آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: قراءة متأنية في الحرب العراقية الايرانية

شاهد عيان

في نهاية شهر آب 1980 انتهت فترة معسكر ابطال القادسية الطلابي للعمل الشعبي  الذي اسهم في بناء اعداد كبيرة من البيوت للفلاحين المصريين الذين سيتم توطينهم في تلك المنطقة الزراعية على الطريق المؤدي من بغداد الى محافظة واسط(الكوت)..ومن تقاليد كل معسكرات العمل الشعبي تكرار زيارة الرئيس صدام حسين وتفقده لهذه المعسكرات وبأوقات مختلفة (فجرا وصباحا ومساءا وحتى المبيت في المعسكر)….في يوم الرابع من ايلول 1980 انتقل والدي رحمه الله الى دار حقه ،وكعادة كل العراقيين عملنا بيت عزاء (فاتحة) وفي ليلة اليوم الثاني حضر الى مجلس العزاء اعداد غفيرة ومن ضمنهم رئيس المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني لطلبة العراق (الاستاذ محمد دبدب) والذي جلس بجانبي وهمس بأذني ان الرئيس صدام حسين طلب لقائنا صباح يوم غد (السادس من ايلول 1980)،فأعتذرت منه ولكنه أصر لان الرئيس كما هو معروف عنه ذاكرته قوية ويعرفنا فردا فردا وسيسأل عني حتما…المهم ذهبنا في صباح يوم السادس من ايلول الى القصر الجمهوري وكان الموعد هو الساعة العاشرة الا ان الرئيس تأخر الى الحادية عشرة والنصف حيث سلم علينا بحرارة مع بعض العبارات التلطيفية والمزاح الخفيف ثم جلس وكل الامور كانت هادئة وتحدث كعادته على علاقة الدولة مع الشعب وكيفية السعي لتقديم كل مايمكن لخدمة العراقيين ومن ضمنها الحاجة للعمل معهم بشكل تدريجي ومدروس لاسيما الفلاحيين…وبعد مضي قرابة اربعين دقيقة دخل علينا المرحوم طارق حمدالله رئيس ديوان رئاسة الجمهورية وبعد ان ردد السلام علينا همس بأذن الرئيس ولاني كنت جالس قريب من الرئيس لاحظت تغيير في وجهه ،وبعد خروج رئيس الديوان استمر الرئيس بذات الموضوع وبعد ربع ساعة دخل رئيس الديوان مرة اخرى وهمس بأذنه وتغير لون وجه الرئيس ونحن حقيقة لا نعلم ماذا يجري واستمر الرئيس بالحديث الى نهاية الموضوع حينها قال(رفاق كنت قد خططت ان نتناول وجبة الغداء سوية الا ان الرفيق طارق حمدالله اخبرني ان الايرانيين هجموا علينا ويجب علي ان اذهب الى القيادة العامة لنرى ماذا نفعل) بعدها بدأنا بالسلام عليه ولاني كنت جالس قريب منه فكنت في المجموعة الاخيرة وعندما سلمت علية مسك يدي وقال ماذا بك يارفيق عبدالرزاق وحقيقة لاني منصرف ذهنيا مع الافكار التي تناولها في حديثه عن كيفية التعامل السليم مع ابناء الشعب نسيت وفاة والدي وهنا تدخل الاستاذ محمد دبدب صاحب الذاكرة الحديدية واخبره بأن اليوم الثالث لوفاة والدي وانه اقترح علي المجئ رغم وجود بيت العزاء وظل الرئيس ماسكا يدي اليمنى بيده اليسرى وهو يسلم على بقيتنا ويسمعني كلام التعزية والمواساة على مصابي وبعد ان انتهى من السلام على الجميع سلم علي وحظنني وكرر انه كان يود ان يقضي وقتا اطول معنا.ماوددت  ذكره هنا اني شاهد  على من بدأ العدوان والحرب علما ان الدفاعات الجوية العراقية اسقطت طائرتين حربيتين (أف 4 ) امريكتيا الصنع على اطراف بغداد يومي الرابع والسادس من ايلول 1980 وهذا يعني ان الطرف الايراني بدأ الحرب على العراق في الرابع من ايلول بينما كان الرد العراقي المتأني في 22 ايلول مع العلم ان العراق احتفظ بالطيارين الاثنين اللذين اسقطت طائريتهما في يومي 4،6 ايلول حتى 9/4/2003 اي الى يوم الاحتلال الامبريالي الصهيوني للعراق واظن تم تسليم الطياران  الى سلطات طهران ولا احد يعرف مصيرهما سيما وانهما اعتبرا من المعاونيين مع العراق.

