النورماندي إلى جانب روسيا، وأوكرانيا. وفي الماضي، نجحت مجموعة نورماندي في تقليص النزاع بين المتمردين الموالين للروس، والقوات الحكومية الأوكرانية في منطقة دونباس، جنوب شرق أوكرانيا.

في المحادثة مع بوتين، وضع ماكرون حسب التقارير بضع أفكار جديدة على الطاولة لخفض التصعيد والتي قد تتجسد في محادثات نورماندي المقبلة، إذا لم تندلع حرب في الأيام المقبلة.

والنهج متناسق مع جانب آخر من السياسة الخارجية والأمنية الفرنسية، التي تتبني مواقف مستقلة تقلل من أهمية ناتو، ففي 1966، سحب الرئيس الفرنسي شارل ديغول فرنسا بشكل مؤقت من الهيكل العسكري للتحالف.

جيش كبير
لطالما فكر ماكرون في الحاجة إلى جيش أوروبي دائم، وهو هدف يقع ضمن إمكانات الدول الأوروبية الثرية كما يؤكد الكاتب. حين كان قائداً أعلى لقوات الناتو، غالباً ما رأى ستافريديس الحلفاء الفرنسيين الذين كانوا مساهمين عمليين أقوياء في كل مهمة أطلسية، يعملون بكد من أجل ضم القوات العسكرية الأوروبية الأخرى

إلى مهمات مكافحة القرصنة، ومناطق التوتر الأخرى مثل البلقان، وليبيا. ولتأسيس جيش أوروبي كبير ودائم بتوجيه من بروكسل، ستكون هناك حاجة إلى موافقة ألمانيا، وإيطاليا، وبولندا، والجيوش الأوروبية الكبرى.

بينما يشتكي المسؤولون الأمريكيون غالباً، وبشكل مناسب، من إخفاق الحلفاء الأوروبيين في ناتو في الوصول إلى إنفاق عسكري يبلغ 2% من حجم ناتجهم القومي، تبلغ الميزانية الدفاعية الأوروبية المشتركة، مع احتساب المملكة المتحدة، قرابة 300 مليار دولار. ويشكل هذا الرقم ثلاثة أضعاف الميزانية الدفاعية الروسية حسب الكاتب.

إن جيشاً دائماً وجدياً خاضعاً لتوجيه الاتحاد الأوروبي يقع ضمن إمكانات بروكسل المالية، ومغامرات بوتين المتزايدة يمكن أن تدفعها نحو ذلك الاتجاه.

يرى ستافريديس أنه هدف فرعي من تواصل ماكرون مع الروس، حيث يظهر استقلال الصوت الأوروبي في الأزمة ويثير نقطة غير سلسة إلى هذا الحد حول الحاجة إلى جيش أوروبي.

معاناة أمريكية؟
ألمانيا، عنصر أساسي آخر من هذه المبادرة. برزت مؤشرات في الأيام القليلة الماضية على أن حكومة المستشار أولاف شولتز تمتعت بمقاربة أكثر ليونة مع روسيا، بالمقارنة مع سائر دول ناتو.

وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى الروابط التجارية بين الدولتين، واعتماد ألمانيا على الغاز الروسي. مع استمرار الأزمة، قد تعاني واشنطن بشكل متزايد للإبقاء على الاصطفاف القوي بين خط واشنطن، ولندن المتشدد، ونهج باريس وبرلين الأكثر تصالحاً إلى حد ما.

ومن المتوقع أن يزور المستشار الجديد واشنطن للتشاور مع الرئيس جو بايدن في أوائل فبراير (شباط) المقبل.

أملان…
سيكون بوتين فرحاً لرؤية تهديداته بالقرب من أوكرانيا تتسبب في انقسامات جدية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو نوع من المكسب الجيوسياسي لمنع أوكرانيا من التحرك أكثر باتجاه الغرب.

أما أمله الكبير الآخر فهو تهميش ناتو عبر تعزيز الخلافات بين الأوروبيين في بروكسل. إلى الآن، تدبرت الولايات المتحدة إبقاء الجميع  في صف واحد إلى حد معين.

يرى ستافريديس أن الأمل يكمن في ألا تمنح مبادرة ماكرون الرئيس الروسي فرصاً جديدة ليراهن على أي خلافات غربية داخلية.

24

زر الذهاب إلى الأعلى