اسباب الحرب

تشير كثير من المعلومات التي افرج عن سريتها لاحقا ان الادارة الامريكية عرضت على شاه ايران محمد رضا بهلوي عام 1973 شن الحرب على العراق الا انه رفض، وهذا ماحوله من حليف يعتمد عليه الى خصم يضر بوجوده المصالح الامريكية الصهيونية وهذا ما حول انظارهم الى الخميني (الحليف المعد في فرنسا) الذي تم تهيأته لاستغلال الفوضى التي تم التخطيط لها من قبل مخابرات امريكا وبريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني.

حدث التغيير في إيران عام 1979، ورفع قادة إيران الجدد شعار تصدير الثورة الذي كان يُقلق الدول العربية المحيطة بإيران وفي مقدمتها العراق ودول الخليج وتزايدت المخاوف الإيرانية مع توقيعه ميثاق الدفاع العربي في فبراير/شباط 1980، الذي اعتبرته إيران عملا عدائيا يستهدفها ويُجيش دول المنطقة ضدَّها في صراعٍ حدودي تعتبر أنه يجب أن يحافظ على طابعه الثنائي.،ونتيجة للموقف العدائي من النظام الجديد تأزمت العلاقات السياسية بين العراق وإيران، حيث تبادل البلدان سحب السفراء  في مارس/آذار 1980 وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي، كما تعرض طارق عزيز نائب رئيس الوزراء وعدد من كبار المسؤولين آنذاك لمحاولة اغتيال اتهمت السلطات العراقية حزب الدعوة المدعوم من ايران بالوقوف وراءها،وفي الرابع من سبتمبر/أيلول 1980، (كما ثبتناها اعلاه)اتهمت العراق إيران بقصف البلدات الحدودية العراقية معتبرة ذلك بداية للحرب، فقام الرئيس العراقي صدام حسين في 17 سبتمبر/أيلول بإلغاء اتفاقية عام 1975 مع إيران واعتبار مياه شط العرب كاملة جزءا من المياه الاقليمية العراقية.استمرت الأعمال العدائية بين البلدين إلى ٢٠ آب ١٩٨٨، رغم دعوات مجلس الأمن لوقف إطلاق النار. انتهت الحرب بقرار مجلس الأمن رقم 598، الذي قَبِلَهُ الطرفان. 

الكيان الصهيوني على خط الحرب

بحسب ما ذكره رونن برجمان، قامت إسرائيل ببيع أسلحة قيمتها 75 مليون دولار أمريكي من مخزون الصناعات العسكرية الإسرائيلية وصناعات الطيران الإسرائيلي ومخزون قوات الدفاع الإسرائيلية، في عمليات سيشل عام 1981. ولقد ضمت المواد 150 مدفع إم 40 المضاد للدبابات مع 24.000 قذيفة لكل مدفع وقطع غيار لمحركات الدبابات والطائرات، وقذائف 106 مم و130 مم و203 مم و175 مم وصواريخ بي جي إم 71 تاو. ولقد تم نقل تلك المواد في بداية الأمر جوًا عبر الخطوط الجوية الأرجنتينيةثم نقلت بحرًا.

بحسب ما أوردته تريتا بارسي، كان الدعم الإسرائيلي لإيران عبارةعن

مبيعات الأسلحة إلى إيران التي قدرت إجمالاً بـ 500 مليون دولار أمريكي في الفترة من عام 1981 إلى 1983 وفق ما ذكره معهد جيف للدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب. ولقد تم دفع معظم هذا المبلغ من خلال النفط الإيراني المقدم إلى إسرائيل. “وفقًا لأحمد حيدي، “تاجر الأسلحة الإيراني الذي يعمل لصالح نظام الخميني ، 80%بالكاد من الأسلحة التي اشترتها طهران” بعد شن الحرب مباشرةً أنتجت في إسرائيل.

قامت إسرائيل بتسهيل عمليات شحن الأسلحة من الولايات المتحدة إلى إيران في مسألة إيران كاونترا.

قيام إسرائيل في السابع من يونيو من عام 1981 بمهاجمة المفاعل اوزيراك النووي العراقي مما أعاق البرنامج النووي العراقي. وفي حقيقة الأمر قصفت إيران المفاعل أولاً عام 1980، ولكنها لم تدمر سوى المنشآت الثانوية 

يذكر أن إسرائيل قدمت أيضًا لإيران المدربين والمساعدات غير التسليحية من أجل المجهود الحربي.

بحسب مارك فيثيان، تُعزَى جزئيًا حقيقة “أن القوات الجوية الإيرانية يمكنها العمل جيدًا” بعد الهجوم العراقي الأولي و”أنها يمكنها تنفيذ عدد من الغارات فوق بغداد ومهاجمة المواقع الإستراتيجية” إلى قرار إدارة ريجان بالسماح لإسرائيل بتمرير الأسلحة الأمريكية إلى إيران لمنع العراق من تحقيق نصر سريع وسهل.” 

ورغم جميع خطب الزعماء الإيرانيين والدعاء على إسرائيل في صلاة الجمعة، لم يكن أبدًا في إيران أقل من ألف مستشار وفني إسرائيلي تقريبًا في أي وقت طوال الحرب، ولقد كانوا يعيشون في معسكر شديد الحماية والتنظيم شمال طهران، ولقد ظلوا على هذا الحال حتى بعد وقف إطلاق النار. 

النظام في ايران لم ولن يشكل خطر على الكيان الصهيوني 

بحسب برجمان، كانت أهداف إسرائيل هي: إعادة خلق بعض النفوذ الذي فقدته في إيران بعد الإطاحة بالشاه عام 1979؛ وزيادة حدة حرب الخليج الأولى وإضعاف العراق الذي يعارض وجود إسرائيل؛ ومنع العراق من هزيمة إيران حيث كانت إسرائيل تخشى انتصار صدام حسين، وإقامة أعمال تجارية في ايران لصناعة السلاح الإسرائيلي. 

كتبت تريتا بارسي أن إسرائيل أمدت إيران بالسلاح والذخيرة لأنها ترى أن العراق يمثل خطرًا على عملية السلام في الشرق الأوسط. آريل شارونكان يرى أنه من الأهمية بمكان “أن يظل الباب مفتوحًا قليلاً” أمام إمكانية إقامة علاقات جيدة مع إيران في المستقبل. وبحسب ما ذكره ديفيد مينشري من  جامعة تل أبيب، خبير كبير في شئون إيران، “على مدار الثمانينيات من القرن العشرين، لم يقل أي شخص في إسرائيل كلمة عن الخطر الإيراني – لم تكن هذه الكلمة تنطق.” ولقد فسرت بارسي في لقاء مع دياني رهيم أنه رغم الخطب المعادية لإسرائيل التي كانت تعرض على الملأ في إيران، ففي واقع الأمر كانت الدولتان تعتمدان سرًا على دعم بعضهما البعض لمواجهة المعارضة الهائلة من كل من العراق والاتحاد السوفيتي. ويستدل على ذلك بحقيقة استمرار هذه العلاقة رغم زيادة حدة الخطاب نتيجة الثورة الاسلامية في إيران، والذي استمر حتى انهيار الاتحاد السوفيتي وتدمير الولايات المتحدة للعسكرية العراقية في حرب الخليج الأولى واللذين حدثا عام 1991. ورغم أنه أدعى أنه لطالما استخدمت إيران إسرائيل كوسيلة لخلق شعور عربي جامع معادٍ لإسرائيل تتجمع حوله جميع الدول المسلمة في المنطقة بزعامة إيران، بدأت إسرائيل وإيران حقًا اعتبار بعضهما البعض منافسًا إستراتيجيًا بعد تلاشي خطر الاتحاد السوفيتي وبعد ما لم تعد العراق تمثل نقطة اختبار للقوة في المنطقة. 

رأى الصهاينة أن حرب الخليج تعد فرصةً لضمان سلامة المجتمع اليهودي في إيران وعددهم ما يقرب من 80 ألف يهودي. وكانوا يعتبرون أقلية هم والمسيحيون والزرادشتيون في إيران، ولكنهم لم يواجهوا عمومًا اية مشاكل واستطاعوا متابعة حياتهم دون مشكلات. لكن أصولية الخميني جعلت الجميع في ورطة. فكان الدعم الظاهري لإيران يضمن سلامة المجتمع اليهودي وسمح لآلاف منهم بالهجرة؛ ولقد ساهم ذلك مساهمةً كبيرة في نجاح إيران في الذود عن حدودها.

كلفت الحرب كلا الطرفين خسائر بشرية واقتصادية: نصف مليون جندي عراقي وإيراني، مع عدد مماثل من المدنيين، يعتقد لقوا حتفهم، وعدد أكبر من الجرحى؛ رغم ذلك لم تجلب الحرب أي تعويضات أو تغييرات في الحدود. قورن الصراع بالحرب العالمية الاولى من حيث الأساليب المستخدمة، بما في ذلك حرب خنادق على نطاق واسع مع أسلاك شائكة الممتدة عبر الخنادق، ومواقع الرشاشة الثابتة، والهجمات بالحربة وهجمات بموجات بشرية، والاستخدام واسع النطاق للأسلحة الكيميائية من قبل القوات الإيرانية والمهم كما يرى اغلب الباحثين ان نتائج الحرب اثبتت ان المنهج الذي يتبعه نظام الملالي في طهران عاد بالكوارث على المنطقة منذ وصول خميني على متن طائرة الخطوط الجوية الفرنسية ،والمنطقة تعيش اسوء اوضاعها.

تنويه: جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل رأي يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